الأثنين 26 ,شعبان 1422                                                                                                   Monday 12th November,2001

قالوا عن الفهد


مشاعر المواطنين


سيرة ذاتية


الرياضة في عصر الفهد


قصائد في الذكرى


من اقوال الفهد


إنجازات الفهد


مقالات في المناسبة


لقاءات


محليــات


محاضرة


ارشيف الموقع


في ذكرى البيعة (2)
الفهد وزيراً للمعارف
د، محمد بن عبدالله

امتاز الملك فهد بن عبدالعزيز منذ سنواته المبكرة بفكر متنور وعقلية متفتحة مستنيرة وطموح لا حدود له في النهوض بمستوى بلده في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إلاّ أنه كان يدرك جيدا أن لا طريق إلى تحقيق هذه الطموحات إلا من خلال الإنسان الذي يجب أن يعد أولا لكي يقوم بتحقيق هذه الطموحات، وكان يرى في ديوان والده المستشارين السياسيين ومعظمهم من البلدان العربية الذين نالوا حظاً من التعليم في بلدانهم وهم في أغلبهم أطباء أو خريجو معاهد تعليمية أقل من الجامعية، إلاّ أنهم بهذه الحصيلة تميزوا في مجتمع لم يكن به أحد يضاهيهم من أبناء البلاد التي ظلت منغلقة على حالها دهوراً طويلة من الزمن، وكان الفهد يتساءل لماذا وإلى متى تدوم هذه الحال؟
لم يكن الفهد حريصا على تولي أي منصب من المناصب التي كان يرى أنها دون الحد الأدنى من تحقيق الحلم الذي يرسمه منذ سنواته المبكرة وهو التعليم النافذة الكبرى والوسيلة الأولى لرقي الشعوب، وللحقيقة والتاريخ فأن ما كان يحمله الفهد من أفكار وآمال لمستقبل التعليم في المملكة ما هو إلاّ انعكاس لنفس الأفكار التي يحملها والده العظيم الملك المؤسس الذي أدرك ومنذ الوهلة الأولى لبدايات التأسيس أهمية التعليم وضرورته للنهوض بهذه الدولة الفتية،
فأولى يرحمه الله التعليم أهمية خاصة وأدخل التعليم الحديث لأول مرة في ربوع هذه البلاد وخصص من ميزانية الدولة مع تواضعها نصيب لا بأس به للإنفاق على المدرسين ومكافآت للطلاب وبدل تعويض لآبائهم مقابل السماح لهم بالذهاب إلى المدارس البعيدة عن قراهم خاصة تلك التي فتحت في الحجاز، فتشرب الفهد من والده هذه الأفكار التي صبت في عقل كله استعداد للاستجابة لانه عقل متفتح يحمل بذرة التنوير ويرنو بروح عالية نحو استشراف المستقبل، ففي أول تشكيل وزاري تعرفه المملكة في تاريخها، شكل الملك سعود رحمه الله أول حكومة عصرية بالمفهوم الحديث وذلك في عام 1373ه/1953م أي بعد وفاة الملك المؤسس بشهور، وكان الملك فهد في هذا التشكيل أول وزير للمعارف، هذا المنصب الرفيع الذي كأنه لم يحدث إلا لهذا الأمير الشاب الطموح الذي لم يكن من خلال تبوئه لهذا المنصب ليحقق طموحاً شخصيا ولكن ليحقق طموح وحلم أمة طالما رسم له منذ سنوات بعيدة،
وهذا التاريخ وهذا التعيين يعدان حدثين هامين في تاريخ هذه المملكة حيث من هنا بدأت المسيرة الحقيقية للتعليم الذي عليه تأسس بناء الإنسان السعودي عقلا وروحاً وفهماً وإدراكاً،
فبناء الإنسان هو القاعدة الأولى لبناء الوطن القوي، فأخذ الفهد على عاتقه عهداً بإيصال التعليم إلى كل قرية وهجرة مهما كان بعدها عن المركز، فنشر التعليم في كل أنحاء المملكة تحقق لكل مواطن حيث ان التعليم يمثل الركيزة الأولى في خلق وعي وطني متوازن ومنح فرص متكافئة للجميع للمشاركة في بناء الوطن، ولسد عجز النقص في الكادر التدريسي قام برحلات كثيرة إلى عدد من الدول العربية للاطلاع على ما وصل إليه التعليم في بلادها والتعاقد مع الكفاءات في مجال التعليم من خلال عقود مع حكومات تلك البلدان وكان لا يختار الا المتميز منهم، فآتت تلك الجهود ثمارها، رأينا اثرها واضحاً في الأفواج الأولى من خريجي مدارس المعارف في عهد الفهد العظيم،
كما تغلب بحنكته وصلابته وقوة حجته في إقناع من كان لديه تردد أو تحفظ على التعليم الحديث حيث كانت بعض المناطق في المملكة مستثناة من تطبيق كافة المناهج العصرية بحجة تعارضها مع الشريعة وهي حجة كان ينقصها الدليل الشرعي وإنما سببها جهل البعض بأمور لم يتعودا عليها، فبالحوار وقوة الحجة واستنباط الدليل عدل عن رأيه من كان في نفسه شيء، وسارت المسيرة وتحقق حلم الفهد وكثر عدد الخريجين من المدارس الثانوية والمعاهد التعليمية المتخصصة، ولم تعد مدرسة البعثات في مكة حينما كانت المدرسة الثانوية الوحيدة في المملكة بقادرة على استيعاب الأعداد المتدفقة من كل أنحاء المملكة تمهيداً لبعثهم للجامعات خارج المملكة، وأصبحت المملكة بطموحات رجل التعليم الأول فيها الملك فهد ترنو إلى فتح جامعة في المملكة وهو حلم كبير طالما شغل فكر الفهد، وبإصراره وعزمه وقوة إرادته تحقق الحلم وأصبح حقيقة حينما فتحت في عهده وهو على رأس الهرم التعليمي جامعة الملك سعود في مدينة الرياض عام 1387ه 1957م وهي أول جامعة عصرية تعرفها الجزيرة العربية، استقدم لها أجدر الكفاءات العربية في التعليم الجامعي من البلدان العربية وغيرها لوضع أسسها ونظمها ولم تمض سنوات على إنشائها حتى التحق بها طلائع البعثات السعودية الأولى التي تلقت تعليمها العالي في الجامعات الاوربية والأمريكية الكبرى في جميع التخصصات مشاركة في قيادة التعليم الجامعي،
كان الفهد حريصاً كل الحرص على متابعة أحوال الطلاب السعوديين في الخارج وكان يذهب في زيارات دورية لمقابلتهم في جامعاتهم، وحثهم على بذل أقصى درجات الجد والاجتهاد والتحصيل، مذكراً إياهم بالدور الكبير الذي ينتظره وطنهم منهم، وما هي الا سنوات وتصبح كافة المراكز القيادية في المملكة يتولاها الشباب السعودي المؤهل، الجيل الذي تخرج من مدرسة الفهد يعملون في كافة المجالات في الإدارة والسياسة والاقتصاد والطب والزراعة والصحافة وغير ذلك، وبهذا الإنجاز الذي يشبه المعجزة في مجال التعليم تدخل المملكة العصر الحديث الذي نعيشه وتتطلع إلى ما هو أفضل طالما سلكت الطريق الصحيح نحو الرقي من خلال نافذة التعليم ومن خلال أهم ركائزه وهو الاستثمار في صناعة العقول،
وبالتعليم انتقل المجتمع السعودي من مجتمع قبلي مغلق إلى مجتمع له حضوره على المستويين العربي والدولي والمشاركة بفعالية في بناء وطن ظل على هامش التاريخ قرونا طويلة، وسابق نحو الرقي دولا بدأت نهضتها التعليمية قبل المملكة بقرون، أثمر التعليم في خلق مجتمع مدني متحضر أذاب الفوارق الاجتماعية والتعصبات القبلية والغلو في الدين الذي كان مصدره جهل الناس بمعرفة أصول الدين الإسلامي الصحيح الذي يدعو إلى الرحمة والمحبة والإخاء والتعاون على عمل الخير،