Culture Magazine Monday  28/04/2008 G Issue 245
قراءات
الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1429   العدد  245
 

أمكنة الحكاية.. وزمن المحكي «2-2»
قراءة في سيرة (قطرات من سحائب الذكرى) لعبد الرحمن السدحان
سحمي الهاجري

 

 

جاءت استراتيجيات ووظائف الكتابة في النص:

- لتدعمَ ما أسسه محورا (الأبوية والرحلة)، الأبوية باعتبارها لازمة اجتماعية، والرحلة بوصفها قدراً إنسانياً، بما يتوافق مع طبيعة الحياة ذاتها، وأنها رحلة في المآل النهائي.

- ولتدعمَ مقتضى تعريف هذا النوع من السير؛ حيث (لا تقتصر على سرد حياة الإنسان سرداً تسجيلياً ميكانيكياً، بل تهدف إلى الاختيار والتركيز والتصنيف، ومتابعة خط ذي دلالة معينة في حياة الإنسان). (د. نبيل راغب، دليل الناقد الأدبي، القاهرة، دار غريب للطباعة 1981، ص 121).

وسوف أمثل هنا بثلاث من استراتيجيات الكتابة، التي دعمت منطق النص؛ وهي: الانتخاب، والثنائيات، والتحليل.

الانتخاب:

يعتبر الانتخاب جزءاً أساساً من ميثاق السيرة الذاتية المحلية؛ تأسيساً على ذلك الاتفاق الضمني بين القارئ والكاتب على كثير من الأمور المسكوت عنها، مما يجعل معظم السير المحلية خالية من الاعترافات المثيرة.

جاء انتخاب الوقائع والمواقف، واللوحات، والأمثلة الدالة، ليحقق عدداً من الوظائف، أهمها:

- أولاً: أنه جاء بديلاً لأسلوب الاعتراف الذي اشتهرت به سير عالمية وعربية، ومع أن عدداً من النقاد يرون أن عدم الاعتراف يعتبر خللاً لأنه يمثل (ضعف مظاهر الوعي العام بالذات الفردية القادرة على إعلان اختلافاتها عن الذات الجماعية التقليدية) (د. معجب الزهراني، موسوعة الأدب السعودي الحديث، السيرة الذاتية، ص 34). ولكن جرى التعويض هنا بقدر معتبر من الاعترافات التي قد يُحجمُ كثيرون عن التصريح بمثلها، كما جرى التعويض بالاختلاف النوعي للشخصية ذات الفعالية العالية، وإن كان من داخل منظومة ثقافة المجتمع. وسبق أن قال أحمد أمين: (إذا كنا لا نستسيغ عري كل الجسم، فكيف نستسيغ عري النفس). (أحمد أمين، حياتي، ص 48).

- ثانيا: اختيار الدوافع المتسقة مع خطاب الثقافة المحلية، وبالتالي مع منطق النص، مثل: الدافع التربوي، والأمانة في نقل التجربة، واستحقاق النعمة بعد التعب (الفرج بعد الشدة)، وشكر النعمة (فأما بنعمة ربك فحدث)، والذكر الحسن (واجعل لي لسان صدق في الآخرين).

- ثالثاً: الإيحاء بالطابع المحلي، وطبيعة المرحلة، وبأساليب المعيشة وطرائق التفكير، والعادات، والمعتقدات السائدة، التي عدها كثير من المعلقين نوعاً من التاريخ الاجتماعي. مثل: وفاة الطفل عبد العزيز الذي نظلته امرأة.(القطرات، ص 30) وطعام البدو السبب في شفاء الطفل. (القطرات، ص 33). وطريقة البيع في الدكاكين، وألفاظ التجارة وأدواتها. (القطرات، ص 110). وطريقة توزيع الذبيحة على الضيوف. (القطرات،ص 117). وكيفية الترحيب بهم. (القطرات، ص 120). ووصف رفقاء السفر في الرحلة إلى الطائف بسيارة البريد. (القطرات، ص 47 ). وأسماء الأدوات والمأكولات. (القطرات، ص 55). والمدرسة، وطريقة الدراسة، وشخصيات المعلمين، والفلقة، وصفارة العم فقعوس. (القطرات، ص 63 وما بعدها). والمعركة مع الكلب. (القطرات، ص 73). والسقيا بالثورين (صبيح وريحان)، ومعابثة الفتاة. (القطرات، ص 85). والسقوط من الحمار المتصابي وكسر اليد. (القطرات، ص 95). وطبيعة المرأة العسيرية بوصفها جزءاً (من منظومة القوى العاملة). (القطرات، ص 36). وما عناه ذلك من الاختلاف بين ثقافة الأب وثقافة الأم؛ وأدى إلى الانفصال، والانفصال جزء أساس في طبيعة الحدث، وبالتالي في بنية النص. وكل هذه اللوحات أدت وظيفة أخرى إضافة إلى الإيحاء بالطابع المحلي، فقد دللت على الصعوبات الذي تعرضت لها الشخصية في الصغر، فصارت درجة قوة هذه الصعوبات وغرابتها، جزءاً من بنية النص؛ لمقابلة النجاح الذي تحقق فيما بعد؛ بمعنى أن النجابة والفعالية ابتدأت منذ الطفولة، في المرحلة التي سماها (المرحلة الحرجة)، يقول: (أتيت من المواقف والأفعال في سن مبكرة ما لا يصدقه أحد، لكن الله كان بي رؤوفا رحيما). (القطرات، ص ص 357-358). فالفارق هنا أن هذه العقبات والمغامرات أدت إلى النجاح وكان يمكن أن تؤدي إلى الفشل، ولو أن الصعاب قذفت بالطفل (في غياهب التشرد والضياع). (القطرات، ص 9). لأخذت الأحداث معنى آخر، وربما تحولت القصة إلى تقرير في أضابير الشرطة، أو حالة تطبيقية في دراسات علماء الاجتماع. فتلك البداية هي التي أضفت المعنى على النهاية، أو كما سبق أن قال إليوت: (إن النهاية توجد هناك حيث ننطلق). ولهذا قال أحد النقاد معلقاً على هذه السيرة: (وراء كل رجل متميز طفل متميز). وأضاف (الطفل أنقذ النص كما أنقذ الرجل). (حسين بافقيه، صحيفة الرياض،14-8-1429هـ،7-9- 2006م، ص 29) على اعتبار أن المقاطع الخاصة بحياة الطفل هي أكثر مقاطع السيرة قوة وتأثيراً.

الثنائيات:

المقابلة بين الثنائيات جاء متسقاً مع النغم العام للعمل، القائم على المقابلة بين (العسر واليسر)، ويمكن أخذ ثلاثة أمثلة في هذا الخصوص:

- أولاً: الرؤية النقدية الساخرة للوقائع التي شكلت الجانب القاسي من التجربة وارتبطت بأمكنة الحكاية، للتهوين على النفس من ذكراها الضاغطة.

في مقابل النظرة البراجماتية الرصينة الحالية، المرتبطة بالفعالية العالية، أو ما سماه أحد المعلقين على السيرة (الحس العالي بالمسؤولية تجاه نفسه، وبالتالي تجاه الآخرين). ( د. صالح السبعان، صحيفة الجزيرة، 13-7-1423هـ، ص 29). وهي النظرة التي ترافقت مع زمن المحكي، وبما يتناسب مع نضج الشخصية، واكتمال تشكل بنيتها الوجدانية والفكرية، ووقوفها على منبر الحكمة والتوجيه.

- ثانياً: المقابلة بين الصرامة الأبوية، والحنان الأمومي. يقول: (في حضور (جدي) كنت (رجلا) يسخر نفسه في خدمة (المهام الصعبة) سواء في رعي الغنم وحيداً بين أحضان الجبال أو ساقياً للزرع في الحقول، أو سايساً للبقر وهي تجلب المياه). (القطرات، ص 136). و(في حضور والدتي كنت طفلا يهصره الشوق للحنان، ولم تبخل علي - رحمها الله- بكل ما في الأرض من حنان). (القطرات،ص 135). فالأم في عموم النص مثلت الواحة الوارفة في صحراء الأبوية الشاسعة.

- ثالثاً: الموازنة بين الحياد والانفعال؛ فالثبات الانفعالي في لحظة الكتابة (زمن المحكي) خلق نوعاً من الموازنة بين الانفعال العفوي، والرغبة في الحياد.

التحليل:

جاء التحليل نوعاً من عملية أخذ الأب الجديد لزمام الأمور، وإحكام السيطرة على النص، وتوجيهه لتحقيق الهدف، ويمكن اعتبار التحليل في هذه السيرة نمطاً من توظيف الثنائيات؛ حيث يأتي في مقابل السرد، لأن التحليل أفكار وتأملات تعود للسارد وليست سرداً.

ومن أمثلة التحليل:

- تحليل ألفته لقرية مشيع. والعلاقة بالجد والأم. (القطرات، ص 42).

- تحليل التربية في عهدها القديم والتربية المعاصرة. (القطرات،ص 72).

- تحليل حياته العمرية المبكرة. (القطرات،ص 135).

- تحليل فراق أمه، وحرارة الطقس، والأب المشغول بالتجارة. (القطرات، ص 157).

- تحليل نفسية والده، والندم على رحلة أبها والانقطاع عنها (30)عاماً وتصفية أملاكه فيها. (القطرات، ص 159).

وقد حظيت مقاطع التحليل في هذه السيرة بتقدير خاص، لأنه في عرضه للأحداث والحقائق - كما قال الدكتور عبد العزيز الخويطر - (لم يسردها سرداً جافاً دون تدخل في البحث عن الأسباب التي أدت إليها، أو في بيان النتائج التي انتهت إليها، وإنما جاء بهذه الحقائق مسربلة بالتحليل الذي يعتقد الآن أنه كان يحكم الأمور آنذاك). (د. عبد العزيز الخويطر، الجزيرة الثقافية، 5- 6-2006م - 9-5-1427هـ، ص 4).

خاتمة:

هذه السيرة لا تدعي أنها سيرة إنسان في مجتمع كامل، ولكنها تظل سيرة شخصية غير نمطية، شخصية ذات فعالية عالية، ترى أنها إنما تستكمل شروط فعاليتها بنقل تجربتها لتكون دافعاً إلى تحسين شروط الحياة الاجتماعية، وتتوجه للشباب كونهم عماد مستقبل هذا الوطن، لأن تزويدهم بخلاصة هذه التجربة وأمثالها، يمثل أحد العوامل التي تساعد الإنسان، لكي يعيش حياة تستحق أن تعاش، بعد أن يستوعب تجارب النماذج المشرقة، ويتمثل قيمة انتصار الإرادة الإنسانية على العوائق.

وتحقق في هذه السيرة شرطان أساسيان: (العقلنة والأنسنة). وهما من أهم ركائز الفكر الحديث. العقلنة تمثلت في الرصانة، وعدم القفز على قيم المنظومة الاجتماعية، والأنسنة من خلال ربط الغايات بمصالح البشر، وتمكين الإنسان، من خلال منحه خلاصة التجربة، ووضع الخبرة في خدمته؛ ولهذا كان النص في عمومه يزاوج بين الوقائع والمواقف الإنسانية والعقلانية.

كما انعكس في هذا النص تأثير قيام الدولة الحديثة، وما صاحبها من فرص لصعود الفردانية، وتمجيد قيم الإرادة والطموح والعمل.

قيمة أخرى للدولة، وهي صهرها للهويات المختلفة بين مناطق المملكة التي كانت مرتبطة بالمكان الإقليمي في زمن الحكاية، بحيث تحولت إلى حالة جديدة، وصار ينظر إليها بأنها أقرب ما تكون إلى هوية واحدة في زمن المحكي؛ وتحقق ذلك لأنها غادرت ذلك الارتباط بالمكان إلى الامتزاج مع أناس ينتمون إلى أمكنة أخرى ويوحد الجميع زمن ثقافي واحد.

وفي الختام يمكن نقل هذه الخلاصة التي توصل إليها أحد المتابعين، وهي أن (النص وسيط، بين ماض خلصته حرارة التجربة من مراراته وشوائبه، وقدمته زادا للمستقبل. فصار بهذا جزءا من الحراك الاجتماعي الذي تشهده الساحة الثقافية). (د. يوسف العثيمين، صحيفة الرياض، 27-11- 2006م - 6-11-1427هـ).

***

الواقع هو محفز الكتابة وهو مجال تلقيها واست خلاص دلالاتها.

التفتح والوعي أفضى إلى الموضوعية في لحظة الكتابة.

الموضوعية والنظرة الواقعية التي لا تتوقف عند إدانة الواقع بل تنظر أيضاً إلى جوانبه الأخرى وهو جزء من ميثاق السيرة الذاتية.

الاجتهاد والتفوق والعمل قيم أساسية مما أدى إلى النجاح وتحقيق الذات وتعزيز الرضى عن الذات والعالم.

الدافع تحول إلى الفكرة المركزية في العمل . العبرة تمجيد الحركة والمثابرة والتفوق (في ظروف مشابهة كان يمكن أن يتحول إلى متشرد).

الحاجة إلى التجارب (التجربة) والإبداع (اللغة) باقية ما بقيت الحياة.

- رابعاً: أتاح الانتخاب نقل هذه التجربة الإنسانية التي استفاد منها الكاتب، وآمن بفعاليتها أولاً، ثم شعر بالمسؤولية في نقلها للآخرين.

إشراك الآخرين وخاصة الأجيال الجديدة في ما مروا به من تجارب ونجاح من باب المناصحة. ثقافة المجتمع. رغم العقبات وفر المجتمع الفرص. يعيد إنتاج الأفراد المرتبطين به.

إثراء الوجدان وبعد إنساني تمجيد قيم الصبر والكفاح.

هنا تتقاطع السيرة مع المقالات. خصوصية الحالة الإدارية . توسيع الدائرة إلى الحالة العامة.

استراتيجيات:

مما يفسر تفصيلات وتفريعات النسب والعائلات كجزء من الروابط القوية التي تشد إلى أمكنة محددة، وبالتالي مع احتوائية ثقافة المكان؛ بوصفها جزءاً من احتوائية الشرط الاجتماعي

الأحداث التي جرت وقدمت على شكل لوحات أو صور تمثل تفاصيل الارتباط بالشرط الاجتماعي.

زمن المحكي هو زمن استقرار الهوية

الانتخاب:

الانتخاب: بدل الاختزال (إيراد كل شئ) الانتخاب إيجابي في هذه الحالة والاختزال سلبي.

الانتخاب مقابل الاعتراف . يقول أحمد أمين (إذا كنا لا نستسيغ عري كل الجسم، فكيف نستسيغ عري كل النفس). ( حياتي، ص 48).

التقسيم فصول عناوين

الانتخاب لأن تلك المعاناة تحولت إلى موضوع للبحث والتأمل والنقد.

السرد الانتخابي سمة من سمات السيرة المحلية.

الرقابة الذاتية العالية (أدب الانتخاب مقابل أدب الاعتراف).

الانتخاب جزء أساس من ميثاق السيرة الذاتية المحلية؛ تأسيساً على ذلك الاتفاق الضمني بين الكاتب والقارئ على كثير من الأمور المسكوت عنها؛ مما يجعل معظم السير المحلية خالية من الاعترافات المثيرة.

الباعث الفني (الدافع) مقابل نزعة الإنسان في التردد عن كشف ظروفه الخاصة ودخائل ذاته وأسرارها.

التقاط أهم التفصيلات بدون أن ينسى الاتجاه العام.

من وظائف الانتخاب ما يرتبط بالدافع ووسيلة توصيله (الأبوية)

للسيطرة والتوجيه والتحكم في ما يفضي إلى استخلاص العبرة.

الانتخاب

الأوقع في الدلالة

لتجنب تحول السيرة إلى اعترافات تتعلق بجوانب النزوات التي تعتبر استثناء في حياة الإنسان أو لتبني مواقف وإيديولوجيات معاكسة للمجتمع.

(السيرة فن لا بمقدار صلتها بالخيال، وإنما لأنها تقوم على خطة أو رسم أو بناء.. فهي أدب تفسيري من حيث أن صاحبه معني بغاية محددة تهديه في اختياره للحقائق). ( إحسان عباس، فن السيرة، ص ص 84-85).

الانتقائية في السرد. يتحكم فيها المحافظة على الاتجاه العام للسرد. وخطوط الأحداث الرئيسية.

لوحات بانورامية موجزة.

الباعث الفني ( بما يستدخله من نفض الهموم واسترجاع لحظات الماضي للتنفيس عن الذات ونقل التجربة) من أهم الأسباب لتجاوز نزعة الإنسان في التردد عن كشف نفسه ودخائلها وأسرارها.

ولكن هذه السيرة تعمد إلى المواءمة بين الأمرين باعتماد طريقة الانتخاب. مقابل أدب الاعتراف، الوقائع المواقف الأوقع في الدلالة الأكثر طرافة وإثارة ومتعة، والتي تحقق إشباع قيم الثقافة الاجتماعية.

اللوحات: كاشفة

الطابع المحلي وطبيعة المرحلة اجتماعياً وإدارياً.

طبيعة الواقع الذي ينبثق منه (الشرط الذي يحكم الحالة).

المتعة والتشويق

ما يستعصي على النسيان لاختلافه.

إضفاء طابع السخرية.

الثنائيات:

المقابلة بين تصوير المصاعب والنجاحات (بحيث تأخذ كل منها عمقاً أكثر)

المقابلة الضدية بين الماضي والحاضر (وظيفة الكتابة)

- البؤس (شاشة).

- الحاضر إيجابي

المستقبل يكسر المقابلة الضدية العبرة

الاستعداد للمستقبل بتراكم التجربة الذي يورثه الجيل الحاضر ليكون زاداً لأجيال المستقبل.

الفعالية:

تكتمل فعالية الشخصية بإشراك الآخرين فيما مروا به من تجارب ونجاح.

الشخصية: الفعالية:

المصاعب قد تنجح في احتواء وتشرد الفرد الضعيف

لكنها لا تنجح في احتواء من يكتب له النجاح

-جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة