الأثنين 26 ,شعبان 1422                                                                                                   Monday 12th November,2001

قالوا عن الفهد


مشاعر المواطنين


سيرة ذاتية


الرياضة في عصر الفهد


قصائد في الذكرى


من اقوال الفهد


إنجازات الفهد


مقالات في المناسبة


لقاءات


محليــات


محاضرة


ارشيف الموقع


عشرون عاماً من البيعة.. خمسون عاماً من العطاء
د. أحمد بن محمد الضبيب

عقدان من الزمان مرّا على بيعة الفهد المباركة.. الملك الذي أحبته قلوبنا، وأجلته نفوسنا. وكيف لا نحبه وقد غمرنا بالحب، وكيف لا نعترف بفضله وقد كان محرك نهضتها وراعي أمننا واستقرارنا، ومصدر قوتنا وثباتنا بعد الله.
وإذا كانت العشرون سنة قليلة في عرف الزمن فقد شهدت من الإنجازات والأحداث والتحديات ما يفوق قرونا من السنين، وما يستعصي أحيانا على الوصف والخيال.
ولقد كان الفهد خلال جميع تلك الظروف رجل الإنجازات والتحديات يبني ويشيد بيد، ويدافع عن بلاده ويكافح في سبيلها بيد.. يسخر فكره وصحته وماله ووقته لرفعة بلاده وأمته وعقيدته.
والواقع أن جهود الملك فهد في بناء الدولة، والحفاظ على هذا الكيان لا تبدأ منذ عشرين عاماً فقط.. بل إن مشاركاته التأسيسية تمتد إلى ما يقارب الخمسين عاماً.
عرفناه أول مسؤول وزيرا للمعارف سنة 1373ه في عهد الملك سعود رحمه الله، فكان نعم الوزير.. خطط لبلاده تعليماً عصرياً فريداً مبنياً على أسس الأصالة والمعاصرة.. منذ تلك السنة التي تولى فيها الفهد وزارة المعارف تحدد له موقع في التنمية والتطوير هو موقع «صناعة الرجال»، وكان إسهامه في ذلك أجل الإسهامات واستمر في ذلك إلى الآن.. وهل تبنى الدول الحديثة بغير الإنسان؟ الإنسان وبناؤه كان الهم الذي حمله الفهد منذ تولي تلك الوزارة وطوال حياته.. كان هدفه بناء أمة متعلمة، تدير شؤونها بنفسها، تفيد مما أنعم الله عليها به من ثروات وتبني دولة عصرية تنطلق مع العالم من منطلق الندية لامنطلق التبعية والانقياد.. لذلك كان تركيزه على الهوية، بدءا بالعقيدة، واللغة العربية، والعادات والتقاليد الحسنة، من مكارم أخلاق هذه الأمة الإسلامية وانطلاقا إلى اكتساب العلم في مجالاته التقنية والإنسانية، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث يجدها.
ولم يهتم الفهد بالتعليم العام فينشر المدارس في كل صقع وواد من أودية هذه المملكة الشاسعة وحسب.. وإنما اهتم بالتعليم العالي أيضا فولدت بين يديه سنة 1377ه/1957م أول جامعة عصرية في الجزيرة العربية هي جامعة الملك سعود تضم كليات متعددة إنسانية وعلمية لتشكل من ذلك العهد الصورة المشرقة للتعليم العالي في هذه البلاد.
ولتكون إنموذجا لما ينشأ بعدها من جامعات ولتمد هذه البلاد بالكفايات العلمية الراقية التي غيرت وجه المملكة، بعد أن اكتسبت هذه الكفايات من المهارات والإنجازات ما يؤهلها للإسهام الإداري والعلمي في أكثر المواقع في الدولة.
ورافق ذلك فتح باب الابتعاث إلى الخارج كي تفك هذه البلاد طوق المحلية لتنطلق محلقة في آفاق العلم الحديث مع الاحتفاظ بثوابتها الأساسية.
وحتى عندما عين الفهد وزيرا للداخلية سنة 1382ه كانت مهمة تطوير الإنسان السعودي في هذا المرفق المهم من مرافق الدولة نصب عينيه فإلى جانب إعادة تنظيم الوزارة وتطويرها افتتح كلية قوى الأمن الداخلي التي سميت فيما بعد بكلية الملك فهد الأمنية.
وكان منذ ذلك العهد حفيا بالعلم والمتعلمين.. أذكر أنني عندما كنت أدرس في مرحلة الدراسات العليا في بريطانيا اضطررت إلى العودة إلى المملكة لمرض والدي رحمه الله.. وعندما قضى الله أمره النافذ بوفاته سنة 1381ه وتجهزت للعودة إلى مقر دراستي.. أحببت أن أمر على مصر.. لأمورتتعلق بدراستي.. وكان السفر إليها في ذلك الوقت يحتاج إلى إذن من وزارة الداخلية.. كنت وقتها في المدينة المنورة.. ونصحني الجميع أن أذهب إلى الرياض للحصول على الإذن من الوزارة.. قلت: لا وقت لدي للسفر إلى الرياض.. فوقت إجازتي قد أزف، وأخشى أن يطول الأمر علي.. لِمَ لا أرسل برقية لسمو وزير الداخلية، أستأذن فيها بالسفر فلعله يبعث إلى جوازات المدينة بما يسمح لي بذلك.. وإن لم تأتني الإجابة فلتكن الزيارة في وقت لاحق.
كتبت البرقية إليه أستأذنه في السفر وأشرح أسبابي.. ولدهشتي لم تمض أيام قليلة حتى تلقيت الموافقة.. لم أتمالك نفسي من الفرحة، لكنني تذكرت أن ذلك هو فهد بن عبدالعزيز وزير العلم والتعليم وقد أمسك بزمام وزارة الداخلية فأدارها بأسلوبه التربوي.. كان شعوري في ذلك الوقت أنني محل ثقة الدولة، وقد أعطاني ذلك الإذن جرعة إضافية لأحافظ على تلك الوثيقة في تمثيل بلادي خارج المملكة وفي ولائي لها.
ثم لما تولى الفهد ولاية العهد لأخيه طيب الذكر جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، كانت أعماله الجليلة لا تحصى، فقد أشرف على دقائق التنمية وصدرت في ذلك الوقت الخطتان التنمويتان الثانية والثالثة.. وارتفعت صروح التنمية في كل مكان وأصبحت المملكة ورشة عمل هائلة.
وعندما تولى الملك فهد زمام الملك أصبحت آماله في التطوير والتحديث بلا حدود.. وكانت الخطط التنموية المتعاقبة تأخذ طريقها إلى التنفيذ.. وصولا بالبلاد إلى الازدهار والتحديث فحققت البلاد بذلك إنجازات ضخمة ما كان لها أن تحقق في عشرات السنين.. وأصبحت المملكة في عهده قبلة العالم الاقتصادية تتجه إليها الأنظار سواء أكان ذلك في التجارة والشراكة أم كان في مجال تلقي المساعدات والهبات والقروض الميسرة، التي جعلتها المملكة جزءا من سياستها لنشر الرخاء عبر العالم دون منة على أحد، فقد كان الفهد وما يزال محبا للإنسان، عطوفا على الفقراء، رحيما بالمحتاجين، فما أن يسمع بمأساة شعب في أي صقع من أصقاع العالم حتى يهب لنجدته ومواساته.. لا يفرق في ذلك بين القريب والبعيد.
إن المواقف الإنسانية للمملكة يعرفها الجميع.. وهي قد تقابل بالعرفان أحيانا، وقد تقابل بالنكران أحيانا أخرى.. لكن من الثابت أن الفهد الكريم لا يفعل ذلك رياء ولا سمعة وإنما يفعله على أساس من الاستجابة الذاتية لدوافع الخير وطلب المثوبة والأجر.
وقد تميز عهد الملك فهد، أطال الله عمره، بالعناية بالشؤون الإسلامية فلا يشك أحد في عمق إيمانه، وحبه لنشر الدعوة الإسلامية، وإقامة شعائر الإسلام وتعمير مساجده، ورفع راياته.
وتعد عمارته للحرمين الشريفين أروع عمل من نوعه في هذا العصر وهي عمارة تتصف بالسعة والمتانة والجمال، يرافق ذلك تهيئة جميع وسائل الراحة لقاصدي البيتين الشريفين إلى جانب العناية الفائقة بالمشاعر المقدسة التي يقصدها الملايين كل عام.
ومن أعظم أعماله في هذا الشأن إنشاؤه مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة.. الذي أهدى به إلى العالم الإسلامي كتاب الله صحيحا مضبوطا لا تمتد إليه يد الإهمال أو التحريف أو النقص أو الاختلاط، كما حدث في كثير من الطبعات المشوهة، التي تطبع في ظروف سيئة في العالم الإسلامي.
ولقد كانت طباعة المصحف الشريف في المملكة أمنية عزيزة عبرت عنها في مقال نشر في جريدة الرياض في عهد الملك فيصل رحمه الله بعنوان «طباعة المصحف الشريف» تمنيت فيها أن يطبع المصحف في المملكة طباعة تليق بكتاب الله تعالى وذلك بعد أن رأيت أوراق القرآن الكريم تداس بالأقدام في إحدى مطابع بيروت.
فاستجاب الله لأمنيتي وحققها على يدي خادم الحرمين الشريفين جعل الله ذلك في ميزان حسناته.
ولم يهتم الملك فهد بالمساجد في المملكة وحسب وإنما اهتم بالمساجد والمراكز الإسلامية في جميع بلاد العالم فانتشرت مساجده في أوروبا وأمريكا علاوة على البلاد الإسلامية المختلفة، واستخدمت الدولة كل الوسائل الدبلوماسية الممكنة لتسمع كلمة الله في كثير من البلاد التي لم يكن يظن أنها تسمح بذلك.
ومن مفاخر عهد الملك فهد بن عبدالعزيز تطوير مجلس الشورى السعودي، وتفعيله بصيغة جديدة وذلك بالاستفادة من عدد كبير من الخبرات المتوافرة في المملكة لتسهم في المشاركة والدراسة لأنظمة الدولة وتقارير مصالحها المختلفة.. واقتراح ما يفيد هذه البلاد ويسمو بها إلى مصاف التقدم.
وإنشاء مجالس المناطق التي تتولى دراسة احتياجات هذه المناطق تمهيدا لإقرارها ضمن خطط الدولة وموازناتها المستقلة.
وفي عهد الملك فهد لم تكن المملكة جامدة راكدة في مجال العلاقات الدولية بل كانت دائما وأبدا متحركة فاعلة لكل ما فيه خير العرب والمسلمين.. وكانت قضية فلسطين في مقدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية.. وقد تبنتها المملكة بصدق وأمانة، ودافعت عن حقوق المسلمين والمقدسات الإسلامية بكل ما تملكه من إمكانات، وما يتوافر لها من نفوذ عالمي.. وقدم الملك فهد سنة 1402ه خطته الأولى للسلام، التي ارتكزت على إنشاء الدولة الفلسطينية وانسحاب الدولة المعتدية إلى حدود 1967م حسب قرارات الشرعية الدولية وقد تبنى هذه الخطة مؤتمر القمة العربي الثاني عشر المنعقد في مدينة فاس المغربية سنة 1402ه.. لكن دولة الإرهاب الصهيوني لا ترغب في السلام وليست صادقة في إدعاءاتها فيه.
ولقد ظلت المملكة العربية السعودية في عهد الفهد حازمة في مواقفها، صريحة في إبداء وجهة نظرها، لم تهرول ولم تزايد، ولم تقف إلا مع الحق وما تمليه عليها مبادئها الكريمة. وظلت دائما وأبدا عامل توفيق بين الأشقاء، حريصة على التئام الشمل، وتوحيد الكلمة والسير في طريق صالح هذه الأمة.
لقد اتسم فكر الملك فهد السياسي بالحكمة والفاعلية والحزم والتعامل مع مختلف الدول من منطلق الندية والمصالح المشتركة. ولذلك حققت المملكة لنفسها مكانة عظيمة من الاحترام والتقدير بين جميع الدول.. وما ذلك إلا لأن دفة هذه البلاد تقودها يد الفهد المباركة ويؤازره في ذلك ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأميرعبدالله بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء حفظهم الله جميعا وزاد في توفيقهم.

* عضو مجلس الشورى