Culture Magazine Monday  19/05/2008 G Issue 248
نصوص
الأثنين 14 ,جمادى الاولى 1429   العدد  248
 
مطالعات : عبدالحفيظ الشمري
محمد الحمد يقول لها: (سلي الماء عني):
في الديوان خطابات وجدانية تفتح باب الأمل

 

 

الشاعر محمد عبد الرحمن الحمد وبعد توقف عن النشر الشعري ها هو يرتب الأوراق لينضد أبعاد البوح الوجدانيش الحميم في ديوانه الجديد (سلي الماء عني) حيث يأتي العنوان مكاشفة استفهامية أولى تذكِّرنا بصورة الشعر الخالد، حينما وقف طرفة بن العبد، أو امرؤ القيس وعنترة ليقرؤوا فاتحة الدهشة. سؤال إلى ذلك المخلوق العجيب.. المرأة التي لم يكف الشعراء عن تمثُّلها كنهر خالد من المتناقضات الوجدانية.

فالحمد في ديوانه (سلي الماء عني) يرسل خطاباً استفهامياً تصغيرياً مركباً يقصد فيه فتح نافذة أخرى للسؤال كيقين بحجم توقه، وأمانيه ولواعجه إلى أن يجد إجابة شافية كافية في هذا الخطاب الإنساني المعبِّر.

قصائد الديوان تراوح بين التوسط والقصر، حيث نرى الشاعر الحمد وقد عني كثيراً بخطاب أنسنة الشعر الذي يبحث دائماً عن الفضيلة، والذوق الرفيع والطهر وما إلى تلك الانثيالات الوجدانية الرائعة التي تضمنها الديوان على نحو القصيدة الفاتحة (فرار ليل وتقاسيم عطر) لتأتي هذه الرائية محملة بإرهاصات أولى لرحلة الشاعر الحمد في تضاعيف الشعر الذي وسمه على هذا النحو:

هو الشعر ينبوع المحبة إن دنا

له الود فَزَّ الحرف من أصل الصخر

غزيراً وإن ضن المدى بسحابه

سيهمي نقيا ذات صحو من البدر

(الديوان ص 10)

للشاعر محمد الحمد رغبة في قراءة التاريخ على نحو ما ورد في قصيدته (عروس البدر) وفي عنوان إفصاحي صغير على هيئة إهداء: (إلى البحرين.. البحر والناس) فهو الذي يجمع محار التاريخ وأخبية الماضي مذكِّراً أن هناك من يهدهد الخليج كطفل يحاول أن يغفو على متن الماء..

القصيدة تحمل شعوراً جميلاً، وفاتناً يشي بأن الشاعر الحمد قد التقط المفردة الأولى لخطاب الإنسان الذي يكتنز الذكرى عن (خولة) (وأطلالها) على لسان فتاها (طرفة بن العبد) حينما يقف المد منتشياً على حدود الخليج خجلاً أمام (خضرة جنائن النخيل) لنرى الشاعر وقد عني كثيراً بهذا الاستثمار الوجداني الرائع للموقف التاريخي الذي تستنهضه القصيدة في ديوان (سلي الماء عني) وكأنه تعالُّق بين رغبة الشاعر في مد جسور وده بين الشعر وماء الخليج الذي يضوع دفئاً وحناناً على أهله فليس أجمل من أن تسأل الحياة عما يبهجنا.

ديوان (سلي الماء عني) رحلة جميلة وشيقة يُطوِّف فيها (الحمد) مرامي الذكريات، ليحن إلى عيد غارب في الماضي الجميل، أو إلى مطر يعيد تلك البهجة الطفولية، لكن الشاعر لا يلبث إلا ويقدم لنا إرهاصات زمن راهن، حيث يصف لنا الدخان، والعطش، والشكوى، والأوجاع، وهي عناوين قصائد حملت ضوع الشعر المعبأ بألم الراهن، فلم يشأ الشاعر أن يكون حالماً لأنه سرعان ما عاد يعد القصائد الأولى إلى تذكير القارئ بأن الأمة هي الآن في مراحل فواجعها البكر، وقضاياها العميقة وهمومها الآخذة بالتعاظم فلم يعد هناك عنوان أكثر ملاءمة مما طرحه الشاعر الحمد في ديوانه.

في القصائد الأخيرة من ديوان (سلي الماء عني) تلويحة أخرى للفأل، واستدراج للأمل، وسلوة عن منغصات كبيرة، ومثبطات كثيرة.. ليطالع القارئ قصيدة (الفجر) في الديوان وهي تناجز مرحلة انبلاج الضياء الذي قد يعيد الأمل بقرب الشفاء من أسقام تعصف بالأمة على نحو ما تمثل الحمد في ثنايا القصيدة:

(فراشتي

الفجر موعد الندى

وحمأة الضحى وعيد

الفجر سيد

الوجود

لا تسلبيني نشوة

الفنجان..

فكذب الخيال صادق الوعود..) (الديوان ص 94)

فالشاعر الحمد يلملم أوراق بوحه في نهاية الديوان معتمداً على هذا الكم الهائل من نشوة الأمل بشعر يراه حرياً بكشف المخبوء من سقم الراهن الإنساني المتمادي في وحشته وانكساره ليحاول ما وسعه الفأل شعراً أن يسكب غير القصائد على حقول الذات المجدبة.. فلعلها تورق نبتة الحياة في الوجدان.. فهو حلم الشاعر الحمد وغاية نهجه ومنهجه.. فقد أبدع بشكل واضح ليقدم لنا هذه الإضمامة الشعرية العابقة بود الفأل الذي لا يملك الشاعر سواه في هذا اليأس المطبق.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

إشارة:

- سلي الماء عني (شعر)

- محمد عبد الرحمن الحمد

- دار الكنوز الأدبية - بيروت - 2008م

- يقع الديوان في نحو (112 صفحة) من القطع المتوسط

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة