29-10-2014

قصة القصة!

إن كنت لاحظت تغير سياق القصة عند النقل من شخص إلى شخص.. فلا شك أنك رأيت أن الأحداث الرئيسية قد تتغير.. ومن ناقلٍ إلى آخر.. ستسمع قصة مختلفة لكنها تحمل نفس العنوان.. ولم يكن التحريف بقصد التزييف أو تغيير الحقائق.. إنما المنقول عادةً يتأثر بأسلوب الناقل وتوجهاته وفكره وثقافته.. ولابد أن يتدخل رأيه العميق في الصور والسيناريو والأبطال.. ولن تصلك القصة كما حدثت تماماً.. وإن كانت حدثت بالأمس القريب.. فكيف بقصص تتناقل منذ سنين عدة!

التأريخ مجلس شيوخ يتناقل القصص فيما بينه.. ويسطرها كحقائق ترثها الأجيال.. جيل خلف جيل.. يضيف رأيه على أنه جزء رئيس من الحدث.. وهكذا دواليك إلى أن يواجهها عقل عنيد يرفض التصديق احتراماً.. ويطلبه اقتناعاً.. وكلما أحرج التأريخ استعان بالوزير الديني لتحول القضية من مجرد سؤال.. إلى حرب طائفية!

الطائفية والعنصرية وكل حرب سخيفة هي حرب أطفال يمارسها الكبار من أجل التأريخ.. ليكون صحيحاً.. وإن مات في سبيله الناس.. ويتم الأطفال.. ودمرت الحضارة.. المهم أن يكون التأريخ كما كتب.. كل حزب متمسك بتراثه! وان داس على حاضره ومستقبله.. فأي حياة تنتظر بشراً يقتلون بشراً لا يعرفونهم.. ولم يعاشروهم.. لمجرد أنهم يحملون فكرا مختلفا؟

من يستطع أن يقنع الجيل القادم بأسباب الحرب! وكيف أن أسلافهم حملوا السلاح وصيروا الأرض دماراً؟! أم أنهم سيحملون نفس الثأر.. ليثبتوا أن قصة تاريخهم هي الحقيقية!

الحرب تثور ببطء.. لكنها بعمر طويل ينشد الخلود ويطوله.. لا تعرف لها بداية.. ولن تعرف لها نهاية.. لأن الإنسان مشغول بتصحيح الحاضر وفق ما أملاه الماضي.. ودون أن يفكر ولو لوهلة.. أن الماضي قد يكون كذاباً.. أو حرفته طبيعة النقل.

فإن كانت الحرب تثور من أجل النقل.. فكيف بحياتك الشخصية والاجتماعية.. كم علاقة انتهت من أجل حفنة أقاويل؟ وكم من بيت تحول لجحيم الكراهية لنفس السبب؟.

كم حبيب تركته في منتصف الطريق لحديث لم يصلك منه شخصياً؟!

كم من صديق خسرته لقصة بدت كأنها صحيحة.. ولم تكلف نفسك عناء البحث فيها؟

وكم من موظف نشيط ووفي.. ضيقت عليه وخنقت أنفاسه.. لأن الأحداث كما وصلتك حشرته في زاوية المقصر والمخطئ!

تأكد أن كل قصة تحكى ليست الأصلية.. ولن تكون حقيقية.. إن تمعنت فيها ستجد العذر.. والكذب.. والتحيز.. والتأويل.. و.. و.. إلخ.

لكنك لن تجد العدالة فيها.. لأنك باختصار لن تكون رباً يحصي الحقيقة كاملة.. لذا.. كما قال حكيم ما «شكوا.. تصحوا».

amal.f33@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب