Culture Magazine Monday  31/03/2008 G Issue 241
فضاءات
الأثنين 23 ,ربيع الاول 1429   العدد  241
 

تسونامي !
فيصل أكرم

 

 

* واحدةٌ من أذكى الروايات الموضوعة في التجربة السعودية الفتية، التي تتشكّل الآن أعمالاً سرديةً كعلاماتٍ لزمنٍ وَصَلَ حدَّ الذروةِ في حبكته واختلافه..

* تعتمد الرواية في فكرتها على تجليات المزاوجة بين (الإفصاح التقريريّ) و(التورية الأدبيّة) بتقنيةٍ سلسةٍ تجذب القارئ بسهولتها نحو اتجاهين متغايرين: المستقبل القريب، والماضي الأقرب.. فعن المستقبل القريب، يتخذ الكاتبُ قناعاً من التورية الأدبية التي تجعل من فكرته - المجنونة تصوّراً - تبدو وكأنها حالة منفصلة عن الواقع المعروف والمعترف به على كلّ الحالات - والإحالات.. أما عن الماضي الأقرب، فالكاتب لا يتورّع عن البوح - إفصاحاً وتقريراً - بكل المسكوت عنه على ألسنة الحاضرين، فقد اتخذ لساناً شاهداً يحضرُ في غياب صاحبه غياباً أبدياً وأدبياً في آن..!

* (تسونامي).. هي ذي روايةُ ما سيبدو من تبعات تسونامي وأنقاضه، لاحقاً.. ربما.. وهي كذلك -ربما - سيرةٌ سيستعيدها السائرون حين الوصول إلى ملامحها (اللائحة) خلف أفقٍ متفقٍ على استبقائه بمنأىً عن الكشف - حظراً وتعتيماً، وقد تُعاد الصياغة بأكثر من فكرةٍ تتخذ المسار نفسه.

* (محيميد).. الفتى (النموذج) لفتيان الخليج العربي، الذين لا يزالون يأخذون ترتيباتهم في أصلابنا- كما تُخرجه الرواية.. تُرى: أيُّ فتىً من أحفادنا سيكون (محيميداً)..؟؟

* البطل الحقيقيّ في هذه الرواية هو (المتغيِّر)، وهذه الرواية تستنطقُ جُلَّ المتغيّرات.. أو قُل: هي تستنطقُ كنهها المستتر، وتشبعه تكهناً واستكشافاً.

* أمّا مؤلف الرواية، محمد حمد الفارس، فهو - برأيي - يمتلك بامتياز خاصيتين مهمتين تميّزان الروائيّ الموهوب، وتصعدان به إلى مراتب متفوّقة من التفريعات المتجاوزة احتمالاً وواقعاً، وهما: الذاكرة المتعمّقة، والخيال المتطوّر..

فالفكرة المطروحة في الرواية لا تسير كخطواتٍ متتالية في تتابعها، ولا حتى كارتداداتٍ استرجاعيةٍ لشخص يتذكّر -كما هو حال معظم الروايات ذات الأبعاد الزمنية - إنما هي تفاجئك بابتدائها المقتحم لأجواءٍ عامةٍ ودقيقةٍ في وصفها المحتمل، تخصّ ما يراود الحدْسَ من هاجسٍ لعالمٍ سيكون، ولن يكون لنا فيه إلاّ بعضُ الأثر الراكد وسط تموّجات (العام 2195 للميلاد) وفي أقصى بلاد شرق آسيا وجنوبها، ثم ترجع بك الأحداث إلى بدايات ظهور النفط في الجزيرة العربية، وما امتلأت به تلك الحقبة من تحديات ومسببات، إلى أن تنتهي بك الرواية في آخر سطورها الواقفة على محورٍ مطمورٍ عند العام 2004 للميلاد، لترجع بك إليه متأملاً ما سيكون قبله ومستشرفاً ما كان بعده.. في تمازجٍ يجمع التواريخ المتباعدة جملةً، واندماجٍ يفندها تفصيلاً..

* يبدو لي أن الفارق بين تسونامي - كرواية سعودية - وبين غيرها من النثريات والسرديات المصنفة (روائياً) في الأدب السعوديّ، هو أنها لا تنتهج (الأسلوب الشعريّ) (أو النَفَس الشاعريّ!) كما بات سائداً، وهذا الاختطاطُ كفيلٌ بأن يضعها في بؤرة (الجنس الروائيّ) التزاماً..

* كما يبدو لي أن المؤلف استطاع الاستفادة من الشطحات (الغرائبيّة) الفذة في القصص العالمية الخالدة، كتراث فرانز كافكا، وفيليس دورثى جيمس، وجون رونالد تولكين.. والكثير من الأعمال التي جذبت السينما العالمية إليها لتشكّل لنفسها علاماتٍ فارقة في تاريخها المتنامي، على اعتبار أن هذا النوع من الأدب يأخذ مدىً واسعاً يبقيه حياً في الوعي والضمير.. غير أن المؤلف هنا لم يتخذ (الخيال العلميّ) ولا (الأحلام والكوابيس) مسلكاً، ولكنه تبنّى القضايا المعاشة -راهناً - برؤىً وتصوّراتٍ تضعها في تماس مع الأساطير.

والأساطير هنا ليست هي تلك التي لن تحدث إلاّ تخيّلاً، ولا حتى التي حدثت تذكّراً.. إنما هي من نوعٍ جديدٍ أستطيع أن أشير إليه بأوصاف عدة لعل أكثرها قرباً ووضوحاً أن زاوية الرؤية التي ينطلق منها سردُ أحداث الرواية تتجاوز في ارتفاعها (عين الطير) وتتخذ شكل (الغيمة) التي تهطل حيث تشاء من هذا العالم - على اعتبار البقعة زمنيةً أكثر منها مكانية (!) باتكاء على شرعية الافتراض بأن التوثيقَ مزدوجٌ يربط بين الإنسان ومنبته، وإن فرّقتهما متغيّراتُ العصور.

* (تسونامي).. عنوانٌ لروايةٍ ستصدر قريباً عن دار الفارابي ببيروت، وقد اطلعتُ عليها كمخطوط لكاتبٍ جديدٍ (موهوب) لا أعرفه (شخصياً) حتى الآن.. فبدلاً من أن أقول إحدى الإفادتين (تصلح) أو (لا تصلح) -كرأي خاص - وجدتني أنحاز إليها وأتحمّس لها وأترقب صدورها بعدة طرقٍ كان أقلّها تعبيراً هو ما جاء في هذه السطور (أو ما جاز لي التنويه عنه، مقدّراً أن العمل لا يزال قيدَ مراجعةِ ما قبل النشر).

* (تسونامي) لمحمد الفارس، برأيي إذاً (من قراءةٍ أولى): هي روايةٌ شيقة وممتعة عموماً، وخطيرة ومثيرة خصوصاً، وتقولُ أشياء كثيرة.. كثيرة.

- الرياض www.ffnff.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة