Culture Magazine Monday  10/11/2008 G Issue 260
أفق
الأثنين 12 ,ذو القعدة 1429   العدد  260
 
قصة قصيرة
رأس لا يتدلى
جار الله العميم

 

 

المرة الأخيرة!

الباب يطرق بحذلقة، كنت أشك بوجود أي جسد هنا، على الأقل في مكمني المخبوء فوق الأسرة، لا أعرف ما الذي يدعو أعواد الكبريت إلى الاشتعال، على الرغم من أن الأجواء الحارة لا تمضغ الصوف!

وكأن الباب الذي يطرق الآن يغمض عينه اليمنى ويتخاشب بالأخرى، منتصباً لا حراك سوى الجدار الذي يركل ظلي عندما أنفث سيجارة!

ها هي الأدخنة المبتورة، صلصال من القرى، تصطدم بالحيز، في كل معتركٍ قد تستفرغ زاوية، لا أدري!

أظن أن الهاتف النقال الآن يرن، مجرد رنة واحدة، أضحك بخبث وأتجاهل!!

هي المرة الأولى التي أرى فيها بعوضة، تطير بمنطقتي، تقترب إليّ، تظن أنني منتظرها منذ زمن، لا أعرف ما الذي يعني لها الموت عندما أرفع حذائي هكذا!

أو لمَ لأدعها تغرق في عالمي، سأتركها الآن، ككل البعوض في هذا الكون الجميل، بعوض يجبرك أن ترفع حذاءك في وجهه، ومع هذا تجده يبتسم!

أقف، مع كل خطوة التي تليها أجدني، لم أزل!

يتيماً مع كل ضوء ينبعث من ذاكرتي، أقلب أوراقي، أبحث عن أشيائي المرصوصة في أدراج موتي، أصفف وجوهي الكثيرة، أتأكد أن أقنعتي نظيفة، كمثل الذي ينحت من أنفه!

موجعون من المطر أو بالأحرى موجوع، وألوح وفي يدي القوس، أريد أن أصوب القزح في نهار أعزل، لا يراني أحد إلا الشمس!

وثمة غيمة تنتعل حزنها بعيداً عن الأريكة، تقضم الفصفص كالعادة ولا تبالي، وأحياناً تقرأ روايات مترجمة، خاصة عندما يختبئ المطر تحت مظلة!

أقصد عمود إنارة يتوسدني بالغرفة.

تمر الشاحنات من أمامي، تختلط جل العوادم بأكسيدي، تختنق كل صفحة، وتخرج الحروف مسرعة، إلى ملجأ غير آمن، مهددة أن تكون في لحظة ما مجرد رفات، تنتحب الفواصل، تذر الرماد في وجه نقطة في آخر السطر، تحاول أن تتفاداها بعلامة تعجب كبيرة جداً، لا مناص من سخرية حرف الكاف واللام الموبوء بالنفاق، حتى أن هذه النون لازالت عالقة بحمام دافئ، تغتسل من سطور موحشة، وتصلي من أجل نقطتها الوحيدة!

وأنا أردد من الطارق، كأي رجل مندس في ساعته المثقوبة، ويكتشف أن الدقائق قد هاجرت، أخذت ثوانيها إكراهاً، من دون أي سبب يذكر وعادت!!

من الطارق.

افتح الباب بأسناني، لا أعرف من أين سرقتُ هذه الفكرة، المهم أنني لم أر أحداً، سوى أنني وقفت مذهولاً، من علَّم أسناني كل هذا النخر في وجه الخشب، ليس مهماً!

فما زلت واقفاً بالخارج..

أغلقت الباب إيماناً مني أني عدت إلى مكاني، بدأت بالتلصص عليّ من على ثقب صغير، كم أبدو شاحباً في نظر الآخرين، يا ترى لماذا لم يخبروني بذلك، أراقبني وأنا أتمشى بالغرفة، أصطدم بالزوايا ثم أعود مجدداً، كأنني أبحث عن رأس لا أعرفه!.

وأنا أربت على كتفي، ما الذي تفعله هنا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة