الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 17th May,2004 العدد : 59

الأثنين 28 ,ربيع الاول 1425

خيرية .. الإنسانة المبدعة
محمد بن عبدالرزاق القشعمي

فوجئت بمجلتنا الثقافية بعددها 56 ليوم الاثنين 7 من ربيع الأول 1425هـ وهي تفتح ملفاً للمبدعة الإنسانة خيرية السقاف بعنوان (خيرية السقاف.. (40 عاماً) من (لأجل ما هو آتٍ).
بالرغم من اتصالاتي المتكررة على مدير تحرير المجلة الثقافية الأستاذ إبراهيم التركي في مقر عمله لأشياء غير ذات بال.. وأعرف أنني أزعجه فكثيراً ما أريد أن أحدثه بها بمجرد أن أبدأ حديثي بها إلا ويتشعب الحديث وبتشعبه أنسى ما كنت أريد أن أحدثه به، فإذا أقفلت الهاتف اضطر أن أعاود الاتصال مرة أخرى لأذكره بما كنت هاتفته من أجله.
على أية حال ليست هذه مقدمة، بل هي مجرد توارد خواطر.
ذكرني فعلكم الجميل بهذه الإنسانة المربية الرائدة بسنوات مضت قبل أن أعرفها أو أعرف زوجها أستاذي وحبيبي أبو حيدر.
لأعود قليلاً إلى الوراء.. فقبل ثلاثين عاماً كنت ذاهباً إلى شاطئ العزيزية في الخبر وكنت حديث عهد بالزواج فقرأت خبر أن الأستاذ يحيى محمود بن جنيد قد رزق وحرمه الاستاذة خيرية السقاف ابنة أسمياها (إباء) فتمنيت أن أرزق بابنة لأسميها بهذا الاسم الجميل.
بعد سنوات قليلة كثر ترددي على الرياض بحكم عملي وتعرفت إلى الأستاذ يحيى محمود بن جنيد الساعاتي من خلال مجموعة أعضاء مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض في تشكيلته الثانية مع رئيسه أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ومعهم الأعضاء: صالح الصالح ومحمد الشويعر وسليمان الحماد وعبدالله السليمان.
وتعددت اللقاءات وتبادل الزيارات، وبعد عودتي للرياض كنت أزور الأستاذ أبا حيدر سواء في النادي الأدبي بعد انتقاله لجوار معهد الإدارة العامة. أو في دار الرفاعي للنشر والتوزيع عند ترؤسه لتحرير مجلة (عالم الكتب).
عملت بالقسم الأدبي بالشؤون الثقافية برعاية الشباب فاتصلت بالأستاذة خيرية السقاف لأعرض عليها المشاركة في تحكيم إحدى المسابقات الثقافية للشباب الأندية، وبالرغم من أن اتصالي الهاتفي معها لأول مرة إلا أنني أحسست بقربها للقلب وكأني أعرفها من زمن طويل.
اتصلت بها مرة أخرى وكان بمناسبة التحضير لحفل جائزة الدولة التقديرية للأدب، ووصل الحديث إلى دور المرأة في الأندية الأدبية، وكان قد صدر قرار بإيقاف مشاركة المرأة في هذا النشاط لأسباب ما حصل في أحد نشاطات نادي جدة الأدبي اعتقد أنه في عام 1404هـ إذ تهجم أحدهم على إحدى المشاركات من خلال القناة التلفزيونية واختلف الحضور في مناصرتهم للطرفين، فاحتجت ورفضت أن يكون هذا هو الحل وقالت: لن نسكت على هذا، بل سنرفع به لو استدعى الأمر للجهات العليا، فهذا حق انتزعته المرأة ولا يمكن أن تتنازل عنه.
اتصلت بها مرة أخرى لأبلغها بطلب الأستاذ الشاعر محمد العلي لتتوسط لابنته الطالبة في الكلية التي ترأسها أم حيدر فرحبت بهذا الاتصال.. وقالت إن طلبه اعتبره أمراً حتى لو كان فيه مخالفة سأحاول أن أحل الموضوع.
ومرت الأيام.. وانتقل عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية حيث حبيب الجميع الدكتور يحيى بن جنيد أبو حيدر وتعددت المناسبات التي يقيمها في منزله تكريماً لهذا الضيف القادم أو توديعاً لذاك. وكنا نتلذذ بأطايب الطعام التي كانت تشرف عليها أستاذتنا أم حيدر وأذكر من أهم الاتصالات الهاتفية معها عند سماعنا خبر وفاة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله وكنت أعزيها به وكانت تعدد صفات ومناقب هذا الرجل وتترحم عليه وأنه الذي رشحها لرئاسة القسم النسائي بالرياض.
وآخر مهاتفة لي معها قبل عدة أشهر وأنا أجمع الأسماء المستعارة للكتاب السعوديين، فقد اتصلت بها عدة مرات، وعندما لم أسمع صوتها بعثت لها برسالة هاتفية (فاكس) وسرعان ما اتصلت بي في اليوم التالي وأكرمتني بما لم أحلم به إذ كشفت عن الأسماء السبعة التي كانت تتخفى خلفها وكذا اختها وبعض صديقاتها. وباركت هذه الفكرة.
هل اعتبر كل هذا مقدمة لما أريد أن أقوله عن هذه الإنسانة الرائدة؟، لقد فوجئت وآسف لتكرار هذه الجملة ولكني عندما لم أجد أبا عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وأمين سيدو وعبدالله الماجد وعبدالرحمن المعمر وغيرهم الكثير هدأت قليلاً. وخف لومي لأبي يزن إذ سبق أن ذكر لي مجموعة من الأسماء سوف يفتح لهم ملفات في المجلة ولم تكن من بينهم الأستاذة خيرية..
سوف لن أكرر ما قاله عنها من شارك بهذا الملف وبالرغم من الاستشهاد ببعض الفقرات والذين يقارب عددهم الثلاثين مشاركاً ومشاركة وهذا العدد في اعتقادي لا يصل لمن سبقها وأنا متأكد أن هناك الكثير ممن يتمنى أن يشارك بهذه المناسبة الجميلة التي لا تتكرر فمثلها لا يتزلف له.. فمن الأعمال والخدمات الاجتماعية التطوعية التي تقدمها دون أن تنتظر جزاء ولا شكوراً، هل يكفي أن أشير إلى ما قاله عنها والدها أطال الله عمره عندما قال عنها: (خيرية في ذاتها عظيمة.. وفي التودد والمعاملة والعلم وأعجز في وصفها لأن الإنسانية والإبداع يسكنانها.. واختتم كلمته أو شهادته عنها بإعلان رضاه التام عنها. فهذه نعمة من الله فرضاء الوالدين من رضا الله). ويذكرني أبو حيدر زوجهافي شهادته عنها عندما قال: ( ... ثم هي من قبل ومن بعد عنصر نشط في خدمة الإنسان. لا تكل ولا تمل عن الشفاعة للآخرين ولا تتردد في رفع صوتها عندما تقف على قضية مظلوم ولا تتعب من البحث عن وسيلة لمساعدة محتاج أو تقديم النصح والمشورة لمن يقصدها. كل ذلك بتواضع جم وبعيد عن الإدعاء والضجيج).
هذا الجزء من شهادة الدكتور يحيى يذكرني فعلاً عندما كنت أزوره في مكتبه المتواضع بين أرفف المكتبة عند انتقالي للعمل معه إذ كان يقول بعد بعض المهاتفات إنه يكاد يقتصر عمله على التوسط لدى زوجته أم حيدر في قبول هذه وتلك من الطالبات اللاتي ينقصهن شيء من شروط القبول.
لقد كتب عنها الكثير بصدق وأمانة وسأضطر إلى الإشارة لبعض العبارات التي أكدت ما كنت مقتنعاً به فمثلاً:
يقول عبدالله الكثيري في شهادته: .. هي باختصار (إنسانة) بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهي (درة) هذا الزمن وكل زمن وهي أيضاً ملاك أكاديمي وملاك ثقافي قلَّ أن تجود الأيام بمثله.
إنها أستاذة أجيال وهي (شمعة) تحترق من أجل الآخرين!! إن الكلمات تعجز عن وصف بنت السقاف لم لا؟ وهي الأستاذة الكاتبة وأول مديرة تحرير من بنات حواء في بلادنا تتبوأ مكانها في (ترويسة) واحدة من كبريات الصحف السعودية...
وقال حمد القاضي: .. إن خيرية السقاف أخذت من اسمها واسم عائلتها نصيباً وافراً فهي خيرية في عطائها وأخلاقها والتزامها وهي جعلت لها (سقفاً) وضعته هدفاً أمامها ألا وهو أن تكون (كلمتها) إشعاع ضوء ينير الدرب ويهدي إلى البر...).
وناهد باشطح قالت عنها: (.. خيرية السقاف.. امرأة استطاعت أن تختصر الزمن في كلمة واحدة (العطاء بلا حدود).. وهي بلا شك اسم لا ينسى إذا ما تحدثنا عن مسيرة المرأة السعودية في الصحافة، فالجميع يعلم ريادتها في إدارة التحرير لكنني أجدها دوماً رائدة في الإنسانية والتعاطف مع الآخرين بقلب يتدفق عطاء..).
وقال عنها الدكتور عبدالله الغذامي: (.. أرانا مدينين لخيرية بدين عميق جزاء ما صنعته في ثقافتنا من رمزية عبر زمن من الفعل والإبداع والتأثير المستمر وجزاء مصداقيتها التي لا تتراجع. هذا نموذج رفيع في أخلاقيات العمل والثقافة وفي سيمياء الإبداع.. تلك هي خيرية السقاف ما وضعت يدها على فلم إلا وصار يشع بالنور وما دغدغت كلمة إلا وصارت تطير سابحة في الآفاق كأنما هي حمامة سلام ورسالة خير إنساني فياض, وما اطلقت خيرية من نبرة في قاعة الدرس إلا وصارت جذوة توقد نار العلم وتصنع العقول في عز الزهور حتى لتصير البنات بعد درسها معهن كاتبات وعاشقات للكتاب والكلمة وعلامات تكشف عن مصدر الإلهام والترميز..).
وقال عنها الدكتور سلطان القحطاني: (.. إن الدكتورة خيرية السقاف مدرسة تستحق منا كل التقدير والاحترام ولها أن تقدر في كل مكان تأتي إليه تتمتع بأخلاق العالم الباحث عن الحقيقة في كل مكان...).
ومعالي الأستاذ عبدالعزيز السالم يقول عنها: (... وكاتبتنا العزيزة يلمس قارئها أنها تصدر فيما تكتب عن إحساس يلامس أعماقها, ويتفجر من عاطفتها، ويعبر عن روحها. وهي بهذه المؤهلات الذاتية جديرة بكل تقدير..).
والدكتورة هيا المنيع والتي خلفتها بعد أكثر من ربع قرن كمديرة للتحرير ورئيسة للقسم النسائي بجريدة الرياض تقول عنها: (.. والأكيد أنها تمثل على مستوى الوطن رمزاً نسائياً في أكثر من مجال فهي تمثل ريادة في المجال الثقافي والصحفي كما تمثل ريادة في المجال الأكاديمي والعلمي، ناهيك عن المساحة الواسعة، حين تكتب خيرية فإنها تحلق مع قارئها نحو أفق آخر وتأخذه للبعد الآخر أو البعد الرابع وذلك مهارة وقوة لا يملكها كل الكتاب, بل إنها تميز بعضهم عن الآخر..).
وللدكتور عبدالعزيز السبيل شهادة قال فيها: (.. أربعة عقود من الإنجاز الأكاديمي والإبداعي والإداري والصحفي ولا يزال العطاء متواصلاً حين الحديث عن خيرية السقاف يشعر المرء أنه أمام شخصيات متعددة، شاء الله أن تجتمع في فرد..).
والفنانة التشكيلية هدى العمر تقول عن أستاذتها: (.. خيرية هي الصرح الفكري والثقافي الإبداعي, هي المربية الفاضلة لعديد وعديد من بنات هذا الوطن والتي بقيادتها الرائدة الثرية بالعطاء استطاعت ان تمنحهن ما تملكه من ثقافة فجعلتهن سيدات كاتبات وشاعرات وأديبات نفخر بهن وبثقافتهن جميعاً التي منحتها لهن بتشجيعها ودعمها الذي لا يتوقف..).
والأديب الشاعر سعد البواردي قال عنها: (د. خيرية السقاف صوت حياة هادي، اختارت له أن يتحرك تحت سقف من التأملات المشبعة بالصور الجميلة تقترب من الواقع دون أن تصطدم به.. ودون أن تتجاوزه.. ثقافة الحرف لديها أمانة فكر.. وخطاب حب.. نلمس في كلماتها دفء العاطفة دون اختراق.. ومحاذير عاصفة دون اختراق.. عنوان واحد من عناوينها اصطفيته.. فيض من لحظة تأمل.. فيه الدلالة الكافية على وعاء أدبياته وما يحتويه من شرائح تأملية ذات نكهة ومذاق إنساني يمثل وجبة شهية نحن في حاجة إليها لإمتاع الفكر.. وإشباع الرغبة العقلانية..).
وتذكر غادة عبدالله الخضير أنها (.. امرأة تملك دائرة الألوان.. فترسم بدقة وعمق..).
والدكتور إبراهيم العواجي (.. ماذا يمكنني أن أقول عن خيرية السقاف, هذي الإنسانة الكبيرة بقامتها الثقافية والتربية بسمو أخلاقها وقدرتها على التواصل الدائم مع الناس..).
وحتى اضطر لختام هذه الإطلالة السريعة على شهادات محبي (أم حيدر) وأشهد أنني لم أوف هذه الباقة المعتادة حقها.. إلا أنني مضطر لقطف جزء مما قالته عنها (تذكار الخثلان) فقد قالت عنها: (.. وهي أيضاً الإنسانة التي تركت وراءها ذكرى عطرة في جامعة الملك سعود وهذه الذكرى بها أصالة العطاء ورهافة التواضع فقد قيل لي: إن الطالبات ومن فرط تواضعها كن لا يعرفن أنها العميدة التي تترأس الجامعة فهي (جامعة في جامعة) وهذا التواضع الحقيقي وهذه الأمومة الحانية التي تتميز بها خيرية السقاف جعلها تلعب دور الأم التي تتولى الجميع بحنانها وعطائها وإنكارها لذاتها في سبيل أن تزرع الابتسامة مشرقة على أحد ما..).
وأخيراً لقد كانت هذه الباقة الجميلة واللفتة الحانية من مجلتنا الثقافية التي فاجأتنا بها بلا مقدمات أو جعجعة لهي أجمل هدية تقدم لأفضل إنسانة قدمت الكثير لوطنها مضحية براحتها ومنكرة ذاتها فلها بحق كل الشكر والتقدير والعرفان. وبمثل هذا فليكرم العاملون المخلصون في حياتهم وبكامل قدرتهم على العطاء والبذل ليكون وسام تقدير لهم وحافزاً لغيرهم.. وفق الله العاملين المخلصين..
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved