Culture Magazine Monday  31/03/2008 G Issue 241
فضاءات
الأثنين 23 ,ربيع الاول 1429   العدد  241
 

المغلّف الأزرق
د. شهلا العجيلي

 

 

فوجئت القاصّة التي كانت تشقّ طريقها بتؤدة نحو عالم الإبداع، برسالة بريديّة، تخبرها بأنّها فازت بالمرتبة الأولى في إحدى أهمّ الجوائز العربيّة، وذلك في فئة الشعر، عن ديوانها (عواصف الحنين)، الذي اقترحت لجنة الجائزة تغيير اسمه إلى (نجّنا من الشرير)! لكنّ الشاعرة التي لم تصدر سوى مجموعتين قصصيّتين، ولم تفكّر يوماً في أن تتقدّم إلى أيّة مسابقة، لا تكتب الشعر، بل تكتب على استحياء ما يسمّى تجاوزاً نثراً شعريّاً، وتلقيه في درج مكتبها، إذ تحوّلت بعد يقينها من ضعف كفاءتها الشعريّة إلى كتابة القصّة. أيكون هو زوجها السابق قد جمع مكتوباتها، وأرسلها إلى المسابقة قبل انفصالهما! ربّما يكون هو، وها قد عاقبه الله بالفوز، ولكن من أين جاءت (عواصف الحنين) هذه؟ لا بدّ من أنّه هو قد اختار العنوان أيضاً!

ما يهمّ في الأمر الآن هو أنّها فازت، وأنّ مبلغاً كبيراً، وكبيراً جدّاً من المال سيكون قريباً في حوزتها، ثمّ إنّ باب الشهرة سيفتح أمامها، لتستثمره في كتابة القصّة، الفنّ الذي تبرع فيه.

بعد أيّام كان في بريد الشاعرة - القاصّة، النسخة الأولى من ديوانها (نجّنا من الشرير)، بطبعة متفوّقة، يبرق على الغلاف اسمها، مرفقاً باسم الجائزة، وبالمرتبة الأولى.

فتحت الديوان بلهفة، قلّبت الصفحة تلو الصفحة، عادت إلى الفهرس، فأراعتها الغربة الشديدة بينها وبين النصوص: لا فكرها، ولا لغتها، ولا صورها..

الديوان ليس لها، لكنّ الاسم اسمها، والعنوان البريديّ عنوانها، والمال صار في حسابها!

سيطر عليها القلق، بل الخوف أيّاماً، وكان يستفحل مع كلّ لقاء صحفيّ، تحوّل فيه مجرى الأسئلة من الشعر إلى القصّة، ويعود مع كلّ دراسة أدبيّة تشيد بمقدرتها الشعريّة التي اختبأت طويلاً وراء جملتها السرديّة، لكنّها مع الوقت راحت تتكيّف مع لقبها الجديد، إذ لم يظهر طوال الوقت ما يكدّر صفو هذه السانحة، خصوصاً أنّها سارعت إلى نشر مجموعة قصصيّة جديدة، ألهت بها الساحة الثقافيّة، وأنستها ذلك الديوان، مجهول القائل.

وحينما أوقفت سيّارتها الفارهة، التي اشترتها بعطايا الشعر، أمام دار النشر، كانت تحمل روايتها الأولى.

رحّب بها الشاب العشرينيّ الذي كان يجلس وراء الكومبيوتر ترحيباً حارّاً، هي تعرفه جيّداً، فهو الذي يصفّ النصوص التي تصدر عن الدار، وينضّدها، ولطالما استعجلته في إنهاء تنضيد أعمالها ليدفع بها إلى المطبعة. وأثناء حديثهما عن عملها الجديد، قال الشاب: نسيت أن أقول لك في المرّة السابقة، إنّك منذ زمن، ربّما يعود إلى أربع سنوات، قد نسيت على مكتبي مغلّفاً ورقيّاً أزرق، عليه اسمك وعنوانك.

سألته: وماذا كان فيه؟

قال: لا شيء، كان فارغاً، وإلاّ لأعدته إليك، ولكن اعذريني، فقد استثمرته!

قالت: لا بأس، بما أنّه كان فارغاً! واسترسل الشاب: وجدته أنيقاً، فوضعت فيه مجموعة من قصائدي، لأشارك بها في إحدى الجوائز العربيّة، بصراحة هي الجائزة التي تقدّمتِ أنتِ إليها بديوانك (نجّنا من الشرير)، لم أتوقّع أنّ أقلاماً رفيعة كانت ستشارك فيها، وإلاّ لما كلّفت نفسي عناء الأحلام - وضحك الشاب - عموماً لا بدّ من أنّ الجائزة نزيهة بما فيه الكفاية، لتفوزي أنت بها، إلاّ أنّ لي عتباً عليك، إذ لم أحصل على نسخة من الديوان!

بادرته بوجه أصفر، ولسان متلجلج: لا بدّ من أنّك نسيتَ أن تضع على المغلّف الأزرق عنوانك!

قال: كأنّك كنت معي، لقد خامرني الشكّ، بعد أن أرسلتُ المغلّف بأنّني كتبتُ عنوان المرسل إليه، ونسيت أن أكتب اسمي وعنواني، لكن حتّى لو نسيت فمن المؤكّد أنّهم سيبحثون عنّي في حالة فوز ديواني (عواصف الحنين)، إلاّ أنّ (نجّنا من الشرير) هو الذي فاز، وشتّان بين القلمين أيّتها المبدعة!

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7875» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- حلب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة