Culture Magazine Monday  16/04/2007 G Issue 195
فضاءات
الأثنين 28 ,ربيع الاول 1428   العدد  195
 

المجلس العراقيّ للثقافة
قاسم حول *

 

 

ينعقد في العاصمة الأردنية عمّان في شهر مارس من هذه السنة مؤتمر تأسيسي لإنشاء مجلس للثقافة في العراق. وهذا المجلس يأتي في وقت يهاجر فيها الكتاب والشعراء والفنانون بلادهم أو يغادرون مركز الحركة في العاصمة العراقية متوجهين نحو مدن الجنوب قابعين هناك قليلي الحركة والإنتاج؛ خوفاً من الاتهام بالتكفير وخسران حياتهم الإنسانية. وهذا المجلس هو مبادرة من شخص عارض نظام الدكتاتور العراقي، وقضى فترةً من حياته في اليونان، وبعدها في المملكة العربية السعودية، وكان كاتباً وفناناً، وهو السيد إبراهيم الزبيدي الذي يحاول بحرص أن يلمّ شمل المثقفين العراقيين وينقذ وضعهم من التدهور الحاصل بسبب تدهور الأوضاع السياسية بشكل مفتعل وغير طبيعي. وهي محاولة نادرة في ظرف ندرت فيه المبادرات.

واقع العراق الثقافي هو حقاً واقع مأساوي، والدخول في تفاصيله يجعل الأمر ما يشبه الخرافة؛ فليس من المعقول في بلد مثل العراق، بلد التمرد، خاصةً عند المثقفين، التمرد حتى على الذات؛ إذ يجنح فيه المثقفون اليوم إلى حالة من الخنوع والخوف والتوقف عن الإبداع والركون إلى الزوايا والمنتديات ذات الطابع الأصولي، والتي تعتبر الثقافة كفراً وإلحاداً. وتأتي دعوة السيد الزبيدي لتشكيل المجلس العراقي للثقافة في توقيت دقيق مع المحنة الحقيقية التي لم يأخذها أحد مأخذ الجدّ ومأخذ المسؤولية ومأخذ الحرص على تيار ذي أبعاد تأريخية تمتد إلى ما أكثر من سبعة آلاف عام أي تأريخ أول أسطورة دُوّنت بالكتابة المسمارية؛ أسطورة ذات بعد دراميّ بنيويّ في شكله وفي شخصياته وبلغة شعرية متفردة.

لنقرأ هذا المقطع من ملحمة كلكامش قبل أن نواصل الحديث عن المجلس العراقي للثقافة.

عندما كان كلكامش يبحث عن الخلود بعد موت صديقه أنكيدو؛ بعدما أصيب بالخوف من الفناء والموت فذهب على وجهه باحثاً عن الخلود، التقى (أتو - نبشتم) الذي قال له:

إن الموت قاس لا يرحم

متى بنينا بيتاً يقوم إلى الأبد؟

متى ختمنا عقداً يدوم إلى الأبد؟

وهل يقتسم الإخوة ميراثهم ليبقى إلى آخر الدهر؟

وهل تبقى البغضاء في الأرض إلى الأبد؟

وهل يرتفع النهر ويأتي بالفيضان على الدوام؟

والفراشة لا تكاد تخرج من شرنقتها فتبصر وجه الشمس حتى يحل أجلها.

ولم يكن دوام وخلود منذ القدم.

وما أعظم الشبه بين النائم والميت.

ألا تبدو عليهما هيئة الموت.

ومَن ذا الذي يستطيع أن يميّز بين العبد والسيد إذا جاء أجلهما.

إن شعباً ومثقفين هذا إرثهم وهذه لغتهم قبل أكثر من سبعة آلاف عام لا يمكن أن يكونوا بهذا التشرد وبهذا الخوف وبهذه الحيرة. وفي مثل هذا التشرد وهذا التشتت وهذا الخوف يتوقف المثقف العراقي بهذا الشكل أو ذاك عن الإبداع. سيقول البعض ربما أن ظروفاً كهذا تنتج إبداعاً متميزاً؛ فالمبدع لا يتوقف. كلا فهذه مسألة نسبية؛ فظروف الإبداع وأدوات تعبيره مختلفة، وهي تتباين بين الانزواء والظهور للعيان؛ الانزواء في كتابة قصيدة على ضوء شمعة، والظهور في تصوير مشهد في الشارع على ضوء بروجكتور. والإبداع يتباين أيضاً بين الإنتاج والتوزيع، وكلاهما يكملان العملية الإبداعية؛ فإبداع المنتج يلتقي مع إبداع المتلقي؛ فالانزواء يمكن في تصوير مشهد في سرية تامة، ولكن توزيع المنتوج يخضع للعيان؛ فالشمعة والكتابة يمكن أن تكمنا في حالة معاً في الانزواء، لكن البروجكتور والتوزيع لا يعيشان في زاوية الاختفاء. وهنا تأتي أهمية هذا الملتقى الذي سيكون في عمّان للفترة من 14 ? 16 من شهر مايو من هذا العام 2007 لإيجاد آلية تجمع النقيضين.

من أهداف هذا المجلس العراقي للثقافة:

* تعزيز الهوية الوطنية العراقية في إطار التنوع والتعدد الثقافي.

* تعميق الإحساس بالمواطنة العراقية، أرضاً وتأريخاً ومستقبلاً.

* التصدّي فكرياً للآثار السلبية التي تخلقها العولمة على الهوية الثقافية الوطنية.

وهذه النقطة الثالثة تشكل انتباهةً وهدفاً للمؤتمرين، وهي خط أحمر، وينبغي أن تكون في مسار الثقافة العراقية وتأسيس مرجعيتها الثقافية.

يأتي هنا تشكيل المجلس العراقي للثقافة ضرورة تأريخية، ولكن ما يجعل الحديث مشوباً باللمسة الحزينة هو أن مسودة البرنامج والنظام الداخلي تشير إلى (ويكون المركز الرئيسي للمجلس في الوقت الحاضر خارج العراق على أن ينتقل إلى بغداد عندما تسمح الظروف بذلك).

هذا التعبير بقدر ما هو واقعيّ وبراغماتيّ، لكنه يدعو إلى الحزن، حيث كنا نكتب هذا التعبير عندما كان العراق واقعاً تحت الاحتلال الدكتاتوري الذي لا يسمح بنسمة ولو صغيرة من الحرية تهب على مساحة الوطن. يعود التعبير ذاته اليوم للمثقفين العراقيين وهم يعقدون مؤتمرهم على وطنهم ويعيدون ذات التعبير الذي استعملناه عندما شكلنا في بيروت رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين، واستعمله الفلسطينيون عندما شكلوا اتحاد الكتاب الفلسطينيين؛ لأن بلدهم وبلدنا كانا تحت الاحتلال واليوم عاد الفلسطينيون إلى وطنهم (المستحيل)، وبقينا نحن خارج وطننا (الممكن!).

وإذا كانت لي من كلمة أقولها بصدد هذا التجمع أو ما يطلق عليه اليوم المرجعية فإن نجاح هذا المؤتمر يضع الحلم في خانة الممكن، وفشله - لا سمح الله - يضع الحلم في خانة المستحيل؛ لأن ثمة محاولات كثيرة بذلت لتشكيل تجمع ثقافي عراقي يستطيع أن يوحد فكرة الداخل والخارج ولا يفرق بينهما مثل ما يحاول البعض ذلك مدّعين أن ظروف المنفى أوجدت ثقافة عراقية مغتربة هي غير ثقافة الداخل العراقية الوطنية، وصارت فكرة الخارج موسومة بترف العيش وترف التعبير بعكس ثقافة الداخل المتسمة بشظف العيش وشظف التعبير. هذا المؤتمر مطالب بإلغاء فكرة ثقافة الداخل والخارج على مستوى الفصل الوطني للثقافة وإبقائها كناتج موضوعي فرضته ظروف المنفى وظروف السياسة الدكتاتورية وسياسة ما بعد سقوطها.

إن محنة العراقيين ومحنة الثقافة العراقية هي اليوم في اختبار فكرة (الإرادة) العراقية، وتتمثل هذه الإرادة في التحضير الدقيق لنجاح المؤتمر ووضع آلية واقعية تساهم في نهوض الثقافة العراقية وإخراج المثقف المنزوي في ركن بعيد من جنوب العراق؛ خوفاً من العاصمة التي ازدحمت بصنوف الإرهاب ومن كافة الاتجاهات والتسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان!

تحية للذين سيلتقون وتحية للذين يعدون العدة لهذا اللقاء..لا نريد بياناً مطولاً ولا ديباجة منمقة لا كلاسيكية ولا حداثوية، بل نطمح إلى كيان ثقافيّ مستقل وحرّ وديمقراطي يشكل بديلاً (مؤقتاً) عن الوطن نلجأ إليه في الملمّات ونؤسس من خلاله ذاكرتنا؛ حتى نعود إلى أوطاننا على عكازات أو بدونها؛ لنغادر المواقع المؤقتة نحو الموقع الدائم ونغادر الوطن (المستحيل) نحو الوطن الممكن.. نرى وطناً خالياً من الخوف والإرهاب قبل وبعد الاحتلال وقبل وبعد التحرير.

أشدّ على يدكم أخي إبراهيم وإخوتي في اللجنة التأسيسية.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

*سينمائي عراقي مقيم في هولندا


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة