Culture Magazine Monday  11/02/2008 G Issue 233
فضاءات
الأثنين 4 ,صفر 1429   العدد  233
 

صورة العرب في السينما الأمريكية
بعد عصر الاستشراق «1»
د. سلطان سعد القحطاني

 

 

منذ أن بدأ مشروع الاستشراق المنظم، في عصر النهضة الأوروبية، والأنظار تتجه إلى البلاد العربية، بعد الهزيمة الصليبية، وانتصار صلاح الدين الذي بقي المسلمون يتغنون به على مدى خمسة قرون يزداد فيها الجهل يوماً بعد يوم، وأوربا تعد لهم العدة، كمخطط لغزو هذه البلاد، فالغرب لا يستطيع أن يعيش بدون الشرق، لأسباب أولها فكري، وثانيها اقتصادي، وكل المحاور تدور حول الاقتصادي، وقد عبر الكثير من الشعراء والأدباء والباحثين عن هذه المأساة في ذلك الوقت، (1) وكيف لها أن تغزو هذه البلاد أو تلك إذا لم تهيئ الظروف للغزو!!، وبصرف النظر عما يدور حول العامل الديني للمسلمين، وحقد بعض المستشرقين على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ورسالته التي نزعت المصالح الكنسية من أيدي القساوسة والإقطاعيين باسم الدين، وتزعزعت الثقة في هذه الفئة بظهور بوادر الحداثة الأوروبية على أيدي التنويريين والطبقات العاملة... وغيرها، بدأ الاتجاه إلى المغامرة وارتياد المجهول واكتشافه لخدمة البلاد التي أرسلت هذا أو ذاك من المبشرين أو الرحالة الغربيين، وموافاة تلك الجهات بالتقارير والخرائط، عن الطرق والمياه والمسافات والقبائل والمدن القريبة والبعيدة....؛ وهذا تمهيد لما هو أكبر من ذلك، فالحياة العامة لسكان هذه البلاد وتلك محور وهدف الرحالة المستشرقين، فالدراسات الأنثروبولوجية من أهم ما يقوم به المستشرق لمعرفة أحوال هذه البلاد أو تلك، ولا بد له أن يكون ملماً - ولو بشيء من اللغة والثقافة، وبناء عليه تدرس هذه الفئة وتصنف في مكانها المناسب من الحملات التي ستقودها هذه الدولة أو تلك إلى هذا البلد؛ ومن باب التسهيل لتلك الحملات اختار المستشرقون عيناتهم من الطبقات الضعيفة الجاهلة، وفي ذلك الوقت الذي تعاقبت البعثات الاستشراقية على البلاد العربية ساعد الرحالة انتشارُ الجهلِ والمرض والتخلف بوجه عام ، وممارسات العادات السخيفة التي لا تمت إلى العروبة والإسلام بأي صلة، فسجلوا تلك الممارسات، من دينية واجتماعية وثقافية في تقاريرهم اليومية، وكتبهم، فتلقفها المغرضون والجاهلون بثقافة تلك الأمم والشعوب، ونشروها في الثقافة المرئية واسعة الانتشار (السينما) ثم التلفزة، وأيدت هذه الفكرة- فيما بعد- بعض الكتابات العربية، التي سنعرض لها في هذه الدراسة، وزاد عليها بعض المنتجين ما يتوافق مع أيديولوجيته وما يخدم توجهاته السياسية والاقتصادية؛ كما سنعرض في هذه الدراسة إلى بعض الممارسات القديمة التي يمارسها بعض المستفيدين منها على حساب حقوق الإنسان العالمية في زمن تغيرت فيه الكثير من المفاهيم في زمن العولمة، بصرف النظر عن الثوابت الدينية والاجتماعية، كمكون ثقافي لم يجد من يوضح صورته للعالم المهيمن على قدرات العالم الآخر.

واتخذ الاستشراق أهدافاً عدة، منها: السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والديني....، وانقسم المستشرقون إلى فئات علمية، منهم من يجيد اللغة العربية، ومنهم من لا يجيدها، ومنهم من يعتمد على المترجمين، ومنهم من له دراية بالجغرافيا والتاريخ والعادات العربية، ومنهم من يجهل كل ذلك؛ وفي كل الحالات كانوا ينقلون ما تيسر لهم من علم وثقافة (عامة وخاصة)، و كان البعض منهم قد تعمد تشويه الصورة العربية أمام المتلقي الغربي وأمام بعض المسلمين من غير العرب، لغرض في نفسه ومشروع يريد تحقيقه، وقد نجح فيه ، كما وظف اللعب على إحياء العصبيات العرقية والدينية والمذهبية، بقصد الخدمة الخاصة، فقام بعزل الشعوب الإسلامية عن العرب المسلمين، واستطاع إقناعهم بأن العروبة شيء والإسلام شيء آخر، وأنهم يحملون ثقافة خاصة تختلف عن ثقافة العرب المسلمين، (2)، وقد ينقل البعض منهم من مشاهداته صوراً وعبارات خاطئة في حق بعض الناس، فالمستشرقون الرحالة، نقلوا الكثير من العادات والعبارات التي لم يعد لها وجود، نذكر من أولئك على سبيل المثال، لا الحصر، بوركهارت، وجولد زيهر، وسنوك هور خرونيه..وغيرهم كثير، ولم نجد لهذه الدعاوى أثراً بعد أن تأكدنا من أهل هذه المنطقة أو تلك وبعض القبائل المحاذية لهم في شمال الجزيرة والحجاز (3)، وكذلك اقتدى به بعض الباحثين من العرب المسيحيين، على أن لهم أدب يختلف عن أدب العرب المسلمين، على أن أدب هؤلاء الشعراء كان أدباً نصرانياً قبل الإسلام (4)، وعلى هذا الكتاب الكثير من التحفظ، من حيث المنهج العلمي، فأغلب الشعراء الذين أوردهم لم يكونوا على الديانة النصرانية قبل الإسلام، هذا من جانب، ومن جانب آخر، يعتبر الحديث عن الشعراء قبل الإسلام حديث لا يتفق مع العقل، فمن كان منهم على دين قبل الإسلام أصبح على الدين الجديد، الذي نسخ الدين القديم ليُدخل مفرداته في صلبه، ومنهم من بقي على دينه، مثل الأخطل، ولن نستطيع التفصيل في هذا الموضوع أكثر مما ذكرنا، لأن منهج هذا البحث خاص بالصورة العربية في الغرب بعد عصر الاستشراق، وعلينا الآن أن ندخل في فروع الاستشراق وأهدافه، بشيء من الاختصار، لأهميتها بالنسبة لما سنتحدث عنه من صور نقلها المستشرقون، وأضاف إليها الباحثون والصحافيون الكثير من المستجدات والكثير من التزوير، وتلقفها المنتجون؛ وسنتحدث عنها في الحلقة القادمة.

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة