الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th September,2006 العدد : 170

الأثنين 18 ,شعبان 1427

معوقات الإسهام الفاعل لوسائل الإعلام السعودية في نشر ثقافة الإبداع(*) 4 -4
بدر بن أحمد كريِّم*

ب غياب الاستراتيجية الوطنية
للإعلام الإبداعي
من تحصيل الحاصل القول: إن المجتمع السعودي جزء لا يتجزأ من المجتمع العالمي، يأخذ منه بيد ويعطيه باليد الأخرى، ولقد حققت كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية الكثير على صعيد تعليم الإعلام من حيث الكم والنوع، وظهرت خبرات كبيرة في ميدان الإعلام، متاحة عملياً في الوقت الحاضر، ولكنّ هذه الخبرات غير مستخدمة بدرجة كافية، سواء في الجامعات، أو مراكز البحوث، أو في مؤسسات الاستشارات، والمؤسسات الإعلامية، وعلاوة على ذلك فإن المهنيين الإعلاميين السعوديين لا يملكون التسهيلات للقاء بعضهم بعضاً، وقلة منهم يعرفون بعضهم بعضاً، وتنعدم الجمعيات المهنية الإعلامية باستثناء الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، وهيئة الصحفيين السعوديين، وهاتان المؤسستان الإعلاميتان تحتاجان إلى وقت، لإعداد الإعلاميين في أيّ من ميادين نشر الثقافة الإعلامية الإبداعية.
أما البنية التحتية التي ترتكز عليها صناعة الاستشارات الإعلامية في المجتمع السعودي، فهي محدودة للغاية، وبخاصة (إذا قورنت بالبنية التحتية، المتاحة لمؤسسات مماثلة في: كوريا، والهند، وتركيا، وبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن ثم تجد المؤسسات الاستشارية بوجه عام، صعوبة في التنافس مع المؤسسات غير العربية). (42)
ومنذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي أقامت الحكومة السعودية عدداً من مراكز البحوث التطبيقية، إلا أنه أصبح من الممارسات المألوفة اتهام هذه المراكز بانتهاج طريق البحوث الأكاديمية وليس الإنمائية، وتبدو المشكلة مرتبطة بغياب اتفاقيات التشابك بين هذه المراكز والمؤسسات الإعلامية والاستشارية الإعلامية. (43)
في هذه الأجواء فإن من المهم وجود استراتيجية وطنية للإعلام الثقافي الإبداعي، تحدد دور الإعلام في نشر الثقافة الإبداعية، وتبين التوجهات العامة للعمل في هذا المجال مثل: تحديد الجماهير المستهدفة، وبيان الوسائل، والمداخل، والأساليب المناسبة للاتصال بهذه الجماهير، ويمكن أن ترتكز الاستراتيجية على الآتي:
أولاً: وضع سياسة إعلامية علمية حازمة، ودراسات متقنة، لعمليات إعداد الإعلاميين العلميين، للعمل في وسائل الإعلام السعودية المختلفة.
ثانياً: توفير الاستثمارات الكافية لتمويل نشاط البحوث الإعلامية العلمية، وربطها بالكيفية التي توظف بها هذه الموارد، بحيث تستخدم في نشر ثقافة الإبداع.
ثالثاً: زيادة مخرجات الإعلام العلمي، وتوظيف خريجيه، وتلافي قصور المعلومات الإحصائية في مجال الإعلام العلمي.
رابعاً: تمكين الإعلاميين العلميين السعوديين من: التعاون، والتكافل، والمشاركة بصورة فعالة، في معالجة التحديات الإعلامية العلمية، واكتساب المعرفة بالعوائق والصعاب.
خامساً: النظر في العديد من الإجراءات التي تعوق العمل الإعلامي الإبداعي مثل: عدم وجود تقانة علمية إعلامية، وغياب المعلومات العلمية التي يعتمد عليها الإعلاميون.
سادساً: الاستعانة بالخبرات العربية، والإسلامية، والدولة في مجال الإعلام الإبداعي.
ومن المؤمل أن تبادر مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة بتبني استراتيجية وطنية للإعلام الإبداعي، مثلما عملت الهيئة العليا للسياحة التي أعدت استراتيجية وطنية للإعلام السياحي، عبر الاستعانة بجهود اثنين من المستشارين، من أساتذة الإعلام في إحدى الجامعات السعودية.
2 المعوقات المتعلقة بوسائل الاعلام
تواجه وسائل الإعلام السعودية عدداً من المعوقات، تحول بينها وبين نشر الثقافة الإبداعية في المجتمع السعودي، وليس ثمة شك أن وجود وسائل إعلام مبنية على المعرفة العلمية يقتضي وجود جماعة علمية فيها تظهر من ارتباط الإعلاميين المبدعين، وتحقيق التعاون بينهم، وتدعيم البحث العلمي الإعلامي المفعم بالحيوية. (44)
وفي هذا السياق رأى أنطوان زحلان أن (دور الجماعات العلمية دور مركزي، من أجل تشكيل إجماع وطني بشأن الأولويات العلمية (45)، وأضيف بدوري أمراً على جانب كبير من الأهمية وهو: أنّ تمتين العلاقات بين الإعلاميين المبدعين ومجتمعهم، والتأثير الثقافي العلمي لهؤلاء الإعلاميين، يؤدي دوراً حيوياً في تحديد معايير الكفاية العلمية الإعلامية الفعالة لوسائل الإعلام، وغياب هذه العلاقات لا يمكّن الإعلاميّ المبدع، من أنْ يؤدي مهامه المتوقعة على الوجه الأمثل. وسأجمل الآن هذه المعوقات بصورة مختصرة في الآتي:
أ غياب الرؤية الحقيقية لدى عدد من قيادات وسائل الإعلام السعودية، حول الدور المجتمعي لوسائل الإعلام، الذي يقتضي عدم اقتصار الصحف على الاهتمامات الجماهيرية، التي تسهم في تسويق هذه الوسائل، لدى الجماهير والمعلنين مثل: العناية بالموضوعات السياسية، والرياضية، والمحلية فقط، بقدر ما تفترض وظائف وسائل الإعلام في المجتمع عنايتها بكل ما يمكن أن يسهم في تطور المجتمع السعودي وتنميته، وبخاصة ضرورة الاهتمام بقضايا الموهوبين، والمتميزين، والمتفوقين عقلياً؛ الأمر الذي يقتضي أن تعمل وسائل الإعلام السعودية على إيجاد أقسام متخصصة في الاهتمامات الثقافية الإبداعية، ودعمها بالإعلاميين والإعلاميات المؤهلين.
ب غياب الجانب الإبداعي في أداء معظم الإعلاميين والإعلاميات السعوديين، فقليل منهم يملك مقومات الإبداع، وهؤلاء يستطيعون نشر الثقافة الإبداعية في مجتمعهم، وكثير منهم يحتاج إلى إعادة تأهيل، لتحسين مستوى أدائه، وتلافي النقص الذي يعانيه، ويتحمل وزره المشاهد، والمستمع، والقارئ، ولو أن وسائل الإعلام السعودية تبنت بيئة ملائمة للإبداع، فلابد أن ينمو رصيدها بمعدل أعلى من المعدل الراهن.
ج ضعف التأهيل العلمي والمهني للعاملين في الأقسام والأبواب العلمية والثقافية، في معظم وسائل الإعلام السعودية، وعدم عناية هذه الوسائل بتدريبهم؛ إذ تبدو قدرات العاملين في الأقسام العلمية إن وجدت في وسائل الإعلام السعودية محدودة، ومن الملاحظ أن هذه الوسائل لا تعنى باختيار الإعلاميين والإعلاميات المؤهلين القادرين على تقديم مواد إعلامية علمية (طب، تقانة، ابتكارات، اختراعات) قادرة على الاستئثار باهتمام الجماهير؛ ومن هنا تأتي غالبية الموضوعات العلمية المنشورة أو المقدّمة عبر وسائل الإعلام السعودية، ضعيفة تارة، ومتناقضة تارة، بل مضللة تارة أخرى، كما قد تأتي طويلة، ومملة، نتيجة إما عدم تأهيل القائمين على إعداد هذه المواد في المجال العلمي الثقافي الإبداعي؛ مما يفقدهم المعرفة الحقيقية بما يكتبون عنه، وإما نتيجة لعدم تأهيلهم للعمل الإعلامي المتخصص.
ويتصل بهذا الجانب عدم عناية المؤسسات الإعلامية السعودية بتدريب وتأهيل الإعلاميين والإعلاميات في المجالات المختلفة، وبخاصة في مجال الإعلام العلمي، على الرغم مما تفترضه التنظيمات الإعلامية في المجتمع السعودي من ضرورة قيام وسائل الإعلام السعودية بتدريب منسوبيها؛ حيث يشترط نظام المؤسسات الصحفية تخصيص نسبة معينة من أرباحها السنوية؛ لتدريب الصحفيين.
أطرح هذه الرؤى، وفي يقيني أن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين وهي: قلعة من قلاع الفكر المستنير، ومنارة من منارات العلم، والحارسة على قيم المجتمع السعودي، وتراثه الحضاري، قادرة على تطوير وظيفتها العلمية؛ فهي مؤسسة عمل مهني ذي شقين: الأول يختص بالإنتاج، والآخر يختص بالخدمات، وتتمتع بحرية علمية؛ ومن هنا فإن إصراري على أن تعد مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين، إعلاميين وإعلاميات مبدعين، ينبع مما سطرته نظريات العلم الحديث، وإسهام المؤسسة في رعاية وعناية الموهوبين، وازدهار المجتمع السعودي، كما أنها قادرة على تغذية المؤسسات الإعلامية السعودية بكفايتها الإعلامية الإبداعية المتخصصة، وليس من حق أحد أن يلغي هذا الدور.
(42) أنطوان زحلان. كيف يمكن لقدرات التقانة العربية أن تتغلب على نقاط ضعفنا الراهنة؟ في:
العرب وثورة المعلومات، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي (44). ط1، بيروت: تموز يوليو 2005م، ص 154 (بتصرف).
(43) المرجع السابق: ص 154 (بتصرف).
(44) المرجع السابق 156.
(45) المرجع السابق، ص 158.


* العضو السابق في مجلس الشورى والمحاضر حالياً بقسم الإعلام في كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved