Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
أفق
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 

 

مقاربة.... عبدالحفيظ الشمري
مها بنت حليم (في قبضة المجرى) شعراً:
للديوان رسائل وإيماءات نحو الإنسان ووعيه

 

 

القصيدة الفاتحة في ديوان (في قبضة المجرى) للشاعرة مها بنت حليم جاءت ايماءات لمشهدية حزن تعالج فيه الشاعرة بعض جراحها، إذ لم يعد الهجس هو الوحيد الباقي في قاموس حياتنا، إنما بات للظلمة التي نخشاها عدة وجوه ترمي الخلائق في حنقها السادر:

(الظلمة تقذف وجوهها

في عيني،

قبل أن أتنفسك..

تغيب..)

لكن الحزن لم يكن هو كل ما تخشاه المرأة، إنما بات شقاؤها في الرجل الذي لم يعد مدركاً لحقيقة أن الأنثى تعيش على شفير هاوية الوجد، لحظة أن تستشعر الشاعرة (مها) الحقيقة التي تأتي عادة مواربة، أو على هيئة هذه الإيماءة التي تواردت في نصها الأول منبئة عن هاجس حزن طازج كالخبز اليومي.

في قصيدة (يجهلون الضياء) تعالق وجودي بين الضوء والصوت، وأيهما يسبق الآخر في مناحة الإنسان المواظبة على همها الأعزل، فالقصيدة محملة على مفصلي (هي) المرأة و(هم) الجمعية للرجال والنساء حينما يناوئون كل ما ترنو إليه من أحلام، لكن سرعان ما تسم هذه الطموحات وكأنها عالم من خيال عالٍ لا يصل إلى الواقع.

الشاعرة تعيش عزلتها الهائلة، تلك التي تجد فيها سلوة عن منغصات الصدام الدائم بينها وبين مجتمع لا يقر بأهلية حلمها، وبحقيقة ما تسعى إليه من طموحات مشروعة لبناء علاقة إنسانية مميزة.

(في قبضة المجرى) ديوان شعري رشيق في حضوره، شيِّق في عرضه، إلا أن أبرز ما يمكن أن يركن إليه هو الاقتضاب في بناء المفردة الشعرية التي تذهب إلى الهدف مباشرة على نحو ما ورد في قصيدة (أشجارك هزمت الزمن) حينما اقتضبت الشاعرة مها في رسم العلاقة بينها وبين من حولها بشكل مناسب يعكس حرصها الشديد على الإيجاز.

فالمطلب المهم من الشعراء عموماً في هذا الأوان المتسارع أن يكونوا أكثر اقتضاباً في تقديم ما لديهم، لأن الزمن الآن بات متوامضاً لا يطيق الإطناب أو الإطالة على نحو تلك القصائد المترهلة في حضورها الكمي الهائل.. ديوان الشاعرة (مها) يعد إضمامه من النصوص المتوامضة بلا تكلف، أو إغراق في الوصفيات، والتشابك اللفظي حتى أن كل قصيدة من قصائد هذا الديوان تأتي وكنها مقطع من قصيدة متكاملة تذهب نحو الحياة التي يجدر بنا أن نتعالق معها في مضامين البحث عن إجابات ممكنة لأسئلة الشاعرة المتسمة دائماً بالشعور القلق لمآل الحياة الآن.

(مها بنت حليم) تذهب دائماً في ديوانها الجديد إلى إذكاء لحظة التوق إلى الضِّياء حينما نرى أن الآخر لا تعنيه تحولات الزمن حتى وإن كان سرمدياً وأعوجاً.. فلا أدل من ذلك سوى قصيدتها (رداء العبارة لا يستر!!) فالمضمون الخفي يذكرنا وعلى نحو موارب وإلماحي أن التزين بعطر الكلمات قد لا يكون مناسباً، أو مفضياً إلى حقيقة ما، فالزمن الآن زمن فعل فض لا معنى للكلمات فيه حتى وإن كانت شعراً رقيقاً على نحو قصائدها المعبئة بعطر الفأل:

(النور لا ما نراه..

بل ما نشعر به..

لا أراك..

لا أشعر بك..)

(الديوان ص34)

لغة الديوان لا تخرج عن مشاهد النقد اللاذع للممارسات المؤذية، تلك التي تقيم جدلية الواقع المر، في وقت تجهد فيه الشاعرة من خلال قاموسها الشعري لاستنباط صور أكثر فألاً، ووعود أكبر مساحة لكي تورق الحياة بوعد ممكن يحقق للذات البسيطة أغلى ما تريده، ذلك المتمثل في رغبة الخلوص من منغصات كثيرة.

تدرك الشاعرة مها بنت حليم أن الزمن جدير بأن يُكاشَف، وأن نقف معه على شفى الحقيقة من أجل أن تكون العلاقة الإنسانية بيننا وبين الشعر هي الحد الفاصل في رحلة البحث عن الذات في غمار تحولات مادية كثيرة طغت على عالمنا، على نحو ما أومأت له الشاعرة في قصيدتها (في الفقد) حينما تساوقت في أمداء التلقي تلك البرهة القوية واللاعجة لمآل العلاقة التي باتت سدفاً وحجباً لا نقوى تجاوزها:

(جدران الدنيا

تحول بيننا

لكنني أراك وتراني

أحادثك وتحادثني)

(الديوان ص46)

فالإشارة هنا عامرة بألم وعي حاد، وبرؤية جادة تسقط قيم التردي والخذلان، ليظل الزمن هو المعوِّل الوحيد على بقاء شرعية الحلم الممكن بقرب برئنا من منغصات كثيرة لا تجد الشاعرة غضاضة في ذكرها، إنما تظل هذه المقاطع الشعرية يقيناً في واقع الحياة التي لم تعد هي الآن بل أضحت أشد اقتساماً ويأساً لكن لا مانع من أن نزرع بذور التفاؤل في مساحات وعينا، فهو الأنجع على حد ما ذهبت إليه الشاعرة في هذه التفاصيل الرقيقة عن رحلة الحب في نهر الحياة.

****

إشارة:

* في قبضة المجرى (ديوان)

* مها بنت حليم

* دار الساقي - بيروت- 2008م

* يقع الديوان في نحو (100 صفحة) من القطع المتوسط

* تصميم الغلاف للفنانة (ماريا شعيب).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة