Culture Magazine Monday  10/12/2007 G Issue 226
فضاءات
الأثنين 30 ,ذو القعدة 1428   العدد  226
 

أعراف
زاهر الزاهر
محمد جبر الحربي

 

 

كثر هم الجميلون الذين بيننا ولا نعرفهم، أو أننا ننساهم، أو نتنكر لهم، وهي سنة عربية متأخرة وغير حميدة والله. ومن هؤلاء، ومن الأصدقاء الخلص الذين أكن لهم كامل التقدير والمحبة والاحترام، وأشعر بأنه ممن ظلموا ثقافياً وإعلامياً فلم يقدروا حق قدرهم، الشاعر المثقف الدكتور زاهر عبدالرحمن عثمان، وكأني به يرد عليّ كعادته باسماً ساخراً:

والظلم من شيمِ النفوس فإن تجد ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلم

ولست هنا بصدد الحديث عن شعره، أو ثقافته، ولكنني أختصر فأقول إنه عرف التراث فاختار أكمله، وعرف الجديد فاختار أجمله. برع في الشعر ولكنه لم يعطله عن براعته في إدارة الحياة والعمل اليومي، كما فعل مع كثير منا، فغدت (مؤسسة التراث) التي يديرها من أكثر المؤسسات اختلافاً بجمال، وائتلافاً مع كل ما هو جديد، وهذه مرتبة لا يصل إليها إلا قلة ممن يتعاملون مع هذين الحقلين.

تجمعنا مقاهي الرياض متى أمطر الوقت وانتزعنا من علب الإسمنت، وأزيز المكيفات، واستطعنا التخلص من رحى العمل اليومي، والمواعيد التي لا مواعيد بها.

قل هي ساعتان أو أكثر أو أقل قليلاً، ننثر دقائقها على الشعر والثقافة والهموم العامة والخاصة، نستعيد المدن والأصدقاء، وأصداء أبيات ننساها ولا تنسى.

ساعتان نهرب بجناحيهما إلى فنجان قهوة هادئ، وحوار تكاد ترى من خلاله، كأنك على شرفة ترقب الساحات والبشر. لكم يذكرني هذا الزاهر بالزمن الجميل، وبالأدب حين يغلفه الأدب، والخلق النبيل، والصوت الخفيض، والتواضع الذي لا تهبه لك المدن الكبيرة بصلفها وغرورها وقسوتها، والبساطة في عمقها الذي لا يتحقق إلا للعارفين. يذكرني بجيل التسامح والنقاء، والحب المعرفي، والحب في الله..

يذكرني بزمن الحب، الزمن الجميل الذي امّحى وخبا وولى، ولم يبق إلا تلك الخيوط أو الخطوط الباهتة التي تدل عليه.. ولكن هل خبا ذلك الزمن فعلاً؟! أم أننا نتسرع في الحكم كلما جرحنا، كما نسرع في شوارعنا دون مبرر، والوقت أطول من صحراء، وأكثر من رمل. بل لعلنا نتسرع، فما زال زاهر وغيره من الأحباب المحبين بيننا.

ومن رسائل المحبة والشعر والتأمل التي يبعثها لي هذان البيتان المؤلمان والجميلان في نفس الوقت:

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي أرحني.. فقد أفنيت كل خليلِ

أراك بصيراً بالذين أحبهم كأنك تمضي نحوهم بدليلِ

وقد استهواه التأمل، ومن ذاك موضوعه (بيتان للتأمل) الذي لقي صدى واسعاً، وقبولاً كبيراً في (جسد الثقافة) الموقع الذي كان يجمعنا.. نحن اللاحقون بالركب، فغدا ديواناً مورقاً ضخماً.. وسيبتسم زاهر من هذا أيضاً، ويزيدني من الشعر بيتين.

كذلك زاهر الذي خبر السنين أخضرها واليابس، فجاد علينا بديوانه (خضر ويابسات)، ابن الأسرة المدينية الجميلة التي عرفنا منها أستاذنا الفاضل الدكتور المميز صاحب النظرة النقدية الثاقبة أسامة عبدالرحمن، ونعيمان، وحسان.

خلاصة القول إن زاهراً، ومثله كثير من مثقفينا، موجودون هنا بيننا، ولكننا، غائبون هناك نطارد أوهام ثقافة أخرى.. أو مشغولون هنا بالتطبيل لظلال الوهم.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244

mjharbi@hotmail.com - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة