Culture Magazine Monday  07/01/2008 G Issue 228
فضاءات
الأثنين 29 ,ذو الحجة 1428   العدد  228
 
الصمت بوصفه ثقافة
منيرة المبدّل

 

 

تتحول بعض التصرفات السلوكية - التي وجدت بوجود الإنسان -، وما تحمله من دلالات مع مرور الزمن إلى تراكمات وترسبات لا تعلو أن تشكل ثقافة تتشعب وتتعمق عبر الأجيال، ويُعرف بها الإنسان - الفرد أو الجماعة.

كما هو شأن بعض الآراء والأهواء الشخصية، عندما تتحول بمرور الوقت إلى (أيديولوجيا) كما رأى ذلك (د. عز الدين إسماعيل) في كتابه (آفاق معرفية..) والصمت نقيض الكلام، سلوك إنساني يعبر عن موقف ما، كالخوف والجبن وأحياناً الحيادية أو الرفض أو التأييد.. وفي موروث الحكمة قديماً، قيل: ( إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، حيث تترادف كلمتا الصمت والسكوت في المرجعية المعجمية.

ومثل هذا الموروث يعزز مكانة الصمت بوصفه سلوكاً حكيماً في دائرة الأخلاق الإنسانية. وفي العرف الاجتماعي، يقترب الصمت من المرأة، فيبدو أكثر التصاقاً بطبيعتها، التي تعاف البوح عن مكنونات ذاتها وأسرار حياتها الخاصة، وتحديداً تلك التي تقترب من عواطفها ورغباتها!

ولعل أقرب مثال يرتسم في مخيلتنا، صمت الفتاة في حالة القبول عند سؤالها عن رأيها في الزواج، الذي يحمل دلالة توارثتها الذاكرة العربية.

وثقافة الصمت بوجهيه السلبي والإيجابي، تشكلت من الموروثات القولية والفعلية التي سرت في ذاكرتنا، وحالة الغلو والتطرف أحياناً التي صاحبت عملية الأخذ والتسليم بها من غير مناقشة لبعض مفاهيمها المغلوطة، يضاف إلى ذلك، التربية القمعية الممارسة من قبل البعض على أبنائهم، ومصادرة حق التعبير عن الرأي - الذي هو من أبسط حقوقهم - وانعدام لغة الحوار فيما بينهم!

لكن ما يهمنا ونحن بصدد تناول هذه القضية؛ هو اتجاه الصمت نحو السلب، ودلالته الموحية بالضعف والكبت وقلة الحيلة!

ومثل هذه الدلالات متفشية بصور متباينة، وبمعدل أعلى في المجتمع النسائي، ونأخذ مثالاً من المضمار الأدبي كصمت قلم المرأة طويلاً، وهي صورة ملحة من صور الصمت المطبق الذي مارسته في تاريخها.. فلم تكتب عن همومها وقضاياها وأحلامها ومعاناتها إلا بعد مرور فترة زمنية انتقالية، تحول فيها التوجس والخوف من البوح والكلام إلى جسارة وجرأة، ممارسة نوعا من كسر القاعدة التي حرمتها شيئا من حقها في إثبات الذات أولا ثم الحق الأدبي والإبداعي ثانيا!

ولعل الكاتبة فرجينيا وولف في كتابها (غرفة تخص المرء وحده)، أبرز من كتب حول كتابة المرأة، والإشكاليات التي تثار حولها، خاصة عندما رأت أن استخدام القلم من قبل المرأة يهدد السلام العائلي!

إلا أن خروج المرأة من بوتقة الصمت أخيراً إلى ساحة البوح، يعد طوراً مهماً من تطور ثقافة الصمت السلب، كان له تداعياته وتبعاته.

والصمت في الكتابة النسائية، بمعنى ممارسته داخل النصوص كحوار داخلي بين شخصيات القصص، ما هو إلا نوع من معافة البوح الذي يبرز من خلال الحوار الخارجي واللجوء إلى الحوار الداخلي (المونولوج). كما أن الصمت كمفردة، تلحظ كثيراً في النصوص المكتوبة بأنامل أنثوية!

وقد تعمد الكاتبة أحياناً إلى النقط كفواصل تركيبية في نصها، وفي ذلك دلالات كثيرة، فبالرغم من الأبعاد البصرية في تشكيل النص إلا أنها في الأصل ممارسة خفية لصمت حقيقي انطلق من داخل الذات الكاتبة.

وعلى صعيد الطرح الموضوعي، نجحت المرأة - في تصوري - في تخطي أمر الصمت الأدبي، من خلال استخدام الرمز وتوظيف الموروث وتقنيات أخرى، أسهمت في منح هذه الثقافة التي تأصلت عبر الأجيال منحاً آخر، وخصوصاً عند الحديث عن طرق باب المحظور الموضوعي ومقص الرقيب والخطوط الحمراء للكتابة! بل إن مشاركة المرأة الرجل في صنع الثقافة العامة، وتفعيل دورها في الحراك الثقافي أسهم في تحولات مهمة في الصمت بوصفه ثقافة، من خلال الكلمة المنطوقة والمكتوبة عندما اعتلت المنابر الثقافية واحتلت الزوايا الصحفية.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل ستتحول ثقافة الصمت خاصة عند المرأة أدبياً وثقافياً إلى ثقافة بوح؟!

نسائم بوح:

كانت صامتة..

ظلت كما هي!

كان صمتها موقفاً.. لكنهم طالبوها بالكلام؟!

وعندما نطقت

.

.

بادلوها بالصمت؟!

muneera@almubaddal.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة