Culture Magazine Monday  21/04/2008 G Issue 244
مداخلات
الأثنين 15 ,ربيع الثاني 1429   العدد  244
 
رداً على المعيقل:
لا يمكن حرق المراحل بين ليلة وضحاها

 

 

-1-

يعوزني كثير من الحب كي أجنح إلى وصف ما بيننا من ود.

ويعوزني كثير من الأمل كي تطل هذه الحروف من فضاء الوضوح.

ويعوزني من جانب آخر، كثير من التفاؤل كي لا تغضب كلماتي أو تقع في شرك التأويل المبتعد.

هكذا يتسنى لي بداءة أن أعطي الحقيقة وجهها الأمثل، فالصديق الدكتور عبدالله المعيقل أتحفني بمقالة، لم أخطب ود دلالاتها، ولم أقف على عتبات عباراتها، إلا مغتبطاً تارة بأصدائها المتسائلة، والمتشائلة تارة أخرى بسبب ما تحملته من تفسير.

ويطيب لي ها هنا أن اسمي مقالة الدكتور المعيقل بالنبل قبل أن تترى بشكل لا واع ربما في سجل العتاب.

-2-

ركز الدكتور المعيقل في مقالته المنشورة بالعدد (240) من الثقافية 24 مارس 2008م على عدة مسائل أثرتها في مقالتي التي كانت بالأصل رداً على مقالة الأستاذة سهام القحطاني حول مدى استفادة الثقافة السعودية من المثقف الوافد، ووسمها المثقفين الوافدين بمصطلح يثير الاشمئزاز، حيث وصفتهم ب(العمالة الثقافية).

المسائل التي أثارها الدكتور المعيقل بإيجاز تتمثّل في أن الأحكام التي أصدرها لا يمكن أن تندرج أو تستند على منهج علمي، وأن كلامي فيه من التناقض والتباين ما هو ظاهر، وأن في كلامي (فوقية)، كما أنني أومئ إلى أن الثقافة السعودية ما زالت ثقافة محافظة، وهي ما زالت أسيرة التقليد والمحافظة، هذه أبرز المسائل التي طرحها الدكتور المعيقل، فضلاً عن بعض الآراء الأخرى سأتناولها تباعاً وبإيجاز، مقرراً في البدء أن ما أذكره من آراء تأتي من خلال متابعة دائمة لحركة الإبداع والثقافة ما يتمثّل التفرغ شبه الدائم، ومن خلال قراءات مستمرة في النصوص الأدبية والنقدية، فضلاً عن أنني أحرص كثيراً على أن تكون المنهجية والموضوعية هي سمة ما أكتبه دائماً، كما أنني أحرص كثيراً على عدم تعميم الظواهر، فهناك بلا ريب استثناءات، وتجارب أخرى مختلفة.

-3-

يعرف الصديق الدكتور عبدالله المعيقل أنني منذ مجيئي إلى المملكة للعمل، لم أستتر ولم أتقنع، ولم أكتب سوى بوجه واحد هو وجه الحقيقة. وهو الأمر الذي سبب لي متاعب كثيرة، لكن كل شيء يهون في سبيل الإبداع، وجمالية الفن.

في ظل هذا الوعي سأتحدث بقسط من الصراحة، فالثقافة السعودية الراهنة خطت خطوات كبيرة، كماً وكيفاً، في سياقها المحلي، وأصبحت على مدرج السؤال، والبحث النشط، وقراءة الظواهر المختلفة، والمثقف السعودي بات مثقفاً نهماً للمعرفة، بل هو من أبرز المثقفين اطلاعاً ومتابعة على ما يجد من معرفة، وما يصدر من كتب وكتابات، مع ذلك فإن ثمة مأزقاً يواجه هذا المثقف يتجلى - على الأغلب - في عدم تمثله لنتاج هذه المعرفة في كتاباته، بسبب من تحفظات يضعها هو بنفسه، وبسبب من تحفظات اجتماعية وغير اجتماعية تقف حائلاً حيال حيوية الفكر، وتطلعات العقل. من هنا فإن المثقف لا يصبح مثقفاً عضوياً بالضرورة، بل يتماهي مع السياق المحلي، اصطلاحاً، ونظرية، ورؤية، ولا يسعى للتغيير أو للتأثير، وهذا المأزق في رأيي يعطل فعالية البحث والتجريب، ويقف حائلاً تلقاء التحولات الثقافية الكبرى، ومنظومة الإبداع المتحول.

لذا ستظل التغييرات تلامس القشور فحسب لا الجواهر، وستظل التحولات مجرد تحولات خادعة بسيطة، تتبدل فيها كراسي الأنواع الأدبية فحسب، لأن الرؤية الثقافية القارئة لم تتغيّر أمام الشعر أو القصة القصيرة، واليوم أمام الرواية، بله أمام الفن التشكيلي، والسينما، والمسرح. وعلى ما يبدو أن المسألة تحتاج لوقت طويل لأنه في المجال الفكري والثقافي والفني لا يمكن حرق المراحل هكذا دفعة واحدة أو بين ليلة وضحاها.. خاصة وأن التحولات المرحلية ترتبط، بحركة الرأي العام، بالمجتمع نفسه، لأن ثمة علاقة مصيرية بين الطرفين: المبدع والقارئ العام.

وحين أذكر أن ثمة قضايا ومفاهيم تم تجاوزها في بلداننا التي جئنا منها لبلدنا الثاني الذي نعتز بمكانته، وتاريخه، وثقافته، التي نتمثلها جميعاً في تاريخنا البعيد والقريب، فإنني أشير إلى مفاهيم مثل: الليبرالية، الفن والحرية، جماليات ما بعد ما بعد الحداثة، كتابة الهامش، كتابة الجسد، حرية المرأة، وهي مفاهيم تم تداولها في مصر مثلاً منذ بدايات القرن العشرين الميلادي وحتى أواخره، فالليبرالية المصرية مثلا بدأت مبكراً، الفن الأوبرالي، الموسيقى، المسرح، السينما، الفن التشكيلي، القضايا الفكرية والفقهية المفتوحة تماماً على مختلف الأفكار، وقد صاحب هذه البدايات التي تجلت في النصف الأول من القرن العشرين مفاهيم: الفن والحرية، خاصة لدى السورياليين والرومانسيين المصريين، عند جماعتي: الفن والحرية، وأبوللو، وفي التحولات الإبداعية التي تجلت منذ الخمسينيات حتى نهاية القرن العشرين.. على أية حال لا أريد أن أستطرد حتى لا أقع في شرك سرد تاريخي يعرفه الجميع، لكنني أود الإشارة إلى أن هناك مفاهيم أخرى يتم مناقشتها في سياق آخر مختلف تماماً عما يطرح هنا في ثقافة فتية.

ولا أظن مثلاً أن مفاهيم مثل: الكتابة السوداء، كتابة الهامش، السينوغرافيا النصية، الرؤية الماركسية، الرؤية الكانتية النصية، الكتابة الباراسيكولوجية، الكتابة المثلية، مدرسة التشويه الجمالي، الكتابة اللا نصية، لا نوعية الأدب والكتابة المحايدة، كتابة الوعي المسريل، يمكن أن تتماهى معها الثقافة السعودية اليوم، لأن هذه المفاهيم ليست مفاهيم مجردة، بل هي تشير إلى ظواهر واتجاهات حية وحقيقية، ولا تطل من رؤية فردية ذاتية، بغض الطرف عن اختلافنا أو اتفاقنا حول قيمة هذه الظواهر، لكنها قيم تشير إلى فعل انقطاع ثقافي عن القيم التقليدية المعهودة.

-4-

أعرف أن الأفكار اليوم يتم تداولها، بسبب فورة الاتصال التي يعيشها الإنسان اليوم، بيد أن المسألة تتعدى استخدام مصطلح، أو مفهوم، أو فكرة، فليس استخدامي لمفهوم: (ما بعد الكولونيالية) مثلا أنني صرت متجاوزاً، ولا يعني استخدامي لمفاهيم ما بعد الحداثة أنني صرت معاصراً، ترتبط المسألة بذهنية التحولات الكلية، فإذا لم يتحول المجتمع، على الأقل تتحول البنى الثقافية ذاتها، ويتحول ما يتم تداوله من نتاج أدبي ونقدي وفكري، وهنا أسأل الدكتور المعيقل: هل حدث هذا التحول الثقافي في تلقي العمل الإبداعي مثلاً؟ هل تغيّرت النظرة في كيفية هذا التلقي؟ أم أن الهاجس البلاغي الذي يتلقى النص الشعري - على سبيل المثال - على أنه نتاج مخيلة لغوية بلاغية؟ أو أنه مجرد استعارات ومجازات وصور لا يزال هو المهيمن في الرؤية الأكاديمية على الأقل؟

بإيجاز: أعتقد أن فورة التحولات الفكرية والثقافية العالمية الراهنة أصابت البنى السطحية في عالمنا العربي بوجه عام، فما البال بالثقافة السعودية الفتية الطالعة، الناهضة؟

عبدالله السمطي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة