06-11-2014

الشؤون الإسلامية.. ومسؤولية أمانة الوطن!

يقتضي واجب الاستخلاف في الأرض حفظ نظام الأمة، والمحافظة عليها من أي تدمير، أو تخريب. ومن أوجه هذا التعاون، دفع المضار، والدوران مع المصلحة الشرعية في الوقائع المستحدثة، التي لم يرد فيها نص، واللذان يعتبران من جملة جلب المنافع، التي تعود على العباد في دنياهم، وأخراهم. بل من أجل، وأعظم مقاصد الشريعة التي تؤخذ من الأحكام، والأحكام التي تؤخذ من المقاصد الشرعية.

وهو ما أشار إليه سلف هذه الأمة، من أن السياسة الشرعية، تنحصر مقاصد الحكم فيها بأمرين اثنين، هما: حراسة الدين، وسياسة الدنيا، هذا من حيث الإجمال، أما من حيث التفصيل، فهي دائرة بين الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات. كان لملتقى: «دور المسجد في تعزيز القيم الوطنية»، إحدى فعاليات الحملة الوطنية الشاملة ؛ لتعزيز قيمنا الوطنية، تحت شعار: «وطننا أمانة»، والذي نظمه فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة الرياض بالتعاون مع إمارة منطقة الرياض، حدثا بالغ الأهمية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بالأمة، باعتبار أن مصالح الدنيا، والآخرة، وجمع أصول الدين، وقواعده، لا تنتظم إلا بلزوم جماعة المسلمين بعد كلمة التوحيد، ومناصحة أولي الأمر. وهذا هو الطريق الأسلم، والمنهج الأوفق، والأمر الذي كان عليه سبيل الدعوة أيام الرسالة. بل إن منهجا كهذا، هو من عزائم الدين، ومن وصايا الأئمة الناصحين. وهذا المعنى هو ما أكد عليه - فضيلة الشيخ - عبدالله بن عبدالعزيز الناصر - المدير العام لفرع الوزارة بمنطقة الرياض -، بأن : « من أسباب إقامة الملتقى ، وأهدافه، أن منبر المسجد تقع عليه مسؤولية كبرى في تحقيق الأمن الفكري..»، وعليه، فإن: « إبراز، وتأكيد الدور الهام الذي يؤديه منبر المسجد، والجمعة في تحقيق الأمن، والأمان ، والمساهمة في البناء الفكري بما يكفل حماية المجتمع من التأثر بالفتن، والأحداث الخارجية، ودعم الخطاب الديني المتوافق مع منهج الوسطية، والاعتدال، مطالب مشروعة - ولا شك - «. لم يكن تفعيل دور المقاصد الشرعية مقصورا على الأحكام الفقهية - يوما ما -، بل تعداه لتأطير القضايا الفقهية المعاصرة، ومن ذلك: المحافظة على مقصود الشارع من الخلق، وهو ما ذكره أبو حامد الغزالي - رحمه الله - في كتابه « المستصفى «، بأن : « يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، وعرضهم، وأمنهم، وحقوقهم، وحرياتهم ، وإقامة العدل، والتكافل في أمة نموذجية ، وكل ما ييسر عليهم حياتهم ، ويرفع الحرج عنهم ، ويتمم لهم مكارم الأخلاق، ويهديهم إلى التي هي أقوم في الآداب، والأعراف، والنظم، والمعاملات «. فالمصلحة - إذاً - هي المحافظة على مقاصد الشارع، ولو خالفت مقاصد الناس، فإن الأخيرة عند مخالفتها للأولى، ليست في الواقع مصالح، بل هي أهواء، وشهوات زينتها النفس، وألبستها العادات، والتقاليد ثوب المصالح. تتجلى النزعة الإيمانية في المقومات ادينية الخلقية الأساسية للمجتمع، التي قررها القرآن الكريم في وحدة الأمة، والتي جُعلت قرينة التوحيد، بل أعظم مقاصده: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). فهذه المنزلة العظيمة لوحدة الدولة، ستحفظ الوحدة الاجتماعية، وستؤدي إلى الوحدة الحضارية، ضمن دائرة الأحكام التي تجلب لها المصالح، وتدفع عنها المفاسد، كل ذلك؛ لأجل حفظها، وصيانتها، ودرء الاعتداء عليها.كتبت مرة، أننا - اليوم -، أشد ما نكون فيه إلى البر بالوطن؛ حتى نصونه من مؤامرات عبثية، ونحميه من أي عدوان، - سواء - كان عدوا متربصا بنا، أو طامعا يتلمس الفرص - من خلال - مظاهرات فئوية، تريد الحصول على مكاسب آنية، ومنافع ذاتية ؛ حتى أصبحوا - مع الأسف - مجرد رقم في معادلة غير مفهومة، عبث بمصيرهم المجهول. وهو ما يجعلنا نؤكد على : أن الإنسان، هو جوهر العملية الأمنية، بل هو نواة الأمن الداخلي، والخارجي. وعندما نؤكد على أن الأمن مطلب أساس لجميع الناس، - ولاسيما - ونحن نعيش عصرا مدلهما بالمتقلبات الفكرية، والتحديات السياسية، والمجتمعية، والمؤثرات الثقافية، فإنه بغير هذا المبدأ، لا تعدو أن تكون السعادة، التي ينجرّ إليها بعض المخدوعين خلف بصيصها مجرد سراب، يحسبه الظمآن ماءً ؛ ولكي تكون الفكرة واضحة، فإن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وما ترمي إليه من خير للبشرية جمعاء، هو الوقوف صفا واحدا ضد أي عبث بمقدرات الوطن ؛ حتى تتطابق نتائج حكمة الحفاظ على أمن الوطن مع مبادئه. ويتجلى ذلك في الهدف الأساس، الذي ترمي إليه أحكام الشريعة، وذلك - من خلال - الحفاظ على المقاصد الأساسية الخمسة، وهي - بلا شك - أساس عوامل قيام الدول، والحضارات، والمجتمعات. لعل ما يمكن التأكيد عليه في ختام المقال، ضرورة الأخذ بأصول الاجتماع، ومحاربة أسباب الفرقة ؛ حرصا على وحدة المجتمع، وقضاياه الكبرى، كمقصد الأمن، والعدل، وحفظ الدين، والخلق، والتعاون، والتضامن، والتكافل ؛ ليعيش الناس على اختلاف درجاتهم الاجتماعية في ظل الأمن، والسكينة. أما مراهنة أعداء هذا الوطن على تشرذمه، وتصدع صفوفه، فهو خيار ساقط ؛ لأن دور العقلاء، هو الدعوة إلى سد الباب أمام كل من يحاول تأليب الناس، وزعزعة الاستقرار، وانتشار الفساد في الأرض، وما يصاحب ذلك من آثار سلبية، بسبب طغيان النزعات الفردية،كاتباع الهوى، والتسلط، والجور.

drsasq@gmail.com

باحث في السياسة الشرعية

مقالات أخرى للكاتب