Culture Magazine Monday  12/03/2007 G Issue 190
عدد خاص
الأثنين 22 ,صفر 1428   العدد  190
 

الغذامي لـ« الجزيرة »:
ينبغي لامرئ القيس أن يفرح بتحوّل (مكرّ مفرّ مقبل مدبر معاً) إلى إعلان شوكولاته

 

 

حوار: الدكتور مصلح النجار...الأردن

على مقربة من قلبك، يمشي حاملا بيده فانوسه، يضيء هنا، وينير هناك، ومن خلفه جيش من المريدين، وخميس من المتربّصين، هؤلاء يتواجدون معه، وأولئك يحاولون أن يجدوها قبله، ليصرخ أحدهم قائلا: وجدتها!

يعرف ماذا يريد، ويعرف أنّ هناك طريقين توصلان إلى ما يريد: أحدهما شارع عريض، والآخر حبل معلّق، فيختار الحبل!

أكاديميّ بنكهة مفكّر، ومفكّر بنكهة إنسان، ومواطن عربيّ بامتياز..

قارع الخطوب، فازداد وداعةً، مشاكس بهدوء، محافظ، يرغب في التغيير، يعيش على الأرض، وعيناه معلّقتان بالغيوم, إذا رأيته من بعيد حسبته ذلك المفكّر الذي نالت منه الشهرة، فإذا اقتربت منه ولجتَ إلى داخله, لم يقتنع بمنظومة الثوابت، فتناول إزميل بنّاء، وأخذ يعيد تشكيلها من جديد.

إذا دخلْت إليه من مدخل التغيير، لاح لك الشيخ المحافظ، حاملا معه مخزون التراث العربيّ كلّه، وإذا ولجْت من بوّابة المحافظين؛ استباكَ بقدرته على التجاوز.

لا تستطيع أن تقرّر بسهولة إن كان منحازا إلى النخبة، أم إلى الأكثريّة.

خبير بالطغاة، وبالشعراء، والمؤسسيّة، والنساء، وبالأكاديميّة، والإعلام.

لا تستطيع أن تحسم بانضوائه تحت سلطة النسق، أم بخروجه عليها.

ليس سهلا أن نعرف إن كان يمنحنا الإجابات، أم يثير في نفوسنا مزيدا من الأسئلة.

كثيرون هم الذين سطوا على آرائه، وتحوّلوا إلى نجوم.

(الثقافية) حاورت الغذامي وسألته دون تحفظ، فأجاب بتساؤلات كثيرة وكبيرة لا بد من التوقف عندها. وفيما يلي النص الكامل لمجريات الأسئلة والأجوبة:

* ركز مشروعك النقدي كما بدا في كتاب (النقد الثقافي) على جوانب سلبية من الثقافة العربية من دون إبراز أي جانب إيجابي في المقابل، فهل كان ذلك من قبيل المصادفة أم النسيان أم الاعتقاد بعدم وجود جانب مشرق..؟

- لا، بل هناك جوانب إيجابية كثيرة في تراثنا كله، وليس من خلل هنا، ولكن الخلل يأتي من الجوانب السلبية، خاصة إذا ما كانت هذه السلبيات غير منقودة، وكان لها دور جوهري في ترسيخ النسق المهيمن، وهذا بالضبط ما يستوجب الوقوف عليها والجهر بنقدها، أي التعرف على الأنساق وعلى مفعولية هذه الأنساق. أما جماليات الثقافة فليست مما هو مغفول عنه، وفي خطابنا العام والخاص ثراء عميق حول هذه الجماليات.

* كيف يمكن تفسير علاقة النقد الثقافي بالأدبي..؟

- علاقة النقد الثقافي بالنقد الأدبي على المستوى النظري هما ينهلان من مناهل فلسفية متماثلة، والأساس المفاهيمي والمصطلحي مشترك بينهما، ولكن الفروق تأتي في المنهج، أي في طرق استخدام الأدوات المصطلحية، والمقولات الفكرية، وحينما نقول إن النقد الأدبي هو نقد للنصوص، بينما النقد الثقافي هو نقد للأنساق فإن هذا يعني أمورا كثيرة هي فروق كثيرة تقتضي وتستلزم إجراء تحوير بالغ في توجيه الأدوات نحو مهارات مختلفة ومهام مختلفة من أجل الوصول إلى نتائج مختلفة.

* بماذا يمكن وصف النقد الثقافي به: منهج، أم تيار، أم اتجاه، أم مذهب، أم ماذا...؟

- النقد الثقافي هو نظرية نقدية من جهة، وهو منهج إجرائي من جهة ثانية؛ لذا فهو فلسفة من نوع خاص، أي فلسفة تطبيقية بما أنه قراءة للثقافة، وهي قراءة مشروطة بالمنهجية ومرتبطة بالنظرية، ومن المهم أن نشير هنا إلى أنه ليس أي كلام عن الثقافة وليست أي دراسة لمظهر ثقافي هو مما يعد من النقد الثقافي، وفرق بين (الدراسات الثقافية) التي ظهرت منذ الستينات في بريطانيا، والنقد الثقافي، والأخير نظرية نقدية حديثة حتى في الغرب، ولما تزل في بدايات ظهورها، على عكس الدراسات الثقافية التي لها تراث نقدي عريض عالميا، والفرق بين الاثنتين جوهري على مستوى النظريات والإجراء. ولقد شرحت ذلك في كتاب (النقد الثقافي).

* في ضوء الرأي القائل بضرورة وجود سند فلسفي لأي اتجاه نقدي، هل يتكئ النقد الثقافي على سند فلسفي؟ وما هذا السند..؟

- النظرية النقدية المعاصرة هي الوريث أو البديل الفكري للفلسفة، كما لاحظ جوناثان كولر، وكما أحلت إليه مبكرا في كتابي (الخطيئة والتكفير)، وهذا عنى فيما عنى أن النقد ممارسة فلسفية، وهذه مفارقة جذرية عن النقد الانطباعي أو الأكاديمي، وبما أن النظرية النقدية بديل معرفي عن الفلسفة فإن النظرية فلسفة وإجراء فكري يقوم على الوعي القرائي الناقد والتشريحي، وهذا يشمل النظرية النقدية في مسارها المعرفي حتى وصولها إلى مقولة النقد الثقافي.

* كان لمفهوم الطاغية حضور واضح في كتاب (النقد الثقافي) بحيث يحسب قارئه أن المشروع انطلق من أن الشخصية العربية شخصية سادية أو أن معالجة هذا المفهوم كانت إعادة إنتاج لمقولة: كما تكونوا يول عليكم، فهل كانت هذه الثيمة ماثلة في ذهنك؟ وماذا سيقدم إيصالها والتركيز عليها بهذا الشكل لنا وللآخر..؟

- المحزن أن (الطاغية) نسق عام، وله تجليات ثقافية عريضة وعويصة في المظاهر الثقافية والاجتماعية والسياسية خطابا وسلوكا، وفي كتاب (النقد الثقافي) أنا لم أخترع هذه الشخصية، ولم أنبشها من قبر النسيان، إنني - فحسب - تابعت سيرة الثقافة وتتبعت مسار النسق، وطرق تشكلاته وتحايلاته في ترسيخ الطاغية وتعميمه وتجميل موقعه ومن ثم تكرار ميلاده في كل ملمح وفي كل مسلك، وإذا لم نفعل هذا فإننا لن ننقد أنساقنا الثقافية. إن من طبيعة الأنساق قدرتها على التشكل في وجوه عديدة، وهي وجوه تجميلية تختبئ تحتها المضمرات الفتاكة، وكشفها وتسميتها عملية مؤلمة، تماما مثل اكتشاف مرض خبيث والبدء في التعامل معه، المسألة ليست سياحة ثقافية إمتاعية في قراءة الأشعار والحكايات والخوض في جمالياتها - كما هو شأن النقد الأدبي - إن المسألة مبضع علمي حاد وجارح، ولكنه ضروري، والغفلة عنه تسمح لتناسل الأخطاء واستفحالها.

* هل تحسب أن مفهوم الطاغية امتياز عربي خاص، أو لم يوجد طغاة عند الأمم الأخرى والراقية منها..؟

- يكفيك أن تذكر أسماء من مثل بينوشيه على شعبه أو شارون وحتى جورج دبليو بوش على الأمم الأخرى من غير شعوبهم، وقد تذهب بعيدا إلى هولاكو ومن قبله نيرون، وهي سلسلة طويلة من طغاة البشر وشياطينهم، والنسق الطغياني موجود في كل الثقافات وفي كل الحقب، وما عودة اليمين المتطرف في أمريكا وتكراره الدائم في إسرائيل إلا علامات على قدرة النسق على التحايل على كل محاولات طرده، وفي زمن الحداثة والعقلانية تجد رئيسا لأمريكا يقول علنا إنه يتلقى توجيهات من الله بضرب العراق وأفغانستان، وتجد مفكرا جامعيا مثل صامويل هانتنجتون يؤسس لمفهوم الصراع وينظر له. وليس الأمر في وجود النسق هنا أو هناك، بل الأمر في كشفه وتعريته والتصدي له، وفي أوروبا والغرب بعامة هناك نقد قوي وتعرية جريئة أديا إلى تجاور الأنساق وتصارعها أحيانا وتحاورها أحيانا أخرى على المكشوف، لكن عندنا مازال النسق الواحد هو المسيطر ويتقلب يسارا ويمينا على فترات، ولكن يظل يحتفظ بصيغته الآحادية والتسلطية تحت أنواع من المسميات بعيدا عن النقد وبعيدا عن مواجهة النسق بالنسق، وإذا لم تتواجه الأنساق فإن الحاصل هو هيمنة أحدها وقيام نظام الطغيان عبر منظومة التسلط، هذا ما يقتضي الوقوف والتبصر الدائم، بما في ذلك نقد الذات، أو قبول جعل الذات منقودة.

* ما الفارق الجوهري بين حدود النقد الثقافي ومقولات نقد المضمون أو النقد الموضوعاتي التي كانت منبوذة في النقد العربي منذ التبشير بالنقد النصي..؟

- لا مجال لإيراد النقد المضموني ولا الموضوعاتي هنا، فالنقد الثقافي هو نقد ألسني، يتفرع عن مدرسة الألسنية، ويأتي هو والنقد النصوصي (الألسني) كفرعين لشجرة واحدة، وهي شجرة مشروطة بعلم اللغة أولا وبالنظرية اللغوية ثانيا وبالمنهجية الإجرائية المصطلحية ثالثا، وكل ذلك يجعل النقد الثقافي يختلف عن الدراسات الأدبية مثلا، ويجعل المقارنة بينه وبين ما يسمى بالنقد المضموني وسواه هي من باب سوء الفهم، وعدم التمييز المنهجي والنظري.

* هل تتوقع أن تفضي مقولات النقد الثقافي إلى حالة عكسية مؤداها تدخل الأدبي في التاريخي والسياسي والاقتصادي فَهْمَا وتحليلا وتأثيرا..؟ أي هل سيعمل الجمالي في الأنثروبولوجي كما يعمل الأنثروبولوجي في الجمالي..؟

- لا شيء يؤدي إلى شيء آخر من غير إرادة الإنسان الفاعل، وهنا أقول إن المسألة تتعلق بنموذجين أحدهما يعرف النقد الثقافي ويفهم اللعبة بكامل شروطها، والآخر يتوهم أن مجرد الحكي عن موضوعات الثقافة هو نقد ثقافي، وسأقول إن الأول يفهم ولذا يعرف كي يعمل، والثاني لا يفهم ولذا يتوهم. إن المسألة مسألة منهج ونظرية، وهي مشروع معرفي له أهله، وكذلك له مقلدوه ومحاكوه، وفي هؤلاء وهؤلاء علماء مثلما فيهم أدعياء، وسترى أنت النموذجين معا، وسنظل في هذه الحال كشأن أي علم وأي ممارسة ناجحة حيث يكثر التناسب إليها.

* هل تحسب أن الثقافة العربية واحدة في العصر الواحد، أم هي ثابتة عبر العصور، أم أنها تتسم بالتعدد..؟

- في ثقافتنا العربية تعددية، وتزداد التعددية في الشعبي والمحكي، كما أنها توجد في المدون والمؤسساتي، ولكن المتن دائما مؤسساتي والتعدد يأتي على هامش المؤسسة ومن تحتها ومن حولها، ولم نصل بعد إلى مرحلة تتيح تجاور الأنساق، ونحن لو نظرنا إلى النموذج الجاهلي وهو نموذج ثقافي وأخلاقي لوجدناه يأخذ بتلابيب الخطابات والسلوكيات، حتى لقد دخلت عادات جاهلية إلى الدين نفسه وتلبست بلباس الدين وهي نقيضة له، مثلما أن السياسة بمفهومها الحديث قد تلبست بهذا النموذج، حتى صارت الأحزاب الحديثة عبارة عن قبائل حديثة، وصرنا نرى المظلوم يتحول إلى ظالم إذا جاءته الفرصة، وهذا ما كنت أسميه (المعارضة النسقية) في كتابي النقد الثقافي، وذلك لأن المعارضة مصابة بالداء النسقي نفسه مثلها مثل المؤسسة، وما يلبث المعارض، المتصدي للظلم والطغيان في بدء مشروعه.. ما يلبث أن يكون هو طاغية بعد تبادل الأدوار، وهذا يعني أن التعددية هي تعددية ظرفية وتتحول إلى آحادية كلما تسنى لها ذلك، وهذا يضاعف من مهمة النقد بحيث يكون نقدا مزدوجا، أي نقدا للمؤسسة ونقدا للمعارضة، معا وفي آن؛ لأن كليهما مصاب بالداء نفسه. ولا مناص من الدعوة إلى تعددية إيجابية، وهي مستوى يحتاج إلى دهر وإلى قوة معنوية عالية تواصل العمل ولا تفت في عضدها الإخفاقات.

* إلى أين تتجه الثقافة العربية اليوم؟

- إذا علمنا أننا في زمن ثقافة الصورة، ورأينا عدد القنوات الفضائية، ورأينا الإنترنت فإننا سنعرف أن اللغة قد فتحت لها كل الأبواب، ولم يعد التعبير حكرا على النخبة، ولم يعد للرقيب من سلطة، وبهذا نقول إن الثقافة متجهة لانفتاح كبير وخطير ومهم، وحينما أقول كبيرا وأقول خطيرا وأقول مهما، فإنني أقصد أن هذه الصفات هي خصائص واقعية، والشرط الثقافي يقتضي أن نعطي هذه المتغيرات حقها في تشريح خطاب الصورة والتعامل معه بجدية وموضوعية، ومن الضروري أن نعرف كم هو مهم وكم هو كبير وكم هو خطير، وكلمة خطير أقصد بها درجة الأهمية وليست من التهويل أو التخويف. الأمر أكبر من مجرد التخويف والبكاء على أطلال الأحاسيس العاطفية، إننا في زمن ثقافي مختلف ويستوجب وعيا مختلفا يتناسب مع المتغير ويجاريه.

* ما دور الأكاديمية العربية في إدارة الحالة الثقافية في هذه المرحلة؟

- أنا لا أعول على الأكاديمية لا العربية ولا الغربية، والسبب هو بالضبط ما جاء في شق سؤالك عن إدارة الحالة الثقافية. إن الأكاديمية تقوم على فكرة مؤسساتية تعتقد بها أنها فعلا مندوبة لإدارة العقل الثقافي، وتتصور واهمة أنها تستطيع أن تفعل ذلك، وهذا هو عقل المؤسسة ونظام تفكيرها، وهو ما يجعلها عاجزة، ويثبت عجزها دائما. إن الثقافة لا تدار، ولا يمكن لأحد أن يديرها، فالثقافة قدرة معرفية وذهنية خارقة، لها القدرة على ترسيخ أنساقها من جهة، مثلما لها القدرة على خرق الأنساق وابتكار أنساق جديدة، وتتمرد بهذا على المؤسسة، والحق أن المؤسسة أصلا هي واحدة من تجليات النسق، وهو هنا النسق الأصلي الذي يمؤسس التفكير والأفراد؛ ولذا ترى الجامعات هي آخر من يستجيب للمتغيرات، وتراها تحارب الخروج، حدث هذا في أمريكا وفرنسا مثلما حدث في جامعاتنا، ولقد كتبت عن ذلك من قبل تحت عنوان (الأميرة النائمة) في كتابي (حكاية الحداثة) وفصلت القول عن النسقية الأكاديمية. والحق أن الذين يقودون التغيير هم شخوص نشؤوا في الأكاديمية ثم تمردوا عليها، كما أوضحت هناك.

* ما دور الإعلام العربي وما المطلوب منه..؟

- أشرت إلى أننا في زمن ثقافة الصورة، وهذا يتطلب منا أن نكون منتجين للصورة، وأن ندخل معركة العصر بثقافة العصر، نحن لنا قضايا كثيرة وهي قضايا عادلة، ولنا مناصرون عالميون من أحرار العالم، ونستطيع أن نصل إليهم عبر منتوجيتنا الإنسانية والثقافية والعملية الإيجابية، وهذا هو الباب العصري لمخاطبة العقل الإنساني وتقديم الذات.

* هل هناك ما نطلق عليه تسمية العقل العربي؟ وكيف نحدده؟

- لا بأس في تنويع المصطلحات، ولقد استخدم هذا المصطلح كثيرا، وأنا لي تحفظ عليه، قد لا يتسع المقام لشرحه هنا، ولكني أقول إنني أفضل استخدام مصطلح النسق الثقافي، وأجد هذا المصطلح أقرب إلى تحديد التصور. ونحن لو بحثنا في الأنساق فإننا سنستطيع تحديد مسار التساؤلات أولا ثم سنجد طريقا لتحديد المقولة ومحاورتها. أما إذا جئنا للعقل فإنه من الصعب وصفه بجنسية محددة، فالعقل البشري هو الشيء الوحيد الذي لا يختلف فيه قوم عن قوم، على العكس من الألوان والأعراق، وكذا الثقافات، حيث يختلف قوم عن قوم في معطاهم الثقافي وفي مخزونهم منه مثل اختلاف لغاتهم؛ ولذا فالحديث عن عقل عربي لن يعطي تمييزا دقيقا مثل الحديث عن اللغة العربية، ولا شك أن الثقافة ستكون مثل اللغة في إمكان التمييز والتحديد.

* أليس من المغامرة القول بتبعية المجتمع للشعر وليس العكس كما نجد في المجتمعات كلها؟

- أنا لا أقول بهذه ولا تلك، والذي أقوله هو أن الشعر علامة ثقافية كاشفة، ونحن أمة شاعرة؛ ولذا فالبحث عن الشخصية الثقافية العربية يجب أن يجري في ديوانها الأول، وهناك سنكشف عن الأنساق الثقافية الثاوية من تحت الخطاب، والشعر هنا علامة، وليس سببا وليس نتيجة.. إنه الحاضنة الثقافية وهو المخزن الوجداني والذهني، وبالتالي هو الدليل الثقافي الأهم والأحوى. وهناك سنجد ما سميته بنسق (الشعرنة) وهي شيء آخر غير الشعر، كما حددت في كتاب النقد الثقافي.

* يقول مشروع النقد الثقافي بنموذج الشاعر الفحل، فأين هذه الفحولة من فكرة انصراف القصيدة العربية إلى المدح، وفي المدح عكس الفحولة؛ ففيه انسحاق الشاعر أمام الممدوح؟ وهل تحل هذه المشكلة مقولة الرواية ديوان العرب الجديد..؟

- شعر المديح هو خطاب في الشعرنة، وهو يقوم على خصائص منها اعتماد المجاز وليس الحقيقة، واعتماد الكذب كقاعدة بلاغية، وأشعره أكذبه، واعتماد الترويج لمنظومة من الصفات الشخصية في وصف الممدوح مما هو غير واقعي وغير عملي، وهو قول بلاغي ادعائي مدفوع الثمن، وفي تواطؤ تام ما بين الممدوح والمادح والوسط الاجتماعي في قبول الصفات وانتظار العطاء والتصفيق للقول الذي يهز الكراسي من شدة إطرائه كما اهتز كرسي عبدالملك بن مروان لمديح جرير له ووصفه إياه بأنه خير من ركب المطايا وأكرم العالمين، وهو كذلك لأنه سيعطيه ويزداد العطاء كلما زادت الصفات، أي كلما ازددت كذبا ازددت عطاء، ولو لم يعطه لخرج من عنده وهجاه، كما فعل المتنبي مع كافور، وهذا كله يكشف حركة النسق في تسويق الصفات وفي تناقضه الداخلي بين مديح مبطن بالهجاء ومزين بالكذب، في خطاب ثقافي إعلامي تسويقي، وقد صبغ ذلك النموذج الثقافي منذ زمن النابغة والأعشى إلى زمن الإعلام الكاذب في عصرنا هذا. وهذا واحد من تجليات الشعرنة ومن علامات التفحيل المجازي في تسويق صورة الطاغية المستبد.

أما قولك عن الرواية فإن ظهور الرواية هو تعزيز لما كان يضمره الخطاب السردي في تاريخ الثقافة كلها من كونه خطابا للهامش ومضمارا للأصوات المكتومة، والسرد عموما هو خطاب في تعدد الأصوات وتنوعها، وهذا شرط لكونه حكيا وقصا ورواية، بينما الشعر هو الصوت الواحد والأنا الطاغية. وهذه خصائص أسلوبية ينتج عنها خصائص ثقافية. وظهور الرواية الحديثة هو علامة على متغير ثقافي بالغ الدلالة.

* قارئ كتبك يجد أنك تصف ما تتفق عليه الجماعة بالمؤسسية، ويظهر ذلك بصيغة اللمز، نجدك تستغرب غلبة المتفق عليه عند الأكثرية على اتجاهات الأقليات، وتتم المطالبة بالعكس، فما تفسيرك لذلك..؟

- سؤالك هذا مهم وخطير، ويجب ألا نغفل أن الأقلية في كثير من الحالات مصابة بعيوب ثقافية نسقية مماثلة لعيوب الأكثرية، وأنا عادة أفضل التحدث عن المؤسساتي ويقابله المعارضة، ولقد وصفت المعارضة بأنها نسقية أيضا غير أن عيوبها مخفية، بينما عيوب المؤسسة مكشوفة، والتاريخ يثبت لنا شواهد على ذلك، فقد كان بنو العباس يتهمون بني أمية بالظلم والتسلط، وحينما قامت دولة بني العباس رأينا أنهم أشد ظلما من سابقيهم، حتى صار اسم مؤسس الدولة السفاح من كثرة ما أراق من دماء. ونحن نلاحظ في العراق الآن أننا أمام طغيان وقتل لا يقل عما كان في زمن الطاغية الأول. ولهذا يجب علينا تجنب الوقوع في اللعبة السياسية التي تنتصر للفكرة الواقعية بغض النظر عما وراء ذلك من تآمرات نسقية. إن النسق خطير وبالغ الخطورة ومن سيرته أن يحول الأحداث لمصلحته فيقلب الديمقراطي إلى مستبد والثوري إلى رجعي والحداثي إلى ذاتي منغلق، وهذه مسائل تدخل في صميم النقد الثقافي من أجل تتبع الأنساق وكشف حركتها وتعرية حيلها، وليس مثال أمريكا ببعيد عنا حيث تحول اليساريون الأمريكيون إلى محافظين وسموا أنفسهم بالمحافظين الجدد وكان شرهم أعظم من شرور كل من سبقهم وعاصرهم من المحافظين التقليديين، هذا هو مفعول النسق وهذه صورة عن مدى خطورته، ودماء العراق تشهد على هذه المقولة.

* هل هناك فرق بين النقد الثقافي كما ظهر في ثقافات الأمم الأخرى والنقد الثقافي كما ظهر على المستوى العربي بمفهوم نقد الثقافة أو انتقاد الثقافة..؟

- نعم هناك فروق عميقة، ولي أن أحيلك على كتابي، الفصل الثاني، وفيه كلام عن النظرية والمنهج، وهناك طرحت منهجيتي الخاصة ورسمت طريقتي في التعامل مع المصطلحات، ولقد طرحت فكرة هذا الفصل على عدد من الباحثين في المغرب وفي مصر وفي البحرين في ندوات خاصة لهذا الأمر، وصار نقاش عريض ولساعات طويلة، كما عرضت الموضوع قبل نشره على باحثين ونقاد، ولقد أشرت إلى ذلك كله في مقدمة كتابي، وأنا أقول إن هذا الفصل هو نظريتي الخاصة ومنهجيتي للموضوع، كما أن مسميات الأنساق هي من نتائج هذا البحث وهي تحديدا نسق الشعرنة ونسق الفحولة ونسق تأنيث اللغة ونسق الصورة، وأضاف نادر كاظم نسق التلوين. وهناك جهود أخرى سوف تظهر في المقبل - إن شاء الله -.

* ماذا بعد النقد الثقافي..؟

- لم تنته مهمة النقد الثقافي وهو لما يزل مشروعا حيويا في الثقافة العربية والعالمية، وهو واحد من فعاليات فكرية عديدة في مرحلة ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية.

* هل ترى أن النقد العربي يواكب المنجز الثقافي العربي اليوم؟ وما جوانب القصور إن كان هنالك قصور..؟

- لقد قلت من قبل بموت النقد الأدبي، وأنا أرى ذلك بما أن النقد الأدبي قد بلغ مرحلة التشبع النظري والإجرائي وصار الخطاب النقدي اليوم يكرر ما قاله من قبل نظريا ومصطلحيا مع تغير في الشواهد، وصارت حاله كحال البلاغة حينما تجمدت مقولاتها، وكلنا يتذكر مقولة الشيخ أمين الخولي أن البلاغة نضجت حتى احترقت، وهذا نفسه يجري للنقد الأدبي بصيغته المصطلحية والإجرائية، ولذا أقول بضرورة التحول إلى النقد الثقافي لأنه نقد للأنساق وهذه منطقة لم تكتشف بعد، كما أن النصوص هي تجليات للأنساق وعلامات عليها، ووقوفنا على النصوص وحدها سيكون وقوفا على العلامات والأعراض دون أن ندخل إلى الخلايا المتسرطن منها أو الحيوي، وليس في مقدور النقد الأدبي بصيغته العرفية فعل ذلك، وهذا ما يوجب الانتقال والتحول بشجاعة أخلاقية وبمعرفة علمية.

* ما موقع أدب المرأة والأدب الشعبي وسائر النتاجات الأدبية التي يمكننا أن نقترح تسميتها بأدب الظل في الأدب العربي؟ وهل سيكون من الأحسن أن يحتل أدب الظل مساحة أوسع ومكانة متقدمة..؟

- المؤسسة الثقافية دائما ما تكون تحت توجيه نظام نسقي واحد، وحينما سادت ثقافة الشعر الفحولي جاء النقد ليكون مثله، وجاءت كتب ابن سلام الجمحي وابن قتيبة والأصمعي عن الفحول وطبقات الفحول وانحصرت في الشعر، وفيها تجد الشعر وتجد الفحولية وتجد الطبقية، ولم تفلح محاولات الجاحظ حينما التفت إلى الأعراب والمهمشين والنساء والصبيان، وأخذت أعماله وكأنما هي من باب تسلية الفحول والترويح عنهم عبر الاستطراد الكتابي والثقافي، وكانوا يقولون عن ألف ليلة وليلة إنه كتاب للنساء والصبيان وضعاف العقول، وكانوا ينظرون للأطفال على أنهم من أسباب نقص العقل، ويصفون المعلم بصفات النقص لأنه يجالس الصبيان ويقولون عنه معلم صبيان بوصفه ناقص عقل، حتى الجاحظ قد قال ذلك في هفوة نسقية محتالة، والمرأة إذا قالت الشعر استهتروا بها وبشعرها، وإذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها.

هذه كلها أمور من موجبات النسق المتشعرن ومن تجلياته. ونقدها كمقولات مع نقد الخطاب الصانع لها هو أمر من ضرورات الوعي الثقافي النقدي، أقصد الناقد للذات ولثقافة الذات، وكل منا له من هذا نصيب مثلنا مثل الجاحظ صاحب الصوت الانفرادي الواعي، ومع ذلك وقع في لحن نسقي خطير، وأنا وأنت مثله لدينا أخطاؤنا النسقية التي لا بد أن نسعى لكشفها أو نسمح للآخرين بكشفها لنا.

* ألا تجد في مقولات الأدب النسوي حكم قيمة سلبيا ينال من مكانة المرأة..؟

- تعلم أن مقولات النسوية متنوعة وبعضها ينقض بعضا، غير أن ما أقول به وأراه هو (تأنيث اللغة) وهذا مصطلح في الخطاب الإبداعي بالدرجة الأولى، وقد يأتي من رجال تماما مثلما أن تفحيل اللغة يأتي من نساء، وعلى ذلك أمثلة كثيرة، وتأنيث اللغة هو هدف إبداعي بعيد الغاية، وكما لدينا قمة فحولية فإن التوازن النفسي والثقافي يقتضي قيام قمة أخرى تنافس تلك وتحيد من سلطويتها وتؤسس لوعي مختلف وإيجابي.

* عطفا على كتابك (الثقافة التلفزيونية) هل تشكل محدودية انتشار ثقافة النخبة سقوطا لهذه الثقافة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كلمة (نخبة) في اللغة تحديد كمي..؟ ومتى كانت الثقافة الشعبية غير سائدة كميا على ثقافة النخبة؟ ألا ترى أن هناك خلطا بين ثقافة النخبة وثقافة السلطة أحيانا..؟

- سأبدأ من نهاية المداخلة، وأقول إن ثقافة النخبة هي ثقافة سلطوية بالضرورة، وكلما تحددت معالم المشاركين (المؤسسين) فإن توجهاتهم وأنماط رؤاهم ستكون قرينا عضويا لمنتوجهم؛ ما يمأسس الخطاب بالضرورة، ولذا فإن السلطة الرسمية ترادفها تسلطات أخرى مؤسساتية (نخبوية) وكل يجري نحو تكوين هيمنة من نوع ما. أما تساؤلك عن سيادة الثقافة الشعبية كميا، فإنني أقول إن هذا الانشار الكمي هو على وجه التحديد ما يعيق مفعولية خطاب النخبة، وهذا ما نشهده عمليا إذ كل ما يأتي من النخبة ينتهي عند نخبة أخرى؛ ما يغلق الخطاب ويحد من دوره وقد يلغيه إلغاء تاما، وهذا حادث ويحدث باستمرار؛ ولذا نقول بضرورة الالتفات إلى ثقافة العموم وخطاب العامة بكل تجلياته وصيغه. وعودة إلى بداية السؤال حول سقوط خطاب النخبة أقول إن الفاصل في ثقافتنا بين ما هو شعبي وما هو مؤسساتي هو فاصل نسقي خطير وله أسباب كثيرة، ولكن أحد هذه الأسباب هو ثقافي/ نقدي، وهو ما يعنينا أمره وعلينا معالجته ومواجهته؛ ولذا فإن تحليل ثقافة الصورة من جهة وقراءة الهامش والمسكوت عنه من جهة ثانية هما بوابات الدخول إلى ضمير الثقافة وهواجسها العميقة، ويكفي أن نرى أغنية في الفيديو كليب أكثر انتشارا عند الناس من كل دواوين وكتب أدونيس مثلا، وهنا لا يصح أن نسب الناس ونصفهم بالجهل ونقص الوعي ولكن علينا أن نوجه بحثنا نحو هذه المناطق بدلا من صرف الجهد على نصوص لا تتداخل مع الناس ولا تصنع تفكيرهم ولا تصبغ وجدانهم، هذه قضايا مهمة وخطيرة وتجاهلها هو غرق في النخبوية ودفن للرؤوس في الرمال، وإغراق في الشعرنة.

* في ضوء الانتشار الكاسح للفضائيات والإنترنت ألا ترى أن الذي سقط هو مفهوم الرقيب الرسمي بكل تشكيلاته..؟

- نعم، نعم، خاصة قولك بكل تشكيلاته، فالرقيب الذي سقط ليس هو الموظف في وزارات الإعلام الديناصورية فحسب، بل هو أيضا أنا وأنت، نحن الذين كنا نظن أننا نقود الوعي الثقافي فاكتشفنا أخيرا أننا لا نقود أحدا، وأن للناس توجهات أكبر من كل التوصيات، وهنا يجب أن نقف وأن نتبصر، وهذه خطورة ثقافة الصورة وتاريخها الجديد - الخطير معرفيا وذهنيا.

* ما تعليقك على تحول (مكر مفر مقبل مدبر معا) إلى دعاية لأحد أنواع الشكولاتات..؟

- فكرة طريفة ولو درى عنها امرؤ القيس لفرح بها وطالب بحقوقه المالية، وأنا أعرف أن هذا البيت صار مادة لأغنية مصرية طريفة جدا، وأعطت حيوية للنص وهي من باب تداخل النصوص. ويجب ألا ننسى أن هذا البيت كان ثقافة شعبية وخطابا واقعيا بين رجل وراحلته.

* هل تابعت مسابقات سوبر ستار وستار أكاديمي..؟

- تعرف أنني كتبت عن هذه البرامج في كتاب (الثقافة التلفزيونية)، وهذا نوع من الخطاب الجماهيري الذي يكشف لك عن توجهات الناس وعن رغباتهم المعلنة، التي لم تعد مكتومة، وعلينا أن نتذكر أن كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني هو عن مائة صوت مغنى، وهو سوبر ستار زمنه، ونتج عنه ثقافة كلنا يقف عليها ويحيل إليها بجدية وعلمية. وهذا مثل تلك، والفارق هو في اللون والصورة والمباشرة.

* كانت النسقية وتحكم النسق عيبا ووجهت به الثقافة العربية، فهل تخلو المجتمعات الراقية والثقافات الراقية من ذلك؟ ثم ألم يكن بالإمكان قراءة هذه الأنساق ثقافيا، من باب الرصد ومحاولة الفهم لا من باب العيب؟ إن النسقية بحاجة إلى استقراء لا إلى تمثيل فحسب، بخاصة حين نسعى إلى الحكم على الثقافة العربية..

- لست مرتاحا لقولك (وبخاصة في الثقافة العربية)، وكأني بك تريد منا الرفق بالقوارير، إن الثقافة قوية وشجاعة - كما وصفها ابن جني - ونقدها شرط لتحريك حيويتها وكشف عيوبها، ثم إن تسمية العيب عيبا ليست عيبا، تماما مثل تسمية المرض والإعلان عنه، إن التستر على العيوب والتخوف من مناقشتها هو من أشد المثالب النسقية وهو من أفتك أسلحة النسق في حماية نفسه والدفاع عن هيمنته، ويجب ألا نتحول نحن إلى حراس ثقافيين، فنديم الداء ونشارك في صنعه أيضا. أما الثقافات الأخرى (ولا أقول الراقية؛ لأن كل ثقافة هي راقية بحد ذاتها، وليس هناك ثقافات واطية، وهذا مبدأ قال به ليفي شتراوس وغيره من الأنثروبولوجيين، وهو مبدأ علمي موضوعي).. أقول إن الثقافات الأخرى مصابة أيضا بالنسقية وبعضها أخطر مما عندنا بكثير، ولكن لكل ثقافة نقادها ومفكروها، ونحن معنيون بثقافتنا، ومن أراد مثالا صارخا على نسقية الثقافة الأمريكية فله أن يستمع إلى جورج دبليو بوش وفيه من الأمثلة ما يزيد عن كل قياس.

* بتجاوز المرحلة السابقة من صراع الأيديولوجيات، ألا ترى أن المرحلة الحالية يمكن وصفها بمرحلة أدلجة الصراعات بمعنى البحث عن مرجعية فكرية أو ترتيب ما يشبه الفكر ليقف وراء مواقف المتصارعين..؟

- للأسف إنني مضطر أن أقول إن الأصل هو الصراع، وهذا الصراع يبحث له دوما عن مصطلح يرى أنه يشرف هذا الصراع ويسوقه ويجند له الأتباع، ويجري توظيف الأفكار السامية والمثل العليا في خطاب ترويجي يغطي الصراعات وينميها ويسميها بمسميات سرقت أصلا من قواميس الفضيلة والمبادئ وحولت إلى دفاتر المحرضين، هذا ملخص لتاريخ الصراع البشري كله، وفي زمن الاستعمار الأوروبي كانوا يقولون لجنودهم اذهبوا لنشر الحضارة في بلدان التخلف تماما مثلما جاء الجنود الأمريكيون لنشر الديمقراطية في العراق، وفي كل من المثالين تدمير وصراع، مع تسمية الصراع بمسميات راقية، ولك أن تتذكر معي قصيدة (أحد عشر كوكبا) لمحمود درويش حينما جاء الأوربيون البيض وقالوا للهنود الحمر: نبشركم بالحضارة، ونحن نعلم أنهم قد قدموا لهم بطانيات شتوية معطوبة بفيروس الجدري من أجل إفنائهم، وهذا أيضا ما نعرفه عن ديمقراطية إسرائيل حيث موت الأطفال وقطع الأشجار وسرقة التاريخ والثقافة، ويقولون عنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، إنه الصراع يا عزيزي وذئبية البشر، وهذا هو الأصل الحيواني حيث ترى في مملكة الحيوان أن حياة واحد لا تتم إلا بأكل الآخر.

* ما برأيك شكل الموقف الحضاري الذي ينبغي أن تقفه الأمة العربية الإسلامية من الآخر اليوم، هل هو موقف الانفتاح..؟ ما رأيك بدعوة الانفتاح على الآخر..؟

- أنا ليس لدي عقدة من الآخر، لا الآخر الخارجي، ولا الآخر الداخلي، إنها في رأيي معضلة سيكولوجية، تتعلق بالثقة بالنفس من جهة وبعدم تقدير الظروف من جهة أخرى، أقصد أن الداعي إلى عدم الانفتاح إنما يتصور - خطأ - أن الانغلاق الذاتي ممكن، وهذا غير صحيح عمليا، فمهما أغلقت الأبواب فإنها بالضرورة مفتوحة، وكل ما هنالك أنك توهم نفسك، وتظن أنك قد صنعت خيرا، بينما النار تمشي من تحت الرماد، لا مفر من مواجهة العصر والتفاعل معه، وهذا ليس خيارا، إنه حدث قسري، ينجح فيه من يتفهمه ويرسب فيه من يتوهم العكس.



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة