Culture Magazine Monday  21/04/2008 G Issue 244
قراءات
الأثنين 15 ,ربيع الثاني 1429   العدد  244
 

(ثمن الشوكولاتة)
بشائر بميلاد (بشائر)«1»
خالد بن أحمد الرفاعي

 

 

قراءة التحوّل

مع صدور (ثمن الشوكولاتة) 2007م للروائية السعودية (بشائر محمّد) يتلقَّى دارس الرواية النسائية السعودية إشارة مهمَّة، ألا وهي تحوُّل المرأة من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية، وهو ماكنَّا رصدنا مثله قبل سنوات على يد الروائية السعودية (زينب حفني)، فكلُّ واحدة منها أصدرت ديواناً ثم أتبعته برواية، وما من فاصل بين العملين إلا سنة واحدة. أصدرت (حفني) -صاحبة الإشارة الأولى- كتاباً خواطرياً بعنوان (رسالة إلى رجل) 1993م، ثم مجموعة قصصية بعنوان (قيدك أم حرَّيتي) 1994م، وأخرى بعنوان (نساء عند خطِّ الاستواء) 1996م، ثمَّ ديواناً شعرياً بعنوان امرأة خارج الزمن) 1997م (*)، ثم رواية بعنوان (الرقص على الدفوف) 1998م، واستمرَّت بعد ذلك في معارج عطائها تكتب المقالة، والشعر، والسرد.. لقد جرَّبت (حفني) -إذن- الكتابة في الحقول الثلاثة، لكن في أيِّ الحقول الثلاثة وجدت ذاتها؟ في أيها حضرت؟ ومن أيها جاءت إلينا تحمل نفسها؟

هذه الأسئلة تحتاج إلى دراسة خاصة تضع ضوابط واضحة للوجود، والحضور، والمجيء...؛ فما أعدُّه حضوراً في هذه الدراسة قد لا تعدُّه (حفني) نفسها كذلك، والعكس ممكن أيضاً؛ لذا أودُّ الإشارة هنا - بإيجاز- إلى أنَّ الحضور الذي أعنيه هو الحضور الذاتي، أو لنقل حضور المبدعة بداعٍ نصي، ومن ثمَّ لا تعنينا- في هذه القضية تحديداً- جمالية النصِّ، ولا الإشادة العامة بمحتواه، ولا كلام المبدعة نفسها عنه، ولا تقديم ذوي الوجاهة الأدبية أو الاجتماعية له، ولا تغزّل دار النشر به، كلُّ ذلك لا ينفع الحضور الذي نعنيه، ولا يقويه...، إنَّ الحضور الذاتي يكون حين تتحوَّل الكاتبة بناء على معطى أو معطيات متعلِّقة بالنصِّ إلى موضوع خاص، بحيث تكون حاضرة في طرح الآخر، وتصنيفه، وتقويمه، وبمعنى آخر: أن يأخذ اسمها طريقة إلى الدراسات -أو الأوراق- الأكاديمية في الأدب والنقد، تلك التي تتغيا الكشف عن الظاهرة، أو عن انعكاسات الشخص على ما يكتبه... ومثل هذا لا يكون إلا حين تنطلق الكاتبة من ذاتها إلى ذاتها مروراً بذاتها. هناك إذن نقطتان تحدِّدان الحضور المراد هنا:

1- حضور الاسم/ الذات، حضور المبدعة بوصفها كائناً من لحم ودم....، ويكون هذا الحضور بارزاً على السطح في مجال الدراسات العلمية..

2- أنْ يكون هذا الحضور أنثوياً وليس مؤنَّثاً، بمعنى أنه يعكس رؤية المرأة نفسها، ولا يتخذها معبراً لرؤى أخرى...، وهذه النقطة تحديداً تخرج كلَّ الشاعرات اللاتي حقَّقن ذواتهنَّ من خلال الشعر.

إنَّ المتابع الجاد لحركة (حفني)، وخاصة فيما يتعلَّق بتحقيقها ذاتها، وتأسيسها مكاناً لها داخل دائرة الأدب السعودي، يعي جيِّداً أنَّ حضورها إنما كان بسبب الكتابة الروائية/ السردية، ولعلَّ من الطريف ذكره هنا أنَّ الروائية كتبت في الغلاف الخلفي لروايتيها أسطراً تعريفية، أشارت فيها إلى إبداعها الشعري، والقصصي، والمقالي، في حين لم تفعل الفعل نفسه في الغلاف الخلفي أو الأمامي في عمليها الشعريين، أو مؤلفيها المقاليين. كأنَّما هناك قناعة لدى (حفني) بأنَّ إبداع المرأة يمكن أن يحضر من خلال مجالات متعدِّدة، لكنَّ حضورها هي -بوصفها ذاتاً مبدعة- لا يمكن أن يتمَّ إلا من خلال الرواية، والرواية وحدها؛ لذا لم تكتفِ باستغلال الشكل الروائي لصالح فكرتها -أو لنقل ذاتها- فحسب، وإنما استغلَّت أيضاً مساحة البياض القابع على الغلاف الخلفي لتخدم به إبداعها في المجالات الثلاثة.

تحقيق الذات كان منبع الرواية، ومجراها، ومصبَّها، ولذا جاء الإهداء منها إليها -في ظلِّ انعدام قناعة الآخر- (إلى نفسي لأثبت حقَّها في البقاء) (لم أعد أبكي، ص5).

بعد رحلة طويلة وشاقة استمرَّت خمسة عشر عاماً، وبعد طرق أبواب أربعة، تجيئنا (حفني) من باب الرواية، حاملة ذاتها على راحتيها، وممسكة بيديها الناعمتين طوق جاكيتها التّفاحي؛ لتثبت لنا بالخطِّ والصورة أنها موجودة (انظر: المصدر السابق، الغلاف الخلفي). ولعلَّ النقد الذي وجَّهته (حفني) للشاعر (القصيبي) على انتقاله من الشعر إلى الرواية كان نابعاً من وعيها بفكرة صبغ الأجناس الأدبية بصبغة الثنائية الجنسية، ف(القصيبي) رجل، والرجل ذكر مثل الشعر تماماً؛ ولذا يمكن أن يحضر حضوره الكبير من خلال الشعر، وليس في حاجة -والحال هذه- إلى أن يتأنَّث ويكتب الرواية، وهذا ما دفعها إلى الاستناد إلى مقولة الكثيرين المعبِّرة عن أنَّ القصيبي هو متنبي العصر الحديث؛ إذ إنَّ البعد المستند إليه هنا بعد إشهاري أو جماهيري في الوسط العلمي، مما هو دال على حضور الذات أكثر من حضور الإبداع. (انظر: مرايا الشرق الأوسط، ص193).

(حفني) لم تكن هي إلا من خلال (السرد) حيث مجموعتها القصصية (خطّ الاستواء) ثم (لم أعد أبكي) و(ملامح)...، وبها -دون ديوانيها وكتابيها المقاليين - أوجدت ذاتها، وأصبحت موضوعاً...، وحتى نثبت بالكمِّ صدقية هذه الفكرة فإنَّنا نشير إلى أنَّ (حفني) قد أصدرت ستة أعمال سردية مقابل عملين شعريين وآخرين مقاليين.. (بشائر) -موضوع هذه الدراسة- لا تختلف عن (حفني) إلا في كونها انتقلت مباشرة من الشعر إلى الرواية، دون أن تكلِّف نفسها عناء الخوض التأليفي في هذا وذاك، رغم كونها لا تقلُّ تعددية عن (حفني)، وبالموازنة بين الحضورين تظهر (ثمن الشوكولاتة) بوصفها المؤسس الحقيقي للحضور البشائري -أو هذا ما نراه على الأقلّ. هذه الإشارة التي صدّرتها (بشائر) إذا ما أضيفت إلى الإشارة السابقة -وإشارات أخرى، واستحضرنا معها شروطاً مكانية وزمانية وحضارية كبيرة فإنها تعطينا دلالة على أنَّ الرواية فنُّ المرأة الأوَّل، وأنَّه القادر وحده على هزِّها حتى تساقط رطباً جنيّاً: رؤية، أو فنّاً، أو هما معاً، أو ما شئت من شيء بعد...، ليس لأنَّ الرواية أقدر من الشعر على رصد التحوُّلات والتغيِّرات فحسب، ولكن لأنَّها أضحت أزمة المجتمعات المحافظة، والسياسات المنغلقة، والمفاهيم الذكورية القاسية، وما من شكّ في أنَّ المرأة مجال حيوي لانعكاسات هذه كلِّها. كانت الرواية -وستظلُّ- حقلاً مفتوحاً للمرأة، ولكلِّ من يريد رفعها، أو رصدها، وما من تكتُّل نسائي إلا وكانت الروائية حاضرة فيه، تماماً كما كانت الإنجليزية (فرجينيا وولف) على المستوى الغربي والمصرية (سعداوي) على المستوى العربي.

***

*لم نطّلع على هذا الديوان، ولكننا اعتمدنا في الإشارة إليه على ببليوجرافيا الشعر النسائي السعودي، لخالد اليوسف، الجزيرة، ع 10329، في: 13 شوّال 1423هـ، ص15.

alrafai16@hotmail.com - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة