الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 17th May,2004 العدد : 59

الأثنين 28 ,ربيع الاول 1425

في المنهجية.. لتأليف (كُتَيِّبٍ) ما
عبدالمحسن بن علي المطلق

أحمدُ ربِّي حمدَ الشاكرين أنْ هيَّئْتَ لنا من العلم وتيسير سُبُله ما نسألك به أن يسلكنا إلى رضوانك، ويبلِّغنا جنانك. وأُصلِّي وأُسلِّم على عبدك ورسولك المُؤيَّد بقواطع حُجَجك وبُرهانك.. وبعد:
اعْلَمْ حفظك الله بدءاً أن التأليف وإن غلب اليوم جمهرة من المُتحمِّسين من طُلاَّب العلم ليس بالأمر السهل، بل وليس مندوباً إليه في أولويات العمر؛ وذاك لما يعتري المرء في بواكير عمره.. فيجمع الشارد والوارد.. ك(حَاطِبِ لَيْلٍ).
إذ إن كلَّ ما يطَّلع عليه المرء (بداءً) يظنُّه منتهى العلم حوله.. والمورد الذي لم يُسبر غواره.. بعده! فيُصنِّف (عمداً) عليه.. واتِّكاءً إليه..!! فيقع هنا بين يدي الناقد والحاقد أو المادح، فيختلط عليه حينها الصادق من القادح.
فيخرج.. وبعد تجربة مريرة قد تُضَعْضِعُ من شرَّته.. وتُرْكِنُه إلى التسليم بجلمة معطيات.. تنفض نتاجه، مما يضطرُّه لغربلة كامل مؤلَّفه ويُعيد تكوينه.
ولهذا وهذا التنبيه إذا تقرَّر فإنه لا يُحمد هذا الفعل في مطلع العمر.. إلا إن كان (المؤلَّف) صغيراً.. يرمز به إلى بعض النقاط التي تبدو خللاً.. ليُصحِّحها،.. ثم ينهيه بقول مثلاً هذا ما رأيتُ، أو مما اطلعتُ، أو مما تحصَّل لي.. إلخ؛ ليُقدِّم بهذا (العُذْر) قبل العَذْل، وليوقف سيلاً قد ينهدر عليه من صالح النقد أو طالع المقت.
والتاليف بعدها لا يكون إلاَّ على ما يحتاجه المجتمع مما يجد فيه ما قد يحتاج به إلى إيضاح وشرح وتِبيان، يرصد به.. هذا (المُستجدّ) أي: ما له.. وما عليه.. وما موقف (عقيدته) منه إن كان مما يمَسُّ الدين والمعتقد وهكذا.
ثم.. ينتهي وهذا أمر مهم المؤلِّف الى بسط ما يضعه في مؤلَّفه من إيضاح عام، يدل به على ما خرج به في كتابه مما يفيد.. وأن ينبِّه به إلخ.
التأليف:
تقول: ألَّف فلان؛ بتشديد اللام وفتحها: أي جمع، من ائتلاف (اجتماع) على شيء ما. وتجد في بعض المصنَّفات قولهم: جمع فلان، وألَّف من التوليف والتآلف والمؤالفة، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } (63) سورة الأنفال. وهذا مُراد قولهم: (كتاب من تأليف فلان) أي جمعه.. وألَّف بين شواهده.. أو/ آلف بين فصوله وهكذا ونقيضها: (النفرة) والفرقة، وكذا من نقيضها العداوة {إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} صدق الله العظيم.
والتأليف في مادة ما.. هو مسؤولية المؤلف واختياراته.. صحيحها وعليلها، كذلك: إن فعله كما يُحمد على إحسانه به، فإنه يُذَمُّ على إساءته به، والعرب تقول: يداك أَوْكَتَا وفُوكَ نَفَخ:
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بيدك غير شيء
يسرُّك في (القيامة) أن تراه
ولهذا المسؤولية في الدنيا والآخرة تَبِعَاتٌ لا يقف الكاتب عند حدها في زمانه! بل قد يصل إلى عهود ما بقي كتابه بين يدي الخلق.. وذلك من قاعدة: (مَن سَنَّ حسنة.. ومَن سَنَّ سيِّئة.. إلخ) الحديث.. من هذا أتت مقولة الجاحظ:
من ألَّف فقد استُهْدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد استقذف!
فإنَّ كل مَن ينهل من الكتاب من علمي الدنيا والآخرة وبخاصة الآخرة فإنه يشاطر إحسان ما فيه من حسنٍ، وأيضاً يحمل ثقلاً (مع أثقالهم) على مقدار ما فيه من سُوء.
من هنا.. يأتي (ثقل) المسؤولية فيما يترك المرء من جليل عمله في (المؤلَّف)، سواء إحساناً (وهو فيها محمود)، وهو من الثلاثة الباقية بعد الموت (علم ينتفع به)، أو لا قدَّر الله إساءة (وهو.. عليها مذموم).. فلا يستخفنَّ أحدٌ هذا، أو يحمله غرور ما جمع.. على طرح ذلك.. بلا وزن.
المنهج:وبعدها.. أُقدِّم بين يدي أولى ذا المنحى عرض من تجربة كيف يضع المؤلف (الجامع) أو يصنف (كتيب).. أو (كتاب) يحمل به مجموع تجربته (في موضوع الكتاب).. وما جمعه (له).. و(عنه)، وكيف يُرتِّب ويُسلسل الطريقة التي من خلالها يُلَمْلِمُ أفكاره وشواهده فيرفدها بطريقة.. تسهل عليه، ويَأْنَس بنهاجها.. كي يسهل عليه بإذن الله تعالى طريقة تصنيفه.. وترتيب وجدولة هذا المؤلَّف.
أقول بعون الله: من خلال اتِّباع مرحلتين؛ الأولى سلك التالي:
1 تحديد الموضوع (.. وهذا يأتي ولادته أو غالباً من ترادف روئً حوله، وتجمع مجمل الفكرة عنه.. لديك).
2 محاولة جمع كل ما له صلة (به) من خلال مؤلَّفات مشابهة.. أو مما تسمع وتقرأ على مدًى ليس بالقصير.. ل(مادته).
3 وضع أولويات له، أو ركائز يعتمد عليها في ترتيبه، أو فصول.. (له).
4 تقييم مادته، أي: الشواهد التي جمعْتَ.. على مدى ما قرأْتَ على ركائزه أو فصوله.
5 البدء في تصنيف.. ثم ترتيب أولويات كل قسم أو (فصل) .. بشواهده.
ويساعدك في هذا حين ترتيبها أن تصنِّفها.. مثلاً تكتب عليها (أهم) (مهم) (عادي).. وبناءً على (التدرُّج..) تخرج من الطبعة (المراجعة) وهي تحمل جلَّ الشواهد، وهنا تُغربل تلك الشواهد.. من الحواشي والإضافات وما تكرر بعضها بطرق أو أساليب أو أدَّت نفس الغرض لتحذف ما تكرَّر أو ما دون مستوى إجمالي الشواهد.
6 محاولة.. التسلسل في ذكر (الشواهد)، أي الأولى فالأولى.. مثلاً: الآيات، فالأحاديث، ثم أقوال أهل العلم الثقة فأهل الاختصاص.. ثم الجُمل التي استحسنْتَها عند الاختيار وهكذا.
7 الانتقال للفصل الثاني.. والعمل.. كما سبق، وهكذا باقي الفصول.
8 المراجعة الأولى في الشواهد.. مع محاولة حسن الربط بين كل شاهدين، وملائمتهما مع بعضهما.
ولهذا؛ فإن عليه عندها أن يغربل شواهده، ويعيد تأهيل بعضها، ويُقدِّم ما هو أولى وأصح وأصوب من ناحية (النص) وقوَّته ومرجع سند مَن ذكره.. وهكذا، انظر نقطة (5). وهنا ملحظان بعد الافتتاح بالحمد لله وشكره، والصلاة والسلام على خاتم رسله:
الأول: وهو طريقة عرض (النص) الشاهد المراد الاستشهاد به، فإن هناك هداهم الله مَن يَبْتُر من النص ما يوافق مراده، أو يُحَوِّر به، وهذا من قلة الأمانة، أو مَن يأخذ بعضه فيعرضه بغير ما أراده صاحبه الأصلي وهذا للأسف فشا وإن كان بندرة.. لكنه مُؤَثِّر على المتلقي.. وعلى صاحب (النص).
الثاني: هناك مَن يظن أن المسألة فقط ب(القصِّ.. واللزق) أي ليس للمؤلف من جهد بظن القارئ سوى الجمع! وهذا إن كان ظاهرياً.. لكن ذاك من جهد المؤلف واجتهاده وحسن اختياره.
أيضاً العملية في الأصل كلها نقول: (وهذا العلم.. ومنهجه).. لكن (إضافة) مع ما يقوم به (الناقل) المؤلِّف من ترتيب وتفسير وتعليل وترجيح وقبول (نص).. وردِّ غيره وهكذا.. مما قد يُغَيِّب القارئ (غير المُنصف) جلَّ ذلك الجهد خلف مقولة (قص ولزق).
9 المراجعة الثانية: ويُحبَّذ لها أن تكون بعد مدة لا تقل عن شهرين.. وذلك لتُحْسِن التجرُّد.. من جمِّ الخواطر التي تزاحمت (زخماً) في عقلك، كي تستطيع أن تَزِنَ وتَقِيس بعد هذا (الانقطاع) صحة أو جودة الشاهد، وحسنه.. ومقام اختياره.
10 المراجعة ما قبل النهائية الناهية لمظهر الكتاب.. بعامة وبخاصة في الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم.. من مظانِّها.
11 العرض على أهل الاختصاص، ومَن يحسن به الظنُّ و(العلم) من الأقرباء، ومَن تثق بمحض نصحهم.. وأخذ ما يقولون بعين الاعتبار.. ولا يأخُذْك غرور الذات.. وعمق (الشاهد) الآخذ منك بالعجب أن تحذفه إن كان شيء من إجماعهم.. على عدم إيراده.. أو كان بنظر جلهم أنه غير ملائم.
12 كذا أخْذ ما استحسنْتَ من نصح واستشارة، وخاصة بالتقديم والتأخير.. والتصويب والحذف والإضافة.. (فلا خاب مَن استشار).
13 يُستحسن إن كان المؤلَّف من المواد العلمية الصرفة ذكر جملة من المراجع مما اعتمَدْتَ عليه؛ كي يُحسب لك حسنُها، وعلى أصحابها.. غيرُ ذلك.
المرحلة الثانية: وهي سند وداخلة في المرحلة الأولى:
1 قراءة جميع الأوراق (الشواهد) التي جمعت بتحقُّق.
2 وضع علامات على الشواهد.. مثلاً: إن كان الشاهد طويلاً.. وضع أقواس على ما تودُّ تشتق منه (الأثر) مُرادَك.
3 تحديد نوع الشاهد.. ولأيِّ فصل ينتمي بالكتاب ليسهل عليك مكان إيراده.
4 وضع الشواهد التي لم يُحدَّد نوع فصلها أو تلك التي تُحمل على أكثر من وجه في الأخير.. ليُعاد إليها في المراجعة ما قبل الأخيرة.. نقطة (10) مما تقدَّم.
5 إعادة صياغة كل فصل.. قدر المستطاع، مع ملاحظة شواهده.. وملائمتها مع بعضها.
6 إصدار نسخة (مطبوعة) كيما يسهل بإذن الله (بها) حسن المراجعة وحسن التركيز.. وبهذه المرحلة تأتي مقولة: (الصنعة عَوْرة.. حتى تكتمل).. وبعد:
فهناك نقاط مهمة يجب على المؤلف أخْذَها بعين التقدير:
1 أن يكون المؤلَّف إن كان للإيضاح والتنبيه صغيراً.. بحدود 30 صفحة؛ ليستطيع المُطالِع من جلسة واحده قراءته وأخْذُ مجمل الفائدة.
2 أن ينظر (الكاتب) الى أولويات المواضيع إن كان في البال أكثر من مادة تستحق الطرح.
3 أن يحاول الإجمال قدر الاستطاعة إذ إننا في زمن السرعة.. والإنترنت والاتصالات.. التي تَحُول القارئ غير المتخصص من الإكمال .
4 محاولة التأليف عما يهم.. (قدر الإمكان) بخاصة مما يجدُّ.. وهذا ما نطالعه مع تعدُّد الاختصاصات وتشعُّبها.
5 من المستحسن إن كان المُؤلِّف ناشئاً.. أو جديد الاسم على القارئ أن يُزكِّيه بمقدمة ممَّن لهم ثقل في المجتمع؛ كي ينال مؤلَّفه الحظوة بخاصة ممَّن تأنس بعلمهم وصحَّة استشارتهم.. كيما يُحبّر له بمقدمة أو بعض بسط تكون شفيعاً لكلّ من المؤلِّف والكتاب.
6 أن يعتمد على ما يُكتب بمراجع لها من الذيوع تُجبر القارئ على الاعتماد عما يهدفه بمؤلَّفه.. وكذا ذكرُ أصحابها؛ إذ إن غياب هذا مما قد يلبسه المؤلِّف على القارئ فينسبه له.. وهذا نوع من الالتباس الذي قد يُفضي لاتَّهام المؤلِّف بالسرقة.
7 النظر.. ثم النظر فيما يطرح من رأي جديد أن لا يكون بدعاً من القول غير الموثوق.. أو موثَّق بما يرتاح له القارئ.. فإن:
مَن أخلص النِّيَّات كان لقوله
وَقْعٌ وكان لفعله تأثيرُ
ختاماً.. إنَّ ما سبق نتكلم به التأليف العام، وليس المتخصص المبني على قواعد أهل العلم في الطرح والعرض، والترجيح والتأصيل، وما عليه من التزام في المنهج، أو إليه في العرض وطرق تأصيله.. وهكذا، فإن هذا منحًى آخر قد لا يسعفه مما تقدم إلا بالنزر اليسر مما تطرقت إليه من خطوات، ولذاك أهله القادرون على فرضه، ورفض ما سواه.. والله أعلم وأحكم.

الرياض www.mhsen82.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved