Culture Magazine Monday  10/12/2007 G Issue 226
فضاءات
الأثنين 30 ,ذو القعدة 1428   العدد  226
 

تجربتي مع كتاب
عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة الجوف)
عبدالرحمن الشبيلي

 

 

في شهر رمضان المبارك الفائت، وتزامناً مع الذكرى السابعة والسبعين لليوم الوطني للمملكة، واقتراناً مع مرور ربع قرن على إنشاء مؤسسته الخيرية بالجوف، صدر كتاب يتناول ملامح من سيرة الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري، الذي تولى أمارة منطقة الجوف ما بين عامي 1362هـ و1410هـ، كما يعرض لحقبة من تاريخ المنطقة وجغرافيتها وصفحات من سيرة بعض رجالاتها، وقد قام على إعداده ثمانية عشر باحثاً، كانت لي بينهم مهمة الإشراف والتحرير.

وفي هذا الاستعراض الموجز للكتاب، لن أتحدث عن فكرته وقصته، ولا عن تبويبه وفصوله وصفحاته، ولا عن حبره وقرطاسه وتجاربه الطباعية وغلافه، ولا عن الوقت والجهد اللذين صرفا في صياغته ومراجعته وجمع مادة رواياته الشفوية، ولا عن اللقاءات التي عقدت من أجله، فهي أمور تظهر في شكله، وتعرف من مضمونه. لكنني، في إضاءات مختصرة، أروي جانباً من تجربة تأليفه بوصفه لوناً من ألوان كتابة السير، الحَرِيَّة بالتأمل، دون الادعاء بالتفرد بالمنهج. فالكتاب أولاً ليس كتاب سيرة، لأن الكتابة في هذا المجال تتطلب الإحاطة الشاملة بحياة من تكتب عنه، وأحسب بالنسبة لهذا الكتاب، أن فجوات زمنية طويلة من عمر شخصيته ما تزال غامضة، وأن مخاطبات وصوراً وأوراقاً كثيرة من وثائقه بقيت مجهولة أو مفقودة. غير أن الكتاب تجربة تأليفية جديرة بالاهتمام في العمل الجماعي لإعداد السير والتراجم، عندما لا يكون بمقدور كاتب واحد أن يحيط بكل أبعاد حياة صاحب السيرة وجوانبها، فكان أن تولّى كل معد من الإخوة السبعة عشر الكتابة في مجال تخصصه واهتماماته، وتناول بعض ذويه حياته الأسرية الخاصة، وكان على المحرر العام أن يراعي التناغم بين الآراء واختلاف الأقلام، والتجانس بين الفصول، والاتساق في معلوماته وعلامات الترقيم والاقتباس والهوامش والمراجع والعناوين.

مرّ الكتاب، عبر عامين ونصف استغرقها العمل فيه، بأشكال عدة من التبويب والتنظيم حتى استقر على الحالة التي ظهر فيها، آخذين بالاعتبار الحجم الأمثل للكتاب، ومنتقين من الصور والوثائق ما يتلاءم وهذا التوجه، ومارس محرره ما أمكن لتحري الموضوعية والدقة في صياغته، وتلافي المبالغة، وتخفيف لغة الألقاب، وتحييد المشاعر، وحذف المكرر، وتنسيق المعلومة، وأحسب أن وَكْل الإشراف على تحريره، إلى كاتب متجرد من خارج دائرة الأسرة والمنطقتين، وإن أتى مصادفةً، ربما أسهم في الوصول إلى صيغة الوسطية وضبط العاطفة فيه، والحق يقال إن ذويه قد أطلقوا يد المحرر في التصرف، وتركوا له الحرية - دون تدخلات - في ممارسة ما يراه محققاً لتلك الأهداف.

كان يمكن لهذا الكتاب أن يبلغ مرتبة أفضل من مراتب السير، لو أن الاستعداد لتأليفه جاء في أثناء نشاط شخصيته وصحته، إذ إن بعض عناصره لم تستكتب، إلا بعد أن أخذ الكتاب طريقه النهائي نحو التنظيم والإنتاج في مطلع هذا العام، ولعل من أفضل ما تم التفكير فيه مبكراً من أجل صنع هذا الكتاب، هو تسجيل بعض الروايات الشفوية مع مجموعة من عارفيه وأصدقائه وجلسائه، مما يبدو واضحاً ومدّوناً في الهوامش الطويلة من صفحات الفصول الأولى، وهو - أي التسجيل - جهد تولاه أبناؤه في أثناء اعتلال صحة والدهم.

إن من الصعب، أن يختزل - في كتاب واحد - تاريخ منطقة وحياة مسؤول تولى إدارتها مدة نصف قرن، واقترنت حياته العملية كلها معها، فأوضح الكتاب، في مواقع عدة، أن مادته لم تأت على كل نواحي التنمية في المنطقة اكتفاءً بما سطرته كتب أخرى عن قصص التنمية في الجوف في مختلف أزمنتها ومواقعها وجوانبها، والمرجو أن يكون الكتاب قد وفّق في تحقيق هدفه، في الجمع بين توثيق المرحلة، وعطاء الشخصية، وواقع المنطقة، والتحوّلات التي عاشتها خلال تلك العقود.

لقد وجد تأليف هذا الكتاب أن أجزاءً من موضوعاته، من مثل تسلسل فروع أسرة الشخصية وكذلك دورها في الدولة السعودية الأولى، ما تزال محل اختلاف بعض المؤرخين وتباين بعض الوثائق، وأن جلاء ذلك يتطلب مزيداً من البحث والاستقصاء، وهو ما دعا أسرة التحرير إلى الوقوف بحيادية تجاه بعض المصادر والروايات، على أمل أن تسفر الجهود المبذولة من قبل دارة الملك عبدالعزيز، ومن قبل بعض الباحثين الأفراد، عن مقاربة تلك الاختلافات وتوثيق الأرجح فيها، وهو ما سيساعد مستقبلاً على المضي في استكمال كتابة السجل الإداري والأسري لهذه العائلة ورموزها، مذكّراً في هذه المناسبة، بأن الكتاب الذي بين أيدينا قد جاء ثمرة تعاون إيجابي بين معّديه من جهة، وبين دارة الملك عبدالعزيز، التي تعاملت مع الكتاب وكأنه أحد إصداراتها.

مرة أخرى، ليس المقصود من هذه الإضاءات إطراء الجهد الذي بذل في التأليف، بقدر ما هو الإفادة من التجربة، وتبادل الخبرة فيها، بما قد يساعد الراغبين في خوض هذا الميدان من كتابة التراجم والسير، وهو ميدان ما يزال في طور النمو والاتساع في حركتنا التأليفية المحلية، والأمل أن يتجه نقّادنا إلى إخضاع ظاهرة التأليف النشطة في مجال السير، الذاتية والغيرية، لمزيد من التقييم، حتى تأخذ الاتجاه الأنضج في الحركة السعودية الأدبية الأشمل.

إن تأليف أي كتاب لا ينقطع بصدوره، فهو ينتظر شمولية التوزيع وحكم القارئ وتصويباته، كما أن مرحلة من التنقيب قد تبدأ من جديد للبحث عن النواقص وتصحيح الأخطاء في مواقع يرشد إليها قراؤه بعد للتداول، فالكتاب يظل عملاً بشرياً لا يخلو من العيوب والملحوظات، منتهزاً هذه الفرصة للتعبير عن التقدير لثقة أهله بالقدرات المتواضعة في شخصي الضعيف، ولصبر معدّيه على تعسف محرره وجسارة قلمه ، مؤكداً في الختام، أن المستفيد الأول من هذه التجربة، هو من أشرف على تحرير الإصدار، ولو لم يكن من جليل فوائده إلا أن عاش فؤادي مع الجوف، أهلاً وتاريخاً وجغرافياً وثقافة، طيلة أشهر إعداده، لكفى.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة