Culture Magazine Monday  10/12/2007 G Issue 226
فضاءات
الأثنين 30 ,ذو القعدة 1428   العدد  226
 

أدب الخيال العلمي في المؤتمرات الأدبية
د. عبد الله أبو هيف

 

 

1-2

تكاد تكون عناية المؤتمر الثامن عشر للأدباء العرب (عمان 1992) موجهة إلى أدب الخيال العلمي، فقد عالجت غالبية البحوث أدب الخيال العلمي وما يجاوره من موضوعات مثل الثقافة العلمية والفكر العلمي، باستثناء بحث واحد، هو (الانتفاضة في أدب الأطفال)(1)، ثم عالج المؤتمر العشرون (دمشق 1997) أدب الأطفال والتربية والعولمة والمعلوماتية، وعرضت أبحاث الثقافة العلمية في الأدب على وجه الخصوص(2).

أ- فهم الخيال العلمي وأدبه:

شغل باحثون كثر بفهم الخيال العلمي وتحديد مصطلحه، بل إن ماري جميل فاشة رأت أن مصطلح الخيال العلمي مغلوط، ومن الأنسب استخدام مصطلح (الخيال المعرفي)، لأن (تعريف كلمة علم غير محدد في المعاجم، ولا يعبر عنه الناس بمفهوم واحد، وبالتالي لا يساعد في التعريف على نوع أدبي. أما جذر الكلمة Scientia الذي يعني المعرفة، سيكون ملائماً أكثر، عندما يصبح المعنى معرفة جديدة ومستنتجة، وضعت في قالب روائي، ولها تأثير في المجتمع والفرد)(3).

بينما اعتمد أحمد المصلح على تعريف رؤوف وصفي في كتاب (أدب الخيال العلمي) (بغداد 1990م):

(أطلق النقاد اصطلاح الخيال العلمي على ذلك الفرع من الأدب الروائي الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم من العلوم التكنولوجية سواء في المستقبل القريب أو البعيد، كما يجسد تأملات الإنسان في احتمالات وجود حياة في الأجرام الفضائية الأخرى)(4).

وأورد مبارك ربيع تعريفاً آخر للخيال العلمي على أنه (المادة القائمة على تشكيل عالم غير واقعي انطلاقاً من نظرية علمية غير واقعية، أي غير متحققة في الوقت الراهن، وبمعنى آخر إذا كانت المخيلة تشكل ما يضاهي الواقع فإن المخيلة العلمية تشكله بناء على ما يضاهي نظرية علمية)(5).

ولا يُخفى أن ربيع يفلسف حدود الخيال العلمي، ولا يقاربها في ممارسة الكتابة- الأدب في أجناسه المتعددة، أو في إعادة إنتاج الكتابة- الأدب عبر وسائطه ووسائل إيصاله الكثيرة، ثم اقترب طالب عمران في تعريفه من هذه المقاربة بقوله: (أدب الخيال العلمي إذن هو أدب المستقبل).

ينطوي التعريف الأخير على اجتهاد خاص نجد تعضيداً له في سعي فاروق سلوم لتحديد وجهة نظر عربية كما في محاولته التعريفية التي غلبت على اجتهادات فهم الخيال العلمي وأدبه ملامسة واضعيها لتجارب معينة، وتبدو الحيرة المنهجية واضحة في التفات فاروق سلوم عن اجتهاده التعريفي إلى تنبيه تعريف اسحق اسيموف:

(الخيال العلمي أدب قصصي يدور حول مستقبل العلم والعلماء)(6).

تتلامح في هذه التعريفات جميعها أصداء الخبرة الغربية الناجزة تحت وطأة الظهور المتأخرة لكتابة الخيال العلمي باللغة العربية على أن ذلك كله وعد مستمر لانبثاق فهم عربي لأدب الأطفال ولتثمير المخيلة العلمية.

ب- انتشاره في الممارسة الأدبية:

يُلاحظ أن منطلق البحث في الخيال العلمي وأدبه حسب توجيه الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، كما يشير عنوان الندوة، هو الوظيفة بالدرجة الأولى، أي أن الشاغل الرئيس للباحثين هو تمحيص أهمية الخيال العلمي في تكوين عقلية الطفل العربي، فترددت في غالبية البحوث أصداء مسوغات الاهتمام بأدب الخيال العلمي عربياً عند الطيب الفقيه أحمد وطالب عمران، والأفكار المتصلة بأهمية أدب الخيال العلمي عند ماري جميل فاشة وأحمد المصلح ومحمود الرجبي ومحمد جمال عمرو، وبأغراض أدب الخيال العلمي عند عماد زكي. وتحديد وظائف الفكر العلمي عند فيليبي اسكاروس، ومخاطر أدب الخيال العلمي ما لم يُرشد استخدامه عند محمود الرجبي وروضة فرخ الهدهد.

وقد تباينت آراء الباحثين من إطار التنظير التربوي والنفسي عند الطيب الفقيه أحمد ومبارك ربيع وفيليب اسكاروس إلى معاينة نماذج من كتاب أدب الخيال العلمي أو إعادة هذه الكتابة في الوسائط الثقافية ووسائل الإعلام، ولا سيما التلفاز وقنواته الفضائية عند وفاء نجيب القسوس ومنيرة قهوجي وفاروق سلوم، وأوضح عماد زكي بجلاء وظائف أدب الخيال العلمي إزاء الطفل العربي، لأن واقع الحال يضاعف أهمية هذه الوظائف، وقد أوجزها فيما يلي:

أ- إن الوظيفة الأولى لأدب الخيال العلمي هو استثارة العقل وتحريض طاقاته الكامنة على الإبداع والابتكار وإيجاد الحلول المقترحة للمشكلات المعلقة التي لم يصل الإنسان بعلمه إلى تصور حاسم لمواجهتها، وافتراض تصورات جديدة لاستثمار المعلومات والمعارف التي توصلت إليها البشرية حتى اليوم في إيجاد واكتشاف معلومات وحقائق جديدة عن الكون والحياة والإنسان.

ب- المهمة الثانية التي يقوم بها أدب الخيال العلمي هي تهيئة الإنسان المعاصر لمواجهة المستقبل ومواكبته بدل الاصطدام به، فالإنسان بدأ يعاني من صعوبة التكيف مع متغيرات العصر العلمي والتكنولوجي التي تتراكم بسرعة مذهلة، وتفرز معها أنماطاً جديدة من الحياة والسلوك والتفكير، وهذا ما أُطلق عليه المفكر المستقبلي المعروف الفين توفلر اسم (صدمة المستقبل)، وحذر منه.

ج- ثمة وظيفة ثالثة يؤديها أدب الخيال العلمي في حياتنا العربية المثقلة برواسب التخلف والمبتلاة بالأمية الحضارية والتكنولوجية في وقتٍ لم ننتهِ فيه بعد من مشكلة الأمية الأبجدية، ألا وهي زج الإنسان العربي في عصر العلم والتكنولوجيا، وتشجيعه على الاقتراب من هذا العصر بوعي واهتمام، والاستعداد لمواجهة آثاره، والتكيف مع متغيراته واستنهاض همّته لخوض التجربة الحضارية والإبداع من خلالها كما يبدع الآخرون، وتصبح هذه المهمة أكثر ضرورة وإلحاحاً عندما نتحدث عن الطفل وأدبه وثقافته.

د- الوظيفة الرابعة التي يجب أن يقوم بها أدب الخيال العلمي هو المواءمة بين القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية، وبين التقدم العلمي والتكنولوجي وأشكال الحياة المادية الجديدة، فعلى روايات أدب الخيال العلمي أن تبشر بنموذج إنساني راقٍ يستثمر منجزات العلم من أجل خدمة الإنسان وصيانة كرامته، وتحقيق العدالة بين سائر البشر، والارتقاء بمستوى الحياة فوق هذا الكوكب، لا أن تقدم نماذج الشّر التي تُستغل(7) منجزات العلم من أجل السيطرة على الضعفاء واستمرار الكون وإعادة الأرض إلى قيم العصر البدائي الأول.

شغل مبارك ربيع بتحليل هذه الوظائف وأسس فاعليتها لدى الأطفال في تلقيه لأدب الخيال العلمي فيما سماه مبادئ الفاعلية النفسية:

أ- الطابع الإحيائي، فتتميز الفاعلية النفسية للطفل بخاصة، والإنسان بعامة، بممارسته الإحيائية، وهي إضفاء الحياة على ما ليس بحي، وتمتد إلى إسقاط الرغبات والميول على الغير والآخر من حي وجامد، ومن شأن الخيال العلمي المدروس، أن يساعد في الاستجابة لهذه الرغبة.

ب- مستوى الطموح، إذ يتميز الطفل بنزوعه إلى أن يتطور ويتقدم، وأن يكون له دور مثل غيره من الراشدين في المجتمع. وعند هذا النزوع إلى التميز، إلى أن تجعل الطفل يطمح إلى أن يكون مبرزاً في العلم أو الرياضة أو التجارة أو غير ذلك.. ومن شأن الخيال العلمي أن يخاطب في الطفل هذا التوجه الطبيعي، ويساهم في نموه، وهذا له انعكاس على مستقبل الطفل والأجيال الناشئة.

***

المراجع:

1 - أدب الطفل العربي ص18

2 - المصدر نفسه ص29

3 - المصدر نفسه ص45

4 - المصدر نفسه ص56

5 - المصدر نفسه ص ص83-84

6 - المصدر نفسه ص ص49-50

7 - المصدر نفسه ص86

- دمشق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة