الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th September,2006 العدد : 170

الأثنين 18 ,شعبان 1427

وفق التوقيت العربي
نبيل سليمان*

(نحن ضحايا من؟)
(من يملك الحقيقة؟)
(أين الخلل؟)
تلك عيّنة من الأسئلة التي يفتتح بها إبراهيم عبد الرحمن التركي كتابه (وفق التوقيت العربي). ولئن بدا الكتاب مجموعة من المقالات، فهو في الآن نفسه سردية سيرية بامتياز، ولذلك حُقَّ للكاتب أن يضيف عنواناً فرعياً هو (سيرة جيل لم يأتلف)، وقد أعلن الكاتب لكتابه هذا النسب في عتبة ثانية للكتاب، كمجموعة من حكايات الجيل الذي ولد في السعودية بعد النفط من دون أن يجد ملعقة الذهب، (وربما كان أول الأجيال المترفة أو آخر الأجيال المكافحة).
في العتبة الأولى للكتاب جاءت قولة جان كوكتو (الحقيقة عارية غير أنها لا تثير الرجال). ولعل (وخزات) الكتاب لعقولنا وضمائرنا متركزة في هذه القولة، والتي تعززها وتضيئها الأسئلة، كما تعززها وتضيئها خواتيم جمّة لفصول السيرة أي للمقالات، وفيها: (الوفاء قيمة الشفاهية أعماق التغير ناموس التعددية أصل وحلّ...).
يتوجه الكاتب أحياناً إلى القارئ، كأن يقول (ويذكر صاحبكم). ويتحدث عن نفسه أحياناً بضمير الغائب. وهو بمثل هذا (اللعب) ينشّط السيرية في سردياته مقالاته ليرسم صورة جيله بقدرٍ أقلّ من الاسترجاع، وبقدر أكبر من التقدم من أيامه المبكرة، من الطفولة والنشأة المدرسية والثقافية، وحيث تحضر وجوه الآخرين من الأسرة والأساتذة والأقران، وصولاً إلى الدراسة في أمريكا، إلى عهد الشباب فالجامعة، فالعمل. إنها رحلة زاخرة وشائقة من عنيزة إلى الرياض، ومن جامعة الإمام إلى جامعة سان دييغو، ومن الجغرافيا وعلم الاجتماع إلى تقنيات التدريب التعليمي والإدارة والصحافة الثقافية و.. هذا الكتاب الذي شدد في خاتمته على أن الكتابة ليست نزهة في منتجع فوق قمم الألب، بل مسؤولية. يبدو جيل الكاتب خليطاً غرائبياً يرتحل يميناً ويساراً، شدة واسترخاء، منذ العهد بعنيزة، حين كان الفتيان يحاورون شيوخهم، فيعترض مجتهد دون أن يغرض. بيد أن همّ الكاتب ليس فقط ذلك الجيل الجديد الذي لم تعد تؤثر فيه الأسرة ولا الكتب المدرسية، لأن عملية التخليق الذهني بحسب الكاتب عملية جمعية (يشارك فيها كلٌّ حسب سطوته أو سلطته أو موهبته).
ولئن كانت التبدلات الفكرية في الثمانينيات من القرن الماضي قد فعلت فعلها في جيل الكاتب، ومن بعدها غزو الكويت واحتلال العراق، فالكاتب يبالغ في نقده للجيل الجديد، حين يذهب إلى أن الوقت لم يعد يأذن له بالتفكير، أو حين يذهب إلى أن مشكلة هذا الجيل المتوقد ذكاء، لا يزال غير قادر على أكثر من تفوق مشهود في تحديد أنواع السيارات والمطاعم والأزياء. على أن الكاتب يتلطف أخيراً بالجيل الجديد، فيصفه بالكادح الذي تعرض لكل التيارات، وجرب مختلف القراءات، وخرج برؤى تختلف عن رؤى جيل الآباء والأجداد.
يتلفّح نقد الكاتب لما آل إليه أمر الجميع بالشجن، دون أن يفوّت سانحةً للإشارة إلى ما نحتاج. ففي نقده للعقل العربي يرى أن ما نمارسه بحق عقولنا هو انقياد لمؤثرات خارجية غير مستقرة. والكاتب يلح على التعددية والاختلاف، مستوحياً من بودلير ذلك الحق المنسي الذي قد يهمّ الجميع أن يعيدوا له الاعتبار، وهو الحق في التناقض، فالمعرفة هي التناقض.
وقد زخر الكتاب بالمتناصات والإشارات التي تؤكد ثراء ثقافة صاحبه التراثية والحداثية، وحيث تتلامع أسماء محمد أركون والمتنبي والقصيمي والرصافي ومنيف الرزاز وصادق جلال العظم ومصطفى محمود.. وكان ذلك مما لوّن لغة الكتاب مثلما لوّنها التوقيع ويسّرتها خبرة الصحافة.
إن (وفق التوقيت العربي) نداءات في نداء تترجّع من العقل إلى الروح، من السياسة إلى الاجتماع والفكر والحرية وقد خصّ الكتابة الرقابة والرقيب بما يستحقان لعل الحقيقة العارية تثيرنا، كما لعل المقالة الصحفية تصير نصاً أدبياً سردياً بامتياز!.


* روائي سوري اللاذقية

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved