الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 17th May,2004 العدد : 59

الأثنين 28 ,ربيع الاول 1425

قصة قصيرة
الطائر المبرقع
علي بن محمد الحبردي
شاهدته قادما من وراء زجاج المكتب يطفح وجهه بالبشر وإشراقة السعادة، هكذا هو، كلما كسب مكسبا كبيرا علت محياه البشاشة والسرور، هكذا عرفته رجلا يستمتع بالكسب، ويعده انتصارا وفوزا كلما تكلل جهده بالنجاح ارتسمت على ملامحه تلك العلامات الواضحة التي يعرفها أصحابه.
منذ أكثر من أسبوعين اختفى، تغيب فجأة فانشغل بالي عليه، وكنت أنوي محادثته بالهاتف، وعندما جاء سررت بقدومه، وسألته عن سبب غيابه كل هذه الأيام فقال:
ياصاحبي.. قد حدثت مفاجأة لا تتصورها؟
فازددت تشوقاً لاكتشاف سبب غياب صديقي العزيز!!، وقلت بتلهف:
أخبرني ماذا حدث؟ قال:
ياصاحبي.. في ذلك اليوم الذي خرجت فيه من عندك، بعد صلاة الظهر عدت إلى منزلي، وفي الحديقة شاهدت شيئا هالني!!، رأيت صقرا بني اللون يحط على غصن الشجرة المجاورة للسور، فتسللت إلى الداخل وأخذت دسا كنت أحتفظ به عندما يعن لي العمل في حديقة منزلي، وأدخلت يدي فيه وبخفة الصياد الماهر، وبهدوء خطوت نحو الشجرة التي يحط عليها طائر الصقر، ومن خلال الظل تسلقت الجذع كالثعبان، وأمسكت بالصقر الذي لم يقاوم بل استسلم، وأتيت به إلى داخل منزلي ووضعته في قفص الببغاء التي نفقت منذ مدة، وذهبت من فوري إلى محلات بيع أدوات القنص واشتريت له برقعاً جميلاً وسبوقا من الجلد الثمنين، واشتريت لي دسا وملواحا ووكرا مرصعا بالقمور، فبادرت بوضع البرقع على عينيه والسبق في رجليه، وركزت الوكر على أرض الحديقة المجاورة لنافذة المجلس، والصقر مستسلم بكل هدوء، وصرت أطعمه من اللحم الطري، وأنزع البرقع عن عينيه في كل صباح ومساء، وكل ما أردت أن أعلفه نزعت البرقع، ثم أعيده على عينيه من جديد بلطف وخفة يد الصقار، وصرت أناديه باسم سميته إياه.. وألف ذلك الاسم.. فقاطعته قائلاً:
هل عرفت من أي نوع من الصقور؟
قال والابتسامة تشع من محياه:
_ أبداً ولكنني على ثقة بأنه من
أجود أنواع الصقور جميعا..
ثم استدرك وهو يلتفت نحوي بكل بدنه قائلاً:
ولكن لماذا لا تأتي معي لتشاهده بنفسك؟
فوافقته وانطلقت معه إلى منزله العامر الجميل الذي يقع في أرقى حي في مدينتنا، فتح باب الحديد المشغول والمذهب الحواف، وسار أمامي سير المنتصر وهو يقول:
تفضل.. أشهد أن هذا الطائر كله خير وبركة، الذي أدخلك منزلنا!!
كنت متحمسا لرؤية ذلك الصقر النادر الذي تم اصطياده بمثل تلك السهولة العجيبة، مما أفقدني الاستمتاع بمشاهدة الحديقة الجميلة لمنزل صاحبي، دخلنا ومن نافذة المجلس شاهدت الطائر في الحديقة الخلفية، فلم تتبين لي ملامحه فخرجنا من المجلس إلى الحديقة لنقترب أكثر من الطائر المبرقع، فوق الوكر المرصع بالقمور الذهبية اللون، وحين وقع بصري عليه من الخلف بذيله المسنن والمنخفض من الوسط، وسيقانه الدقيقة التي تميل إلى اللون الرمادي المصفر، طلبت من صديقي أن ينزع البرقع عن عيني الطائر، وعندما نزع البرقع اتضحت الصورة، وتبين المخبوء، فطلبت من صديقي أن يطلق ذلك الطائر وقلت له: إن طائرك ليس صقرا للأسف إنه حدأة، انظر إلى ذيله المسنن والمنخفض في الوسط، وانظر إلى الحلقتين الصفراوين حول العينين، والمنقار الأصفر والريش المنتفش حول العنق القصير، والمخالب الصفراء الضعيفة إنه حدأة تسمى (الخطاف)، ولا يعلم أحد بأنك أمسكت بهذه الحدأة القذرة التي تصطاد الخفافيش والخنافس، وتسقط على الجيف، واغسل يديك منها، فربما تكون مريضة، فاستشاط صاحبي غضباً، وتفوه بكلام شديد اللهجة يوضح لي فيه عدم معرفتي بالطيور عموما، وطلب مني مغادرة المنزل بعد أن اتهمني بالغيرة والحسد، لعدم امتلاكي لصقر مثل صقره النادر, وبعد ذلك انقطعت علاقتي بصاحب الحدأة (الخطاف).
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
المنتدى
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved