02-11-2014

هش الذبان

تُعَد حشرة الذباب من أكثر الحشرات عدداً، وأكثرها قذارة واستفزازاً للإنسان، وإثارة لاشمئزازه وغضبه وحنقه، وأنّ الإنسان مهما حاول إبعاد الذباب عنه هشاً وكشاً، إلا أنّ لدى الذباب من الجلد والإصرار على معاودة الإيذاء والاستفزاز ما لا يمكن تصوره وتحمله، فمهما كانت محاولات الهش والكش، إلاّ أنّ الذباب أقدر على مواصلة التحدي ومعاودة البقاء في المكان الذي يريد، فهو محارب عنيد شرس لا أحد يستطيع مجاراته والتغلب عليه.

فالهش لا يجدي مع الذباب، لذا على من يريد الخلاص منه معالجة أسباب تواجده، أو رشه بالمبيد الحشري الذي يقضي عليه، ويريح منه، علماً أنّ الخلاص من الذباب يتم بصورة مؤقتة، لأنّ وجوده في أي مكان وزمان يُعَد من الحتميات التي يستحيل تجنبها أو النأي عنها.

ومن يتابع عمليات الحلفاء الذين اجتمعوا بقضِّهم وقضيضهم للخلاص من زمرة داعش، يتذكر ذاك الذي يهش الذباب عنه كي يتخلص منه، ولكن محاولاته كلها تبوء بالفشل، فما إن يهش الذباب ويبعده عنه، إلا ويعاود الذباب الهجوم مرة أخرى وبصورة أشد شراسة وإصراراً، فعمليات الحلفاء مجرد هش ذبان، وبالتالي لن تجدي نفعاً، ولن تقضي على داعش، وذلك لاعتبارات معروفة في عالم الحروب عامة، وحرب العصابات على وجه الخصوص.

داعش ذباب شرس تدرّب على عمليات القتال والمقاومة والكر والفر، محاربوه أشداء يمتلكون من الخبرة القتالية الكثير، لهم تاريخ حافل في أفغانستان وفي العراق، لذا ثبت أنّ ضربات طيران الحلفاء الجوية لن تجدي مع داعش نفعاً، ولن تؤثر في عزائمهم القتالية مهما بلغ عدد تلك الضربات الجوية، وبدت قدرتها على التدمير.

هكذا يقول خبراء الحرب، ومن واقع تجارب سابقة، الضربات الجوية وحدها لا تكفي، ما لم يسندها على الأرض قوات برية كافية، تستولي على ما تم تطهيره من قوات العدو، لذا فالإصرار على مواصلة الضربات الجوية وحدها يُعَد بمثابة استنزاف وإلهاء وتسويق مواقف لم تعد تنطلي على أقل الناس خبرة في فنون الحرب وأدبياتها.

بل لم يعد خافياً أنّ الغرب وأخص أمريكا متواطئة بمنتهى الصفاقة مع بشار، فهم لا يرغبون في إزاحته، يريدونه دمية وبدأوا يتلاعبون به، وسداً منيعاً يحمي ربيبتهم في فلسطين المحتلة، فعلى الرغم من المطالب المنطقية بدعم الجيش الحر وتسليحه، وفرض منطقة آمنة شمال سوريا يحظر الطيران فوقها، كي يعود اللاجئون السوريون من تركيا إلى ديارهم، كل هذا رفض، على الرغم من منطقيته وشرعيته وإنسانيته، في المقابل يدفعون إلى الزج بتركيا إلى التدخل المباشر في حرب معلوم مصيرها، والبيتان التاليان يصفان واقع الحال بوضوح:

تركوا دمشق وأشعلوا كوباني

كشف المخطط وانجلى بعيان

بشار يبقى بالأمان وتركيا

هدف اليهود ومقصد الصلبان

مخطط دنيء، وفي دروس الماضي القريب (سقوط بغداد) عظة لمن يعتبر.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب