Culture Magazine Monday  10/12/2007 G Issue 226
ذاكرة
الأثنين 30 ,ذو القعدة 1428   العدد  226
 

حديث الكتب
البؤساء والمعدمون وحرفة الأدب (2-2)
محمد بن عبدالله الحمدان

 

 

في مقالي السابق عن هذا الموضوع (نشر في هذه المجلة بعدد 225 في23من ذي القعدة1428هـ) استعرضت خمسة كتب قديمة تتعلق بذلك.. هي:

1- إمام البؤساء محمد إمام العبد

2- البؤساء في عصور الإسلام

3- الشاعر عبدالحميد الديب

4- أدب المعدمين في كتب الأقدمين

5- الفلاكة والمفلوكون

ووعدت باستعراض كتب ثلاثة هي التي جعلتني أفعل ذلك.. وهي:

1- أدباء.. في ضائقات مالية

2- شعراء.. ماتوا جوعاً

3- من دنت إليه الدنيا فرفعته، ثم دالت عليه فوضعته

4- إضافة إلى كتاب: (الذين أدركتهم حرفة الأدب) لمؤلفه طاهر أبو فاشا، دار ومطابع الشروق في القاهرة وبيروت 1401هـ 190 صفحة، أكد مؤلفه أن الأدب ليس سبباً في بؤس وفقر الأدباء، بل لذلك أسباب أخرى (كما يقول).

وقد بحث المؤلف كلمة حرفة، وهل هي بكسر الحاء أم بضمها، ورجح الضم (رغم أن الكثيرين درجوا على كسرها) وعلل ذلك (أي الضم) بأنها بالكسر هي الصناعة والمهنة يحترفها الإنسان ويتكسب منها، وبالضم هي الحرمان وسوء الحظ، ومن ذلك قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) (لحُرفة أحدهم أشد عليّ من عيلته)، وأورد أبياتاً في ذلك.. منها قول جحظة البرمكي:

ما أنصفتني يد الزمان ولا

أدركني غير (حُرفة الأدب)

وهو الذي بعد أن ذكر والديه.. قال:

ما تركا درهماً أصون به

وجهي يوماً عن ذلة الطلب

وقيل في رثاء عبدالله بن المعتز الذي بويع بالخلافة، فلم يتم له الأمر إلا يوماً واحداً:

لله درك من ملك بمضيعة

ناهيك في العلم والعلياء والحسب

ما فيه لوُّ ولا ليت فتنقصه

وإنما أدركته (حُرفة الأدب)

وقيل.. أيضاً:

ما لي خملت وضاع مكتسبي

هل أدركتني (حُرفة الأدب)

وقد استعرض المؤلف كتاب (الفلاكة والمفلوكون): وتكلم عنه وعن مؤلفه، وأتى على ذكر هؤلاء: جحظة البرمكي، حافظ إبراهيم، الحطيئة، أبو الشمقمق (للدكتور محمد بن سعد الشويعر كتاب عنه)، أبو الرقعمق، ابن لنكك، أبو الطيب المتنبي، أبو الحسين الجزار، الخبز أرزي (وهو نصر بن أحمد البصري)، ابن دانيال، إمام العبد، محمد مصطفى حمام، عبدالحميد الديب، محمود أبو الوفاء، حسين شفيق المصري، محمد الأسمر، وأورد أخباراً طريفة وأشعاراً لبعضهم.. كقول جحظة:

دعاني صديق لي لأكل القطائف

فأمعنت فيها آمنا غير خائف

فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه

رويدك مهلاً فهي إحدى المتالف

فقلت له: ما إن سمعنا بها لك

ينادي عليه (يا قتيل القطائف)

وقوله:

حسبي ضجرت من الأدب

ورأيته سبب العطب

وهجرت إعراب الكلا

م، وما حفظت من الخُطب

ورهنت ديوان النقا

ئض، واسترحت من التعب

ومن شعر أبي الشمقمق:

أنا في حال تعالى

الله ربي أي حال

ليس شيء إذا قيل لمن

ذا؟ قلت: ذا لي

ولقد أهزلت حتى

مسحت الشمس خيالي

ولقد أفلست حتى

حلّ أكلي لعيالي

وقوله:

لو ركبت البحار صارت فجاجا

لا ترى في متونها أمواجا

ولو أني وضعت ياقوتة حمرا

ء، في راحتي لصارت زجاجا

ولو أني وردت عذبا فراتا

عاد -لا شك فيه- ملحا أجاجا

وابن لنكل هو القائل:

نعيب زماننا والعيب فينا

فما لزماننا عيب سوانا

يعاف الذئب يأكل لحم ذئب

ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

ومن شعر أبي الحسين الجزار:

كم من جهول رآني

أمشي لأطلب رزقا

فقال لي صرت تمشي

وكل ماشٍ مُلقّى

فقلت مات حماري

(تعيش أنت وتبقى)

أما حسين شفيق المصري.. فيقول:

قفا نبك من ذكرى قميص وسروال

ودراعة لي قد عفا رسمها البالي

وما أنا مَنْ يبكي لأسماء إن تأت

ولكنني أبكي على فقد أسمالي

ولو أن امرأ القيس بن حجر رأي الذي

أكابده من فرط همي وبلبالي

لما مال نحو الخدر خدر عنيزة

ولا بات إلا وهو عن حبها سالي

ولابن دانيال الكحال (يبيع الكحل):

يا سائلي عن حرفتي في الورى

وطيعتي فيهم وإفلاسي

ما حال مَنْ دِرهمُ إنفاقه

يأخذه من أعين الناس

محمد مصطفى حمام:

له طرائف ونوادر وشعر ظريف، مشهور بالحفظ السريع، كان رضياً سموحاً قليل الشكوى (على ما به) من شعره -في لاميته الطويلة الجميلة:

علّمتني الحياة أن أتلقى

كل ألوانها رضا وقبولاً

والذي ألْهِم الرضا لا تراه

أبد الدهر حاسداً أو عذولا

وقعت الجفوة بين العقاد وتوفيق دياب فقام بحركة لطيفة أزالت الجفوة، كان حمام من ظرفاء العصر الذين انقرضوا أو كادوا، فهو الجليس الأنيس، فكاهة السامر، وريحانة المجالس.. إلخ.

قلت: جاء للمملكة وكتب مقالات في جريدة البلاد وغيرها، ثم ذهب للكويت فأجاد وأفاد وأمتع، وتوفي هنا عن زوجاته الثلاث وأبنائه العشرة.

طبع ديوانه عام 1404هـ، نشرته (تهامة) بجدة في 338 صفحة، قدم له ثروت أباظة بعنوان: تحية لا تقديم، وكلمة للدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي عنوانها (مات الشاعر)، ثم مقدمة بقلم محمد حسين زيدان له شعر قليل (بالعامية).. منه (من قصيدة طويلة):

يا أيها الناس اضحكوا مجانا

سلّوا الحزين وفرفشوا الزعلانا

شوفوا العبوس فزغزغوه فإن أبى

إلا العبوس فزغزغوه كمانا

ومن شعر عبدالحميد الديب:

جوعوا تصحوا واذكروها حكمة

فالمجد لم يخلق لغير الجائع

انتشرت في النوادي الأدبية شائعة تقول: إن عبدالحميد الديب قد مات، وأرادت إحدى الصحف أن تكذب هذه الشائعة فنشرت التكذيب كما يلي:

(أشيع أن الشاعر عبدالحميد الديب قد توفي، والحقيقة أنه حي لا يزرق).

2- أدباء في ضائقات مالية - عبدالله الجعيثن 1417هـ، 119 صفحة، ذكر فيه 23 أديباً أو شاعراً، أربعة منهم ممن تقدم ذكرهم، ولولا خشية الإطالة لأتيت بأسماء من ذكرهم المؤلف، ولم يذكر مصادره، وذكر مؤلفاته الكثيرة (ما شاء الله).

3- شعراء ماتوا جوعاً، فوجئت باسم الكتاب يذكره الأخ الأستاذ حمد بن عبدالعزيز الداوود ثم تكرم بإهدائي نسخته، طبع الكتاب عام 1422هـ (مؤسسة بحسون لبنان) ألفه: السفير صالح بن محمد الغفيلي، وجاء في 472 صفحة قدم له د. إبراهيم بن محمد العواجي، ترجم لأكثر من 50 شاعراً ممن قال إنهم ماتوا من الجوع، تقدم ذكر بعضهم في الكتب المتقدمة، لم يذكر مصادره في الكتاب.

4- (من دنت إليه الدنيا فرفعته، ثم دالت عليه فوضعته). تأليف: حنان بنت عبدالعزيز بن سيف، طبع عام 1422هـ. أهدت الكتاب لوالدها، وفي مقدمتها قالت عن كتاب (إنباه الرواة) للقفطي إنها لا تدري إن كان هذا الكتاب موجودا أو مفقودا أم باقياً في ذمة التاريخ (ص8)، بينما ذكرت في فهرس المصادر والمراجع رقم 4 (صفحة 159) وأوضحت مَنْ حققه ونشره وتاريخ طباعته، ربما أن هذا حصل سهوا من المؤلفة. ذكرت في كتابها (23) من الملوك والخلفاء والأمراء، و(14) من الوزراء، و(اثنين) من العلماء، و(5) من الأدباء، و9 من الشعراء، و(1) من المغنين، وآخر من الأطباء، فيكون مجموع من ذكرتهم 55 شخصاً. ومصادرها 44 مصدراً، ليس بينها أي كتاب من الكتب التي تم استعراضها في مقالتي هذه. نسيت أن أقول إن الأستاذ الجعيثن أورد في مقدمة كتابه البيتين التاليين (وكنت سمعتهما من الشيخ حمد الجاسر رحمه الله):

أفّ لرزق الكتبة

أف له ما أصعبه

أفّ لرزق نازل

من شق تلك القصبة

والذي سمعت من الجاسر (ما أتعبه) بدل (ما أصعبه) و(خارج) بدل (نازل).

مكتبتي

وفي مكبتي ملف قديم -مع أكثر من 200 ملف تضم موضوعات طريفة في الفكاهة والثقافة وغيرهما-.

هذا الملف عنوانه (حياة الأديب)، حوى (أي ضم) قصاصات وقصائد.. منها: مقالة للأستاذ د. محمد بن سعد بن حسين نشرت في مجلة الحرس الوطني عنوانها (من حياتي.. أنا والكتاب والمكتبات والتأليف) ضنمها أخباراً وأشعاراً عن إعارة الكتب (بالراء) والذين اضطروا لبيع كتبهم، ثم قالوا شعراً في ذلك أ.هـ.

ومن أطرف ما سمعت هذه العبارة في جلسة د. أحمد الضبيب (أحمقان.. معير الكتاب (بالراء)، ومعيده (بالدال)، وهذه العبارة العامية (كلام فاضي، وكلام مليان كلام فاضي).

هل فهمتم المقصود؟

ومن محتويات هذا الملف البيتان المشهوران:

أقلّب كتباً طالما قد جمعتها

وأفنيت فيها العين والعين واليدا

وأعلم حقا أنني لست باقيا

فيا ليت شعري من يقلّبها غدا

وقصيدة السفير الأستاذ أحمد المبارك، في مكتبته الخاصة، وقصائد كثيرة حول الكتب والمكتبات. ثم مقال قديم لي عنوانه: (عن الكتب والمكتبات الخاصة وحرفة الأدب، في 7 صفحات، بأصله وصوره، ولا أدري هل نشر أم لا؟

وأختم موضوعات هذا الملف بهذه القطع الشعرية الثلاث:

منصور الفقيه:

بنيّتي لا تجزعي واصبري

عساك بصبرك أن تظفري

فلو نال يوماً أبوك الغنى

كساك الرقيقي والعنزي

ولكن أبوك ابتلي بالعلو

م فما أن يبيع ولا يشتري

أبو إسحاق الصافي:

لقد تعجبت من مالي وكثرته

وكيف تغفل عنه (حرفة الأدب)

فاستيقنت أنها كانت على غلط

فاستدركته فأفضت إلى الكرب

حياة الأديب

يبيت على صحائفه مكبا

ويأنف أن يرى في اليل غمضا

ويطلبه الكرى فيشيح عنه

وتطلبه براعته فيرضى

إذا نام الخلي قرير عين

رأى ألم السهاد عليه فرضا

يبيت مسهدا كل الليالي

فيا الله كم ليلة تقضّى

فهل نال الأديب بذاك شيئاً

وهل عرفوا له حقاً فيقضى

يرى الفلاح أنعم منه بالا

وأكثر منه بالمحراث خفضا

فيا ليت اليراع يصير فأساً

ويا ليت الطروس تصير أرضا

حمد القاضي

وبالمصادفة جاء الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي في جداوله (بالجزيرة) يوم 14-11 بفقرة لطيفة جميلة مفيدة عنوانها: (حظ المثقف والأديب في هذا الزمان) أشار فيه إلى ما عاناه أمثال طاهر زمخشري ومحمد حسين زيدان وعبدالله الجفري وأورد للأول البيت التالي:

نعم أنا طفران وعندي (بشكة)

ولكن مثلي لا ينرفزه فقر

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المقال القادم عن كتب ثلاثة في مكتبتي:

- المعدة بيت الداء

- رسالة آداب المؤاكلة

- آداب الأكل

***

تنويه

وردت في الحلقة الأولى من هذا المقال، والمنشورة في العدد الماضي تطبيعات، لا تخفى على فطنة القارئ (وبعضها يخفى).. وهي:

خطأصواب

طريقة طريفة

الفرق الفِرَق

ليلايليالي

غلى إلى

حربهم حزبهم

مدمته مقدمته

ومنها ومنهما

شيخه شيحه

سلدين الدين

ما نوحهإما نومة

السندات بسندات

وتاح وناح

طرائفةطرائفه

بيقتها بقيتها

وأولاه وأورد

على علَّ

* مكتبة قيس - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة