Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
سرد
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 
قصة قصيرة
أحاديث مسائية
عبدالعزيز الصقعبي

 

 

أحمد الله أنني لم أكن وحيداً ذلك المساء.. كنت برفقة أحد الأصدقاء.. اتجهنا إلى مقهى يطل على شارع التحلية.. كان يقود سيارة يابانية الصنع اشتراها حديثاً بالتقسيط المريح كما كان دائماً يردد.. عبرنا شارع العليا.. صوت محمد عبده عبر مسجل السيارة يرافقنا.. كان يحبه كثيراً.. لذا فنحن لا نتحدث كثيراً عندما أركب سيارته هذه.. دخلنا شارع التحلية متجهين شرقاً.. ركن السيارة في موقف متاح..

- سنقابل هذا المساء بعض زملاء العمل!

أعجب به ولقدرته على اكتساب الأصدقاء بسرعة غريبة.. عكسي تماماً.. حيث لم يمضِ على مباشرته لعمله الجديد أكثر من أسبوع.

وصلنا إلى المقهى.. على طاولة تقبع في ركن المقهى على الرصيف كان يجلس ثلاثة أشخاص.. اتجه إليهم.. استقبلوه بترحيب وابتسامات عريضة.. قدمني لهم قائلاً.. هذا أعز الأصدقاء لي.. عرفني بأسمائهم.. يا لقدرته على حفظ الأسماء.. عكسي تماماً.. بدأنا نتحدث عن أمور مختلفة.. انخفاض الأسهم المفاجئ.. تفجيرات بغداد.. كيف تغني أحلام وهي في أشهرها الأخيرة من الحمل.. ترقية أحد زملائه ومشروع وليمة منتظرة.. مشروع سفر للبحرين.. دورات الحاسب الآلي.. السيارات الأمريكية وشراء إحداها بالتأجير المنتهي بالتملك.. أنواع السراميك الفاخر والفرق بينه وبين البورسلان.. جسر الخليج والاختناقات المرورية.. فوز الاتحاد ببطولة الدوري.. الأحذية المناسبة للمشي.. آخر نكتة مرسلة بالجوال.. الشاي المغربي.. البريد الإلكتروني والفيروسات.. اللبنانيين ونكت هيفاء وهبي.. آخر الملفات المرسلة عبر البلوتوث.

خمسة كنا.. نحتسي الشاي والقهوة.. نشرب العصير.. نتحدث.. نمارس في مساء الرياض متعة الهروب من نسق الحياة الكئيب.

خمسة كنا.. بملامح واحدة.. وهمم واحدة.. وتطلعات واحدة.. كل واحد منا يتناول موضوعاً.. قد يقوله أي واحد منا في أي وقت.. ربما كان صديقي هو الأفضل.. لأن لديه القدرة على اكتساب الأصدقاء وتذكر كل اسم.. عكسي تماماً.. ويحب كثيراً أن يستمع لأغاني محمد عبده وبالذات عندما يقود سيارته.. ربما هذه الـ(تماماً) بدأت تتغير عندما التقينا مع أصدقائه الثلاثة، بدأ يتحول شيئاً فشيئاً إلى شيء يشبهني.. وكذلك أصدقاؤه الثلاثة.. شعرت بأنني محاط بمجموعة من المرايا تعكس صورتي من أكثر من اتجاه.. أصواتهم بدأت تتحد في صوت واحد.. أصبح الصوت هو صوتي الذي يتسم بالهدوء وشيء من الخشونة.

خمسة كنا بملامح واحدة وصوت واحد.. نتحدث ونشرب شاياً بالنعناع.. ونحتفل بمساء الرياض بإهدار وقت للحديث عن كل شيء إلا نحن.

بدأت أتساءل كيف أغادر هذا المقهى.. وأنا خمسة أشخاص في وقت واحد.. هل سنتجه جميعاً إلى بيتي.. هل سنركب في سيارة صديقي الذي أصبح هو أنا وأنا هو.. طلبت من عامل آسيوي بلغة إنجليزية ركيكة ماءً.. أحضر لكل واحد منا الخمسة قنينة ما.. شربت الماء بسرعة. وقررت أن أغادر المقهى.. أردت أن أستأذن بالذهاب.. بحثت عن صديقي.. اختلط عليَّ الأمر فلم أعرف أي واحد من الأربعة صديقي.. قررت أن أتجه إلى سيارته بعد أن قلت (حقيقة فرصة سعيدة.. وإلى اللقاء).. لم أنتظر ردهم غادرت المقهى إلى حيث تقبع السيارة.. لم أجدها.. عدت لأبحث عن ذلك الصديق.. لم أجد الأربعة بحثت عن العامل الآسيوي لأساله عنهم وجدت أن هنالك أكثر من عامل في ذلك المقهى يحملون نفس الملامح.. بدأت أجر قدمي متجهاً إلى الطاولة التي كنا نجلس عليها وجدت خمسة أشخاص يحملون ملامحي وقفت بالقرب منهم سمعتهم يتحدثون عن.. انخفاض الأسهم المفاجئ.. تفجيرات بغداد.. كيف تغني أحلام وهي في أشهرها الأخيرة من الحمل.. ترقية أحد الزملاء ومشروع وليمة منتظرة.. مشروع سفر للبحرين.. دورات الحاسب الآلي.. السيارات الأمريكية وشراء إحداها بالتأجير المنتهي بالتملك.. أنواع السراميك الفاخر والفرق بينه وبين البورسلان.. جسر الخليج والاختناقات المرورية.. فوز الاتحاد ببطولة الدوري.. الأحذية المناسبة للمشي.. آخر نكتة مرسلة بالجوال.. الشاي المغربي.. البريد الإلكتروني والفيروسات.. اللبنانيين ونكت هيفاء وهبي.. آخر الملفات المرسلة عبر البلوتوث.

أردت أن أصرخ.. رأيت أكثر من شخص يقف مثلي تماماً يحاول أن يصرخ.. بدأت أعدو.. هربت من مقاهي شارع التحلية.. شعرت بأن الجميع مثلي يبحثون عن آخرين.. دخلت في شارع فرعي في حي العليا.. وجدت فيلا صغيرة بابها موارب.. فتحت الباب ودخلت.. كانت الإضاءة خافتة فلم أتمكن من رؤية من يجلس في الفناء.. وجدت نفسي أتجه إلى الداخل.. البيت ربما بيتي أو بيت أحد يشبهني.. أو أنني أشبه صاحب ذلك البيت فلم يستغرب أحد وجودي.. اتجهت إلى غرفة النوم.. كانت هنالك امرأة شعرت بأنها كانت تنتظرني.. أردت أن أسالها عني.. بادرتني بقولها (هكذا أنتم أيها الرجال كل مساء تقضونه في إهدار الوقت أَليس لنا حقوق.. أَلا نستحق أن تجلسوا معنا.. كنت أستمع إليها وهي تتحدث وفي الوقت ذاته أطل من نافذة غرفة النوم لأستمع إلى أصوات مشابهة لصوت تلك المرأة التي أشعر بأنها زوجتي.. نساء يتحدثن نفس الحديث.. بدأت أردد في قرارة نفسي (أحمد الله بأنني لأم أكن وحيداً ذلك المساء).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة