الأثنين 26 ,شعبان 1422                                                                                                   Monday 12th November,2001

قالوا عن الفهد


مشاعر المواطنين


سيرة ذاتية


الرياضة في عصر الفهد


قصائد في الذكرى


من اقوال الفهد


إنجازات الفهد


مقالات في المناسبة


لقاءات


محليــات


محاضرة


ارشيف الموقع


في شوارع القاهرة الفنانون يتحدثون ل الجزيرة عن ملامح خادم الحرمين:
الحب المكنون يجد فرصته فينطلق ويبوح

* القاهرة مكتب الجزيرة:
رجال من مصر اعتادوا على الكفاح يوما بيوم.. يبحثون عن أرزاقهم في غيب مجهول.. عن (لقمة عيش) كريمة من عمل اليد.. ولأنهم يملكون موهبة الرسم ونعمة الخط الجميل فهم يتجولون هنا وهناك في ميادين القاهرة.. على نواصي الأحياء.. يبدعون فنهم التلقائي ويرسمون ملامح المشاهير من نجوم الفن والسياسة: ملوكاً ورؤساء وأدباء وفنانين.. في عشرات الصور الشخصية التي تعبر عن أصحابها أصدق تعبير.. حتى ما يجيش في النفس يستخرجه هؤلاء في تعبير الوجه ونظرات العين.
ليسوا من أصحاب المعارض أو الصالونات الفنية، فكل ما يهمهم هو إثبات ذاتهم لمشاهد عابر: انظر الى رسوماتنا.. كما استطعنا أن نرسم هؤلاء المشاهير نستطيع أن نرسمك.. ادفع لنا ما تشاء وما عليك إلا أن تترك لنا صورة صغيرة ثم تمر بعد يومين.
عالم من الأكشاك والمحلات الصغيرة والورق الأبيض وقليل من الفحم، وثمة شخص ناحل يصر دائما على ان يؤكد انه (فنان) حقيقي، وأنه تتلمذ على صلاح طاهر وبيكار في رسم الصور الشخصية وأبدا لا يقبل منك ان تمر غير عابىء به.. وبفنه..
في لحظة استكشاف اقتربت (الجزيرة) من هذا العالم وكان السؤال عن صورة عزيزة على كل عربي ومسلم.. صورة خادم الحرمين الشريفين.. لماذا يحرص هؤلاء جميعا على رسمها وتزيين واجهة المحل بها؟ من أين وكيف حصلوا عليها؟.. رغم ان كلماتهم جاءت بسيطة لكنها كانت تحمل أسمى المعاني.. فهؤلاء الناس يتحدثون من القلب مباشرة بلا تزويق.. بلا انتظار لفائدة.. فقط الحب المكنون يجد فرصته فينطلق ويبوح.
الوقار والشموخ
في حي العجوزة، وفي نفس الشارع الذي يسكن به الكاتب الكبير نجيب محفوظ، التقينا بالشاب عصام الدين فتحي (25 سنة) الذي قدم إلى القاهرة من مدينة (الرياض) في محافظة كفر الشيخ بحثا عن فرصة عمل أفضل.
وبعد أن جرب حظه في العديد من المهن والعمل في المطاعم المختلفة، شعر بأنه لا يطيق هذا النوع من العمل، وخاصة انه يهوى الرسم من صغره، يقول عصام: ذهبت إلى رسام (كبير) اسمه زكريا عبدالباقي فعطف عليّ وشجعني على رسم الصور معه، ولما كبر في السن أصبحت أعمل بمفردي.
ويتذكر عصام أول صورة رسمها لخادم الحرمين الشريفين قائلا: حصلت على الصورة من مجلة وبدأت أدقق فيها وأستعد لرسمها، وبعد ان انتهيت من الرسم رحت أقارن الرسم بالصورة التي معي، فوجدت ان الشبه بعيد.. بصراحة كان الرسم صعبا ومعقدا في حين ان صورة الملك فهد وملامحه تتسم بالبساطة والبشاشة، فهو وجه بشوش.
على الفور والكلام لعصام بدأت أرسم من جديد وأحاول ان أتفهم الملامح عن قرب ونجحت بالفعل كما ترى في رسم ثلاث صور للملك فهد، وقمت بتعليقها لأن منطقة العجوزة يأتي إليها كثير من الاخوة العرب وخاصة من السعودية فقلت في نفسي إنني لو رسمت اكبر عدد من الصور للملك فهد ستعطي الأمل في مجيء زبائن إليّ وستلفت الأنظار إلى براعتي كرسام.
وقبل ان نترك عصام إلى مكان آخر سألناه عما يميز خادم الحرمين الشريفين من وجهة نظره، فقال: عندما تنظر الى الملك فهد تشعر أنه إنسان فيه وقار وشموخ وعزة وتحس أنه رجل قائد بصحيح.
إنكار الذات والطيبة
انتقلنا من حي العجوزة إلى ميدان سفنكس بالمهندسين.. وهناك تعرفنا على الفنان محمد أبو السعود وقبل ان يسمح لنا بالكلام معه في أي شيء أصر على ان يخبرنا بأن الفنان صورة مشرفة لبلده لكنه للاسف مظلوم ومهضوم حقه، وقال انه يهوى الرسم منذ الصغر وكان يطلع (الأول) في الرسم في الابتدائي والإعدادي والثانوي وحصل على المركز (الاول) على مستوى مراكز شباب القاهرة!
وبعد ان استمعنا الى تاريخه الشخصي سألناه عن صور المشاهير التي يعلقها فقال انه يرسم صورا للعظماء والرؤساء والفنانين كما يرسم صورا للاشخاص العاديين. كما ان بعض الزبائن يفضلون ان يرسموا على الطبيعة وليس من صور.
سألت محمد أبو السعود عن سر صورة الملك فهد وكيف رسمها، فقال: أول مرة رسمت صورة الملك فهد منذ ربع قرن تقريبا عندما كان وليا للعهد. ومن الناحية الفنية تشعر أن ملامح الملك فهد تليق وتظهر بقوة مهما كانت الخامة المستعملة سواء الزيت او الفحم او الباستل.. ومن الناحية الإنسانية والكلام لمحمد أبو السعود تشعر أنه رجل عظيم يهتم بالنواحي الدينية وعمل الخير.. ملامح تشعرك بالطيبة والاحترام والمسؤولية وإنكار الذات، فهو يعمل في صمت لخدمة الأمة العربية. وعندما يمتلىء قلب الإنسان بالطيبة تظهر على ملامحه. لذلك في كل مرة كنت ارسم فيها صورة لخادم الحرمين الشريفين كنت أشعر ان الناس تحب صوره، لدرجة أنني بعت صورته أربع مرات في اسبوع واحد. وبعض الزبائن كانوا يقفون على يدي حتى انتهي منها.
في انتظار العقد
الاستاذ صالح علي صباح مدرس من الشرقية، كان يهوى منذ الصغر تقليد الصور ورسومات الكتب والمناظر الطبيعية، وعن طريق هذه الهواية ارتبط بزوجته حين رسم لها صورة فنية. وذات يوم اخبره احد الأصدقاء انه مسافر للعمل بالسعودية، فاتفقا معا على ان يقوم الاستاذ صالح برسم صورة لخادم الحرمين الشريفين، يأخذها صديقه معه الى السعودية لتأكيد هويته الفنية، على أن يحصل على عقد عمل كمدرس رسم.
يقول الأستاذ صالح: بحثت عن صورة الملك فهد في العديد من المجلات حتى حصلت عليها وبدأت أرسمها بسرعة، نظرا لأن ملامح الملك فهد مميزة وبسيطة. وكنت متفائلا لان الصورة سوف تذهب الى السعودية ولأنها صورة الملك فهد. ويكفى المرء أنه رسم صورة لخادم الحرمين الشريفين.
أما ما حدث بعد ذلك فهو أن صديقه المسافر أعجب بالصورة إعجابا شديدا ويبدو انه قرر الاحتفاظ بها لنفسه وتناسى الصديقان مسألة العقد هذه!
صورة للخارجية
في ميدان العباسية ووسط الزحام والضجيج التقينا بالاستاذ نهار مطر (45 سنة)، في محل صغير مجاور لمحل زهور اسفل كوبري العباسية. كان منهمكا في وضع اللمسات الاخيرة لاحدى الصور وحين سألناه عن الخامات التي يستعمله وأسعار الصور، قال: الأسعار تتحدد حسب طلب الزبائن وهي تتراوح ما بين 30 جنيها ومائة جنيه للصورة الواحدة. أما بالنسبة للخامات فهي ألوان الباستل والفحم، والفحم أنواع ودرجات أفضلها النوع الفرنساوي.
أما عن طريقة حصوله على صورة الملك فهد فقال انه حصل عليها من استديو خاص في الفجالة يتعامل معه ويوفر له صور المشاهير. وعن الاسباب التي تدفع بعض الاشخاص لاقتناء الصور بصفة عامة، ذكر الاستاذ نهار ان الاسباب متعددة سواء المرتبطة بالأعياد أو الحفلات أو المناسبات المختلفة، وهناك أسر ترسم صورة أبنائها كي ترسلها للأب المسافر في الخليج وفي أمريكا مثلا.
وبدأ الأستاذ نهار مطر يرسم أمامي صورة للملك فهد يستنسخها من صورة أخرى لديه، وقال ان الفنان يبدأ أولاً بعمل الإطار الخارجي للوجه ثم يبدأ بعد ذلك في رسم الملامح مستخدما الفحم وقطعة قطن كي يمسح بها أية رتوش... وهو يحرص دائماً على رسم صور متعددة للملك فهد بسبب محبته له وللسعودية وللزبائن السعوديين الذين يرتاح إليهم كثيراً لأنهم يأتون إليه من بلد الكعبة وبلد النبي عليه الصلاة والسلام..
ثم حكى لنا أن أول مرة رسم فيها خادم الحرمين الشريفين كانت بطلب من شخص مهم في وزارة الخارجية، وأول ما لاحظه عن قرب وهو يتأمل صورة خادم الحرمين الشريفين أنه يتسم بالهندام في ملبسه والوقار في ملامحه وقال لي بتعبيره البسيط: *إنسان مقنن< فسألته: ماذا تقصد؟ قال: يعني رجل مهندم.
الوسام الكوري
حسني شيخ رسامي الصور الشخصية، يعمل في هذه المهنة منذ أربعين، ووراء حسني حكايات كثيرة لاتنتهي.. فهو جاء من بورسعيد تاركا التجارة بسبب العدوان الثلاثي وبدأ في تعلم الرسم في المركز الثقافي الإيطالي وفي القسم الحر بكلية الفنون الجميلة. كما حصل على شهادة عليا في تزيين وكتابة المصحف الشريف، وتتلمذ على يد الفنان حسني والد الفنانة نجاة الصغيرة.
دلنا الكثيرون على حسني فذهبنا إليه في مكانه المعهود بالقرب من ميدان الجيزة وكانت المفاجأة أننا لم نجد لديه صورة لخادم الحرمين الشريفين كما هو متوقع فسألناه:
* ألم ترسم صورة للملك فهد أبداً؟
بالعكس رسمت للملك فهد صوراً كثيرة ولعدد كبير من الأمراء في المملكة.
* لكن، أين صور الملك فهد التي رسمتها؟
موجودة لكن أرفض أن أعلقها على قارعة الطريق كأي صورة لأنه إنسان غير عادي وله قيمته ويكفي أنه خادم الحرمين الشريفين.. لذلك أشترط على من أرسمها له أن يأخذها على الفور ويحتفظ بها.
* وما الذي يميز ملامح خادم الحرمين الشريفين في رأيك؟
ملامحه قوية ولا تنسى.. وعندما أرسم له صورة يكون لها اهتمام خاص فلقب خادم الحرمين الشريفين وحده يكفي لكي يكون لها اهتمام خاص جداً أثناء رسمها.. وأشعر بشيء من البركة والخير والتفاؤل وأنا أعمل.
* ألم تفكر في رسم زعماء آخرين؟
نعم، رسمت الكثير من الزعماء، منهم الرئيس الكوري بطلب من المركز الثقافي الكوري وأقاموا حفلة وأعطوني فيها وساما على سبيل التقدير.
* وهل تهتم بالشهرة من وراء رسم صور المشاهير؟
أنا لي اسم معروف.. ومن يأتون إليَّ يعرفونني.. لكني لا أهتم بالشهرة.
الصورة الشخصية والكاريكاتير
في نهاية هذه الجولة الاستكشافية التقينا بالفنان سمير عبدالخالق رسام الكاريكاتير بجريدة الجمهورية.. وفي الجاليري الخاص به بشارع الملك فيصل سألناه عن الفارق بين رسم الملامح من خلال فن البورتريه ورسمها من خلال فن الكاريكاتير.. وعن رأيه في رسوم البورتريه المنتشرة بميادين القاهرة. قال إن ما يقوم به هؤلاء يعتمد على تكتيك تقليدي يتوارثونه وقدرة على النسخ ولا علاقة لهذا بالعمل الفني بالمعنى المتعارف عليه.. فهي مجرد أعمال تجارية بغرض الحصول على لقمة العيش، ومحاولة التعبير عن ملامح الزعماء خاصة في دول الخليج برع فيها الفلبينيون والهواة من جنوب شرق آسيا أكثر من المصريين، بحكم عملهم في دول الخليج. ورسام البورتريه *الحرفي< يعتمد عادة على مواد بسيطة مثل الفحم أو الباستل.
أما بالنسبة للمقارنة بين رسم زعيم كبير مثل خادم الحرمين الشريفين من خلال فن البورتريه ورسمه من خلال فن الكاريكاتير، فإننا نلاحظ عدة فروق هامة، من بينها أن فنان البورتريه يفضل وجود الشخص نفسه في جلسات قد تطول أو تقصر، ولا يكون الفنان ملتزما بوقت معين للانتهاء من الصورة، وعندما يلجأ الفنان إلى رسم البورتريه معتمداً على صورة فإنه يلجأ إليه كبديل اضطراري لأن الصورة مهما كانت غير واقعية ولا تمثل ملامح الشخص وروحه بدقة.. ودائماً يحرص فان البورتريه على رسم الملامح بدقة تكاد أن تكون تسجيلية في بعض الأحيان مع إضفاء بعض النواحي الجمالية.
ويضيف رسام الكاريكاتير الفنان سمير عبدالخالق بأن رسم الكاريكاتير يختلف تماما عما يقوم به المصور، فهو أولا عمل مرتبط بوقت محدد جداً وبظروف طبع الجريدة أو المجلة لذلك لا تكون هناك فرصة لرسام الكاريكاتير كي يحضر الشخص المطلوب رسمه أو حتى صورته وإنما مرجعيته الأساسية ما يوجد بداخله من مخزون ثقافي ومعرفة بالشخصية وأهم ما يميزها، ولا يسعى رسام الكاريكاتير إلى رسم الملامح بدقة أو بجماليات معينة كالمصور وإنما هو يهتم في المقام الأول بإبراز أهم الملامح بصورة هزلية مرحة وربما لايلقي بالا سوى لعضو معين في الوجه مثل الأنف أو الفم... فهذه هي تقاليد رسم الكاريكاتير التي تناسب عامة الناس الذين يفرقون بين ملامح شخص وآخر بصفة واحدة مثل طول الأنف أو ضيق العينين.. ومن المهم أن يتفهم المسئولون والزعماء طبيعة رسم الكاريكاتير الهزلية، مهما اختلفت مدارسه.. لدينا مثلا رسومات مصطفى حسين عن المسئولين في مصر بجريدة الأخبار، وسبق للفنان طوغان ان رسم أكثر من كاريكاتير بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر، وكلها أعمال تحبب الزعماء العرب إلى قلوب عامة الناس.