الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 11th September,2006 العدد : 170

الأثنين 18 ,شعبان 1427

نهاية رجل
صالح الصقعبي
حمل الابتسامة فوق كاهله طيلة حياته بأيامها الطويلة الساخنة أحياناً الباردة أحياناً كثيرة...
عايش الجوع والكد والعرق بمعانيه الحقيقية المليئة بالمعاناة الجادة بل النازفة...
عرفت قدماه لَسْعة الرمضاء...
غلا جبينه من حر (القيلولة)...
تاه بصره منذ الصغر في البحث عن قطعة حلوى غلت بها الأيام عليه وحرمته منها حتى نسي طعمها تماماً...
***
لم يعد يعرف غير المرارة المشبعة بدماء الأيام.. بعرق السنين.. إلا أن هذا كله لم يلغِ الابتسامة من قاموسه، بل هي المفتاح السحري والرحيق الهادي الذي تستنشقه الأيام، فتهدئ ثورتها وتطبع علاقاتها مع نفسه المتعبة لتريح نفسه اللاهث لتمنحه ظلاً بين شجيرات النخيل ليعيد التعرف على طعم بلحها ولسع شوكها...
***
حرمان الأيام وآلامها علمته عدداً من الدروس التي أخذت تتساقط كورق الخريف عبر أزقة أيامه الجديدة...
لم يعد يعرف لسعة حر (القيلولة) وهو يمدد قدميه تحت ألسنة الهواء البارد المنبعث من فتحة المكيف، وأصابع يديه تلاعب أزارير (الريموت كنترول) بحثاً عن محطة فضائية تبث أحد البرامج المفضلة لديه.
***
شيء واحد بقي مع صاحبنا عاش معه ملازماً إياه كنفسه هو حب المال خوفاً من الفقر...
نعم كان المال وراء تحقيق الكثير من آماله ابتداء بأول حذاء حمى قدميه من شوك النخيل ولسعاته المؤلمة، وانتهاء بالسيارة المكيفة التي تقف عند الباب بخيلاء تنطلق بمجرد امتطائه لصهوتها...
دفعه هذا الإخلاص بحبه للقرش..
بادله المال حباً بحب، فكانت أمواله تزيد وتجارته تتضاعف بمقدار تضاعف الرغبة والحرمان في عيون أبنائه...
عندما عرف أكبر الأبناء كيف يتعامل مع الشارع والناس، ازداد ذهوله وحار فكره فكيف يوفق بين المشهدين ليجعل البطل واحداً... إن الرجل الذي يتحدث عنه الناس والده... وكذلك الرجل الذي يتناول معه الغداء كل يوم في المنزل بين أمه وإخوانه، ويقوم بتوزيع قطع اللحم عليهم بشح واضح هو والده أيضاً...
الأول تاجر كبير، ثروته يتحدث عنها الناس... ويدفع الكثير من الأموال لتحسين صورته لديهم...
الثاني الذي يعيش معهم في البيت هو نفسه التاجر الكبير... يوقف الدنيا ويقعدها لو احتاج الواحد منهم (لقلم)، أما إذا تطوع أحد المسامير ومزق ثوب أحدهم، فإن هذا يتطلب تدخل أطراف خارجية يتطوع الجيران عادة بالقيام بمثل هذا الدور...
***
بدأت أيامه تذبل وشمسه تؤذن بالمغيب في الوقت الذي كبر فيه الصغار وأخذت ثمارهم تنضج في مناخ يحمل الكثير من المخصبات النباتية والإنسانية أحياناً لتطرح الأشجار ثماراً ناضجة، ولكن من الخارج فقط. أما مذاقها، فلا يدل على أي معنى للنضج...
***
تاهوا جميعاً في رسم الأحلام وترتيبها انتقاماً من أيام الحرمان وشقائها بعد أن يغيب هذا الحارس الأمين الذي جمع وتعب ولهث وجاع.. خصوصاً أنه بدأ يفقد اتصاله بالدنيا شيئاً فشيئاً...
إنهم وحدهم القادرون على تحديد المبلغ المتبقي له من ماله وكده.. هل يتم وضعه في مستشفى ليتولى العناية به في أيامه الأخيرة.
يعارض الابن الأصغر ويرفض ويندد بشدة، ويطلب تخصيص غرفة في المنزل وتَحَمُّل مرتَّب شغَّالة للعناية بوالده العزيز.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved