Culture Magazine Monday  10/11/2008 G Issue 260
تشكيل
الأثنين 12 ,ذو القعدة 1429   العدد  260
 

من الحقيبة التشكيلية
بين الرسم الواقعي والحداثة
الفن التشكيلي يعيش جهل المقتني في الداخل وتجاهل التسويق في الخارج

 

 

إعداد - محمد المنيف:

الراصد والمتابع لحركة تطور الفنون التشكيلية السعودية يستطيع أن يكتشف ما يتمتع به الفنانون من قدرة على المنافسة واللحاق بركب من سبقوهم على المستوى العربي والعالمي وفي مدة قصيرة تمازجت خلالها الطاقات وتوحدت لتشكل مركبة صلبة اخترقت الزمن وحققت النجاح ابتداء من الدعم الكبير من الدولة ممثلاً في ما قدمته الرئاسة العامة لرعاية الشباب المؤسس والداعم الأول للفنون التشكيلية يتبعها الدور الجديد لوزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الشئون الثقافية التي ساهمت في إنشاء جمعية مستقلة للفنانين التشكيليين، هذا كله يصب في نهر واحد يمثل خلاصة أسباب التفوق الكبير لهذا الفن وفنانيه ليصل إلى العالم.

هذا الواقع التشكيلي مر بالعديد من المراحل واستطاع أن ينمو في بيئة صلبة لا يمكن أن تتقبل إلا ما يتلاءم معها ويتوافق مع ما اعتادت عليه يمثلها مجتمع لا يرى في هذا الفن إلا انه وسيلة ترفيه ومع ذلك استطاع الفنانون أن يثبتوا قيمة إبداعهم ويلفتون نظر مجتمعهم إلى ما يحظى به هذا الفن على المستوى العالمي فكسبوا بذلك بعضاً من قناعة ذلك المجتمع.

كيف يرى المجتمع الفنون التشكيلية

لن نخجل أو نخفي الحقيقة المتمثلة في جهل غالبية المجتمع بالفنون التشكيلية كون هذا الجهل ليس وقفاً على مجتمع بعينه لكن الأمر يتعلق بخروج تلك المجتمعات من حيز الجهل إلى مساحة المعرفة والتعامل مع كل ما هو جميل يحمل مضامين وفكراً جمالياً يلامس الجوانب التي يجهلون وجودها في حياتهم لتصبح الحياة أكثر إشراقاً.

ومن المؤسف ألا نجد في مناهجنا التعليمية خصوصا المتعلقة بتثقيف المجتمع أي موضوع يعين على الارتقاء بالذائقة ولفت النظر لإبداعات الفنانين بينما نجدها مواد رسمية في مناهج الآخرين تختص بالنقد الفني وتذوق كل ما هو جميل من الفنون الإنسانية كالموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية التي لا يرى مجتمعنا في الأخيرة منها أي عيب ومع ذلك لا تجد سبيلاً للتعريف بها، واعني بذلك أن يكون ضمن مواضيع القراءة أو الإنشاء ما يكشف الإبداعات التي عانى المختصون في الآثار لإظهارها ونقلها للمتاحف وصولا إلى ما يتحقق لهذه الفنون المتوارثة من تطور في عصرنا الحالي، من هنا يمكن التوصل إلى كيفية تثقيف المجتمعات والخروج بهم من الأمية الجمالية إلى عالم الجمال الذي أنعم الله به على البشرية بمختلف الصور السمعية منها والبصرية.

شخبطة.. وتهريج

يقال عن أي عمل يجهل المشاهد أبعاده الجمالية والإنسانية شخبطة او تهريج كون هذا المشاهد لا يقبل إلا ما يعرفه المطابق للواقع مع أن ما يراه بتلك الصفة يشكل وسيلة تعبير لا تختلف عن الكلمة التي يتم بها تركيب جملة وإبداع عبارة، إلا أن ما يتوقعون انه شخبطة يبقى لغة مجهولة صعبة القراءة، ونحن هنا لا يمكن أن نطالب الجميع بالثقافة البصرية، فالأذواق تختلف والرؤى أيضا تتعدد والثقافة والوعي يقل من شخص لآخر، لكن ما نشعر بالأسف تجاهه أن من لا يعي معناها لا يكلف نفسه البحث والدخول إلى هذا العالم مهما كان مستوى المنفذ له أو المبدع فيه ابتداء من إبداعات تلميذ في المرحلة الابتدائية التي يعتبر المختصون في سيكيلوجية رسوم الأطفال أنها السن الأكثر صدقا بين الطفل وأدواته الفنية ومع ما يرسمه ويعبر عنه دون محاذير أو شعور بأن عليه رقيب بشري لثقته بان ما يقوم به حق منحه الله له، أو أن يرى تلك الأعمال لفنان خاض التجارب وتعمق في بحثه وتقصيه بحثا عن أسلوب وطريقة تعبير جديدة تتماشى مع العصر الذي يعيش فيه فيقابل بالنظرة القاصرة والتندر، هذه النظرة كانت أحد العوائق في فترة مضت بين تقدم الفنان وبين إبداعه إلا أنها بدأت تنحسر في الآونة الأخيرة بعد أن اخذ الفنانون على عاتقهم تحمل توعية الجمهور وفرض الجديد وتحمل الوقت والفترة الزمنية التي يمكن من خلالها تحقيق بعض من ذلك الوعي, وأصبحنا نشاهد النقلات السريعة والتجديد في الأساليب ومتابعة جديد العالم في هذا المضمار مع تمسك الفنانين بملامح تراث وطنهم كونه مصدر إلهامهم والموثق لهويتهم العربية والإسلامية، فواجه هؤلاء الفنانون ما كانت توصف به هذه الفنون الحديثة بالشخبطة أو العبث بالإنتاج والعرض والمنافسة به عالميا ليضعوا المشاهد أو المتابع المحلي أمام الأمر الواقع، وكان للفنانين أن حققوا الكثير من النتائج في وقت قصير.

النخبة والجديد في الفن

النخبة هنا نعني بهم ممتلكي الثقافة البصرية والمطلعين على الفنون ومحبي اقتنائها أو مشاهدتها والحريصين على زيارة المعارض الذين يعون أهمية العمل الفني كثروة وطنية مع أنهم قلة مقارنة بأعداد الفنانين وكثافة الإنتاج الذي يمنح لهم حرية الاختيار ومع ذلك لا نجد حضورهم كثيرا أو ملفتا للنظر في الكثير من المعارض استطعنا أن نتعرف من بعضهم على بعض الأسباب مشيرين إلى ان ما يقدم من تجارب حتى الآن لا زالت في طور البحث إلا من نماذج معينة لا يحتاج المقتني إلى انتظار إقامتهم معارض لأعمالهم فالتواصل بين المقتنين وبينهم قائم. إلى هنا يمكن أن نستشف أن هناك فجوة عميقة بين الفنانين وبين الجمهور الذي اشرنا إلى تقسيمه بالعامة وبالنخبة أو المقتنين وإمكانية ردمها يحتاج إلى فترات طويلة يتحمل التشكيليون العبء الأكبر والتحمل والصبر وتقديم المستوى الذي يحقق لهم إقناع الآخرين كما أن هناك سبلاً كثيرة لطرح قضايا تثقيف المجتمع بهذه الفنون, مع قناعتنا انه لا يمكن التأثير على الذائقة بل بوضع سبل تقريب المفاهيم ووضع قواسم مشتركة ينطلق منها المشاهد لمعرفة الفارق بين العمل التسجيلي أو الفوتوغرافي المعتمد على نقل الواقع وبين الفكرة والتجديد في الطرح بناء على اتساع مساحة وأفق الفنان واكتشافه لسبل التعبير واختزال العناصر وبسترتها.

تسويق الفن السعودي

هذا التفاوت بين الفئتين في المجتمع العامة والمثقفة كادت أن تضع هذا الفن في دوامة الاختيار الصعب بين التوقف عند حدود الأعمال التسجيلية الواقعية التي يفهمها ويقتنيها العامة وبين الجديد الذي يراه البعض خارجا عن المألوف ولا يتلقاه إلا العارفين له وهم القلة، لكن الأمر الذي يدفعنا للتساؤل ويبحث الفنانون عن إجابات عليه هو كيفية الخروج من مأزق جهل المقتني في الداخل وتجاهل التسويق في الخارج مع أن الأخيرة هي أكثر ما يبحث عنه الفنانون ولتكن قاعات العرض في دولة الإمارات العربية أقرب مثال على تجاهل المنتج السعودي بينما تتقبل مختلف الأعمال الفنية العربية التي لا تختلف أو تزيد عن كثير من أعمال الفنانين السعوديين، إضافة إلى ما يشاهد ويسمع عن بيع أعمال لفنانين آخرين من العراق وسوريا ولبنان في قاعة عرض عربية في دول أوروبية أغلبها في لندن، هذا التجاهل ليس لتدني مستوى الفن هنا أو لعدم تحقيق الفنانين السعوديين ما يوازي ما يقدم من أعمال لغيرهم ولكن لكون من يديرها من تلك الدول التي تسوق أعمال فنانيها تدفع أصحاب أسباب كثيرة من أبرزها جانب التعاطف مع ابن البلد وهذا أمر لا يمكن الاختلاف عليه أو العتب منه لكن الأمر يعني أننا لن نسوق أعمالنا الفنية خارج حدود الوطن إلا من خلال قاعات يمتلكها قطاع خاص سعودي وهذه هي الحقيقة وهو المطلب الذي نأمل تحقيقه من قبل قاعات سعودية أصبحت بمستوى علمي لكنها لم تجاوز من سبقوها حتى الآن ولا زلنا ننتظر ما يمكن أن تقدمه عالميا نتيجة سمعتها وأهميتها والأدوار التي قامت بها محليا؛ منها مؤسسة المنصورية ومؤسسة الفن النقي وقاليري حوار.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة