الأثنين 26 ,شعبان 1422                                                                                                   Monday 12th November,2001

قالوا عن الفهد


مشاعر المواطنين


سيرة ذاتية


الرياضة في عصر الفهد


قصائد في الذكرى


من اقوال الفهد


إنجازات الفهد


مقالات في المناسبة


لقاءات


محليــات


محاضرة


ارشيف الموقع


فهد بن عبدالعزيز في مدرسة الملك عبدالعزيز
دروس الصبا ومسؤوليات الشباب
ولد خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبدالعزيز في السنة التي فتح فيها الملك عبدالعزيز الحجاز وتشرف بخدمة حجاج بيت الله الحرام

أثناء المعارك العظيمة وفي الأوقات العصيبة واللحظات الحاسمة من تاريخ الشعوب والأمم يولد أفذاذ الرجال الذين لا يتركون بصماتهم واضحة على التاريخ فحسب، بل يشاركون في صنع أحداثه وهذه ظاهرة تتكرر في حياة الكثير من الشخصيات المؤثرة التي كان تاريخ ميلادها في مرحلة لا تنسى من تاريخ شعوبها.
الحكم والعقيدة
وهكذا كان مولد فهد بن عبدالعزيز سنة 1343ه الموافق 1924م، في مرحلة حقق فيها الامام والقائد الرباني عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود انتصارات عدة على مناوئيه وعلى اعدائه،وكان يعمل جاهداً على توحيد ما تبقى من جزيرة العرب لا ليكون سلطاناً عليها وانما ليحررها مما توارثته عن جهل بالعقيدة الصحيحة من بدع وخرافات واباطيل ما أنزل الله بها من سلطان، ليكون الحكم كله لله، ولا يكون الحكم كله لله الا اذا تم الحكم بما أنزل الله «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون».
من هذا الوعي الراسخ بالصلة بين «الحكم» و «العقيدة» انطلق عبدالعزيز بن عبدالرحمن يحقق الانتصارات في طول جزيرة العرب وعرضها ليخضعها لحكم الله وحده، لا يبتغي من وراء ذلك غرضاً من اغراض الدنيا ولا جاهاً فيها. كان هو «عبدالعزيز» قبل فتح الرياض وظل هو «عبدالعزيز» بعد فتح الرياض، ولم يتغير «عبدالعزيز» قط حتى بعد ان استتب له حكم جزيرة العرب وانشأ مملكته المترامية الاطراف، فقد استقر في فؤاده انه لم يكن الا منفذاً لاحكام الله وحاميا لشرعه القويم وخادماً لشعبه وامة المسلمين من مشرقها إلى مغربها.
ليست مصادفة
ففي الفترة التي ولد فيها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حقق الله لوالده الامام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الظفر بدخول الحرمين الشريفين مسالماً دون سفك دماء، واعطاه الله شرف خدمتهما.
فقبل ان ينصرم عام 1342ه اعلن الشريف حسين حاكم الحجاز آنذاك نفسه خليفةً على المسلمين بعد الغاء الخلافة الاسلامية في تركيا وانتصار العلمانية على كمال اتاتورك. ولم يكن في نية الامام عبدالعزيز ان يناوئ الشريف في ذلك، ولا كان ذلك من خلقه ولا في سياسته، بل تشهد احداث التاريخ بمحاولات الامام عبدالعزيز المتعددة، في مد يد السلم والتعاون مع حاكم الحجاز لخدمة المسلمين، ولكن الاخير كان يقابل ذلك كله بالصد حيناً وبالعدوان حيناً آخر، فصبر عبدالعزيز حتى لم يعد في قوس الصبر منزع، ووصل الامر بالشريف حسين ان منع حجاج نجد عن اداء مناسكهم فضلاً عن رفضه ترسيم الحدود بين الحجاز ونجد التي كانت تدل على حسن نية الملك عبدالعزيز وعدم رغبته في التوسع آنذاك.
استشار الملك عبدالعزيز العلماء والفقهاء في امر الشريف حسين ومنعه حجاج نجد عن اداء مناسك الحج، فكان رأيهم بالاجماع ضرورة تحرير الحرمين الشريفين من جبروته ليتمكن حجاج بيت الله جميعاً من كل ارض وجنس من اداء مناسكهم بحرية وبلا قيود او صعوبات.. واستخار الملك عبدالعزيز ربه في فتح الحجاز فكانت الخيرة فيما اختاره الله.
وفي اوائل سنة 1343ه وصلت جنود الملك عبدالعزيز إلى مدينة الطائف فهرب منها اتباع الشريف حسين وانهزمت حملة النجدة التي جاءت بقيادة علي بن الشريف حسين.
واحس الشريف حسين ان الارض تزلزل من تحت قدميه..فتنازل عن عرش الحجاز لابنه «علي» بعد ان ازداد ضغط اهل مكة وعلمائها عليه.
وهنا استطاع «جيش الاخوان»..جيش الامام عبدالعزيز من دخول محرمين لاداء فريضة الحج دون حرب اوسفك دماء.
وفي هذه الأثناء بشر عبدالعزيز بمولد ابنه «فهد».
وتوالت بعد ذلك الاحداث.
لاذ الشريف بجدة بعد دخول جيش الاخوان مكة..
وكان حصار جدة المعروف لمدة 12 شهراً حيث كانت اوامر الملك عبدالعزيز صارمة «الصبر ولا الحرب» فلم يمس اهل جدة بأذى ولا اراد ان يصلهم شرر من نار اراد عبدالعزيز لهم ان يستضيئوا بنورها ولا يحترقوا بجمرها.
وفي الوقت نفسه كان الحصار حول «المدينة المنورة» قد انتهى بعد ان استمر عدة شهور فدخلها سمو الامير محمد بن عبدالعزيز سلماً في جمادى الاولى 1344ه.
وفي شهر جمادى الآخرة 1344ه استسلمت جدة بعد حصار دام اثني عشر شهراً ودخلها الملك عبدالعزيز منتصراً.
ثم سقطت ينبع وجميع مدن الساحل الغربي.
وفي يوم الجمعة 23/6/1344ه بايع اهل الحجاز عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ملكاً عليهم.
وعقدت البيعة عند بيت الله المعظم، فأصبح ملكاً على الحجاز ونجد وملحقاته، وبعد سبعة اعوام، اي في جمادى الآخرة من عام 1351ه اعلنت المملكة العربية السعودية دولة موحدة، وتحت ادارة واحدة في جميع شؤونها، وكان هذا الاعلان تتويجاً لرحلة شاقة، ولطموحات بدت في مهد تكوينها ومخاضها مستحيلة تماماً، ولذا كان التوحيد معجزة حقيقية، وقصته اشبه برواية خيالية محشوة بالاسطورة، وللمتابع ان يتصور مغامراً اراد اجتياز صحراء قاحلة يصل إلى واحة في الجانب الآخر ولا يملك زاداً ولا ماء ولا راحلة، وكل ادواته عزم وارادة وطموح، ولكن الملك عبدالعزيز لم يغامر، وانما سعى معتمداً على خالقه ثم على ارادته والمؤمنين الصادقين من اهله وابناء وطنه، فتحول الحلم حقيقة والاسطورة واقعاً.
وحقق عبدالعزيز الوحدة المنشودة لجزيرة العرب وعمل الملك عبدالعزيز منذ ان ملك على بناء دولته لبنة لبنة، وكانت معركة البناء تضاهي في جسامتها معركة التوحيد. استنهض هذه المرة الهمم والعزائم لاقامة اركان الدولة الفتية، وكرس كل الجهود وامكانياته لبسط الامن في جميع ارجائها، وسيطرت عليه هذه المهمة حتى وفقه الله إلى اقتلاع كل صور الشر والفتن والخوف والفساد من جذورها. واستقرت نفسه وهدأت بعد أن تمكن من تأمين طرق الحج للزائرين والقادمين إلى بيت الحرام من كل بقاع الأرض وافضى هذا الانجاز العظيم إلى اقبال الناس على المدينتين المقدستين وهم آمنون على دمائهم واموالهم واعراضهم، ومنذ ذاك الوقت والبيتان يشهدان عمارة مستمرة، عمرا بالطائفين والزائرين والركع السجود والعاكفين ثم عمارة بناء وسعة وضياء وتكييف تيسيراً على المسلمين والمسلمات.
وهكذا دانت اجزاء الجزيرة العربية للملك عبدالعزيز بعد كفاح مرير، واصبحت وحدة متناغمة يجمعها دين الله وحب الوطن،وحينها خاطب الملك عبدالعزيز ابناء الجزيرة والامة العربية والاسلامية فقال «جلبنا السلام للبلاد، ونشرنا العدل في ربوعها، وللعالم الاسلامي ان يحكم على اعمالنا في الماضي وبما سنقوم به في المستقبل بإذن الله». واعلن في نهاية خطابه:«ان الحجاز اصبح امانة في عنقي مقدسة».
واصبح الراكب من الاحساء إلى مكة المكرمة، ومن نجران إلى تبوك، ومن جيزان إلى الرياض آمناً على نفسه وماله ومتاعه لا يخشى مجرماً ولا قاطع طريق، واصبح الحاج يأتي من اقاصي الارض فيتمتع بالامن نفسه.
في مجلس الملك عبدالعزيز
ولم يهدأ للملك عبدالعزيز خاطر حتى اطمأن على رضى العالم الاسلامي كله عن حكمه للحجاز وليس اهل الحجاز فقط، حتى يغلق الباب على المنقولين وارباب الفتن واصحاب المعتقدات الضالة. فاجتمع علماء المسلمين سنة 1345ه في اول مؤتمر اسلامي لهم وباركوا خدمة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود للحرمين الشريفين وحكمه للحجاز.
وكانت هذه الخطوة المباركة قد عكست غيرة حقيقية، وايماناً غير محدود بوحدة الكلمة الاسلامية، وشكلت ثوابت ومنهج الفكر السياسي السعودي القائم على العقيدة الصحيحة، وهو ما اورثه الاب لابنائه، وقد اختمرت هذه الاسس والمبادئ في ذهن فهد بن عبدالعزيز تشربها عقله وضمها قلبه بين جوانحه منذ باكر صباه.
شاهد الفهد في صباه والده ينظر للدول العربية على انها اساس نجاح اي عمل اسلامي، وان الاسلام يستهدف من خلالها، وان المنطقة بما تملكه من امكانات وموارد بشرية واقتصادية هي التي يسيل لها لعاب الطامعين، ولذلك سبق الفكر السياسي العربي وتفوق عليه، فكان صاحب اول فكرة لقيام جامعة عربية، وحين برزت هذه الفكرة فيما بعد انحاز اليها بشدة، وكان له القدح المعلّى في تأسيسها سعياً إلى ايجاد كيان عربي قوي يوحد كلمتهم ويصنع قرارهم، ويوجد لهم هيبة ومكانة في دوائر واوساط صناعة القرار العالمي. وادت هذه السياسات إلى ان تتحول المملكة العربية السعودية إلى قوة سياسية وكيان اقليمي ودولي يحسب له حساب في كل صغيرة وكبيرة.
في ظل هذه الظروف التاريخية عاش فهد بن عبدالعزيز صباه يتعلم في مدرسة «عبدالعزيز آل سعود» دروساً في العقيدة والخلق والشجاعة والشهامة والسياسة والحكنة من خلال المداومة على حضور مجالس والده فضلا عن ما كان يتلقاه في المعهد العلمي بمكة المكرمة من دروس على ايدي كبار العلماء.
وقد ادرك الملك عبدالعزيز نباهة ابنه فهد فحرص على حضوره المستمر معه في مجالسه، فكانت هذه المجالس المدرسة الكبرى التي تعلّم فيها الفهد وتخرج منها اخوانه الاكبر سناً ليسيروا في دروب المجد واحداً تلو الآخر.
كان مجلس الملك عبدالعزيز جامعة قائمة بذاتها تضم كل علوم الشريعة ومدارس السياسة وفنون الحرب، يجتمع فيها الساسة والقادة واهل الشرع والرأي والشعراء والأدباء من كل اوطان العرب والمسلمين، فكان المجلس مثل حديقة متنوعة الازهار حرص عبدالعزيز ان يضع فيه من كل بستان زهرة.
ففي هذا المجلس اتخذت القرارات الحكيمة، ووضعت انظمة الدولة، وأطر ادارة البلاد، واستمع عبدالعزيز آل سعود لنصح الناصحين بتواضع الحكيم ولآراء المستشارين بحصافة الخبير، وفي هذا المجلس نفسه شاهد فهد بن عبدالعزيز والده لا يرد سائلاً ولا يلقى مؤمناً بما يكره، ويخالط الناس بخلق حسن، فتشرب الكرم والتواضع وحسن الخلق.
مشاهدات الفهد
وشاهد فهد بن عبدالعزيز والده العظيم يولي اهتماماً كبيراً بالشأن الداخلي ويضع له الاسس والقواعد ولم يترك اي جزء من وقته يضيع بدداً، وهو السياسي والقائد صاحب الرؤية البعيدة النافذة، فقد استنفر طاقاته وطاقات ابنائه وشعبه لينهض ببلد تتباين طبوغرافيته وانتماءات اهله القبلية وهي مهمة صعبة وعسيرة دون شك تتطلب حكمة وحنكة وشجاعة. وبرغم انشغاله بتوحيد اجزاء البلاد الا انه لم يغفل الاخذ باسباب العلوم والصناعات الحديثة والاقتصاديات القائمة على العلم والتخطيط، ودعا في الوقت نفسه قادة الدول العربية إلى اخذ المفيد من معطيات العلم ومستجداته التي تتناسب عقيدة المواطنين وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم. ونبذ ايضا وبشدة اي محاولات لاستيراد البدع والطالح دون الصالح، ورفض الزيف والتدليس وبسبب هذا الادراك المستنير دخلت إلى المملكة وسائل العلم الحديث التي تعين على تيسير سبل الحياة للناس مثل الوسائل المتاحة آنذاك في الاتصالات والمواصلات.
وشاهد الفتى فهد بن عبدالعزيز اقبال الشركات والمؤسسات الاقتصادية العالمية على الاستثمار والاستيراد والتصدير، ووجدت حركة التجارة تشجيعاً هائلاً ولكن دون المساس بقيّم الناس وعقائدهم وتقالديهم.
وانشئت كذلك وسائل الاعلام، الاذاعة والصحف، لتسهم في ترقية وعي المواطنين وتربيتهم تربية دينية وثقافية واجتماعية. وبهذا النهج المتقدم في تطوير وسائل الحياة في مختلف مجالاتها كان الملك عبدالعزيز يهدف إلى النهوض بدولته الوليدة وبمواطنيه، وعلاوة على كل ذلك كان يدرك تمام الادراك ان الدول المتقدمة تكمن قوتها في سلاحها، وان اي دولة لا تملك سلاحاً يحميها هي دولة متخلفة ستبقى في الذيل تتجرع ذل الهوان والدونية والذيلية، والعاجز لا يأيه به أحد، وإن فعل فمن باب العطف والشفقة، وهاتان الصفتان بمعيار السياسية الدولية، صفتان فضفاضتان جعلتهما الدول المتقدمة جسراً للعبور إلى دول العالم الثالث لنهب مواردها وخاماتها الطبيعية ومصادرة قرارها.
واختزن عقل الشاب فهد بن عبدالعزيز خبايا دوافع السياسة العالمية واطماعها وهو يرى والده يدافع عن قضية فلسطين ويراسل زعماء العالم بهذا الخصوص ويتابع قضايا المسلمين في كل مكان، ويحفر مكاناً من الهيبة والاقدام والتقدير للمملكة العربية السعودية في نفوس الاعداء والاصدقاء على السواء.
ولما وجد الملك عبدالعزيز في ابنه الفهد منذ صغره هذا الحس السياسي، والوعي بأبعاد القضايا العربية والدولية جعل الفهد ضمن وفد المملكة الذي سافر إلى نيويورك برئاسة سمو الامير فيصل بن عبدالعزيز سنة 1365ه الموافق 1945م، وكان الفهد في الثانية والعشرين من عمره آنذاك، وذلك للتوقيع على ميثاق تأسيسها وافتتاح اعمالها.
وهكذا تدرج الفهد سريعاً في فهم واستيعاب الدروس البليغة التي اعطاها له والده في مجالات الامن والسياسة الداخلية والعلاقات الدولية فضلا عن حب العلم الشرعي، والاطلاع على العلوم الحديثة والانفتاح على العالم بما لا يتعارض مع الثوابت الشرعية ربما يخدم الوطن والمواطنين في حياتهم حاضراً ومستقبلاً.
الانطلاق المحنك
فما كاد الملك المؤسس يرحل حتى قرت عينه وهو يرى الفهد إلى جانب اخوانه خير معين يترقى في مدارج خدمة الوطن فآثر الملك عبدالعزيز ان يسند اليه وزارة المعارف ايماناً منه بأن العلم اساس نهوض الاوطان، وفهد بن عبدالعزيز كان نجيباً في تفكيره، محباً للعلم موقراً للعلماء، فكان ان تحقق فيه ما توخاه ابوه فاقام قواعد العلم والمعرفة نظاماً وتأسيساً عندما اصبح أول وزير المعارف سنة 1373ه الموافق 1954م ليستكمل بعد سبع سنوات رسالته في تأسيس الأمن حين اصبح وزيراً للداخلية سنة 1382ه الموافق 1962م فأقام قاعدة متينة صلبة للأمن في هذا الوطن قام عليها كل ما تأسس بعد ذلك من إنجازات.
وهكذا لم يترك فهد بن عبدالعزيز قبل توليه العرش مرفقاً من مرافق الدولة ولا وزارة من وزاراتها إلا كانت له فيه لمساته وانجازاته فكرياً وادارياً وتنظيماً، فلما بايعه شعبه الوفي في 21/8/1402ه تضاعفت الجهود وتعدت الانجازات التي لم تعرف الحدود بفضل من الله سبحانه وتعإلى ثم بدعم من شعبه وحكومته.