Culture Magazine Monday  19/01/2009 G Issue 267
فضاءات
الأثنين 22 ,محرم 1430   العدد  267
عفواً.. لوتس عبد الكريم (عن مصطفى محمود، أيضاً، ومن أجلِهِ..)
فيصل أكرم

 

في الشهر الماضي، صدر عن دار أخبار اليوم بمصر، ضمن السلسلة الشهرية (كتاب اليوم): العدد 517 بتاريخ ديسمبر 2008م، وهو كتابٌ اسمه (مصطفى محمود: أسئلة الوجود) من تأليف الدكتورة لوتس عبد الكريم.. وكان سيفوتني الاطلاع عليه لولا أن نبهني إليه صديقٌ عزيزٌ لفت نظره وجود مقالة لي ضمن مواد الكتاب، ولأن الكتاب (دوريّ) فكان سيفوتني كذلك الاطلاع عليه لولا أن أرسله إليّ صديقٌ عزيزٌ آخر (الأصدقاء نعمةٌ نُحدِّث بها)!

وفور حصولي على نسخة من الكتاب تصفحته في قراءة أولية سريعة فوجدتُ أن المؤلفة - د. لوتس- قد أكرمتني وأكرمت (جزيرتنا الثقافية) من جهة، ولكنها ظلمتني وظلمت الجزيرة من جهاتٍ أخرى..!

وسأبدأ بالكرم، فقد أكرمتني الدكتورة بأن وضعت مقالي المعنون (ذاكرة اسمها لغز الحياة.. ذاكرة اسمها مصطفى محمود) كأوّل مادة في المواد (التجميعيّة) التي احتواها الكتاب، وكذلك لم تغفل الإشارة إلى مكان وتاريخ نشر المقال (جريدة الجزيرة - السعودية - 2-6-2008م).. والمثير للانتباه هو حجم الخط (البنط) الذي ميّزت به مقالتي عن غيرها في الكتاب، فقد كان كبيراً جداً -خصوصاً اسمي!- فأوّل مرّة أرى اسم الكاتب ببنط أكبر من بنط العنوان!

والأهم من ذلك كله أن المؤلفة نقلت المقالة كاملة (على خمس صفحات من الكتاب) وكما هي من دون تصرّف أو اختصار أو أخطاء (كما يحدث عادةً في المنقولات!) وقد توقعتُ أن ذلك تم بفضل النسخ عن الموقع الالكتروني الذي تمتاز به (الجزيرة الثقافية) ولكننني لاحظتُ خلو الكلمات المنتهية بحروف (الياء) من نقطتيها - فعرفتُ أنه قد أعيدت كتابته (على الطريقة المصرية!) مع الدقة المتناهية التي تستحق الإعجاب والتقدير..

وإنني أتوجه بالشكر للدكتورة لوتس من هذه الناحية، التي ينتهي عندها ما أشرتُ إليه من (كَرَم).. غير أنني لا أستطيع أن أغض الطرف عن (الظلم) الذي أشرتُ إليه آنفاً..

ففي تقديمها للمواد (التجميعية) التي بدأت من مقالتي (صفحة 57) ولم تنته إلاّ بانتهاء الكتاب (صفحة 216) كتبت الدكتورة لوتس (صفحة 56) تحت عنوان (ردود وأصداء لم أتوقعها) تقول عن مقالٍ لها: (..كان هدفي من كتابة المقال لفت الانتباه إلى كاتبٍ ومبدعٍ وأستاذ ٍوصديقٍ و...إلخ) وتضيف (ولا شكّ أنني فرحةٌ لردود الفعل..) وتختم كلمتها قائلة: (وهنا أنشرُ بعضاً مما كتب، وهو كثير يفوق الحصر، خصوصاً ما نُشر في المواقع والمنتديات على الشبكة الدولية وفي الصحافة العربية تواصلاً مع مقالي) - وهي تقصد مقالها المنشور في العدد التاسع والستين من مجلتها الفصلية (الشموع) سنة 2007م.

ولكنها في الواقع لم تنقل سوى مقالتي.. ثم الحوار الذي أجرته معها (العربية نت)، ثم الحوار الذي أجرته هي مع مصطفى محمود عام 1988، ثم إهداءات كتبه إليها بخط يده، ثم مقالات ووثائق تعود تواريخها إلى الخمسينيات فالستينيات من القرن الماضي.. فما المقصود بكلمتها (ردود فعل)؟ هل تقصد أن مقالتي كانت (رد فعل) على ما جاء في مقالها؟!

عفواً دكتورة لوتس، اسمحي لي.. فهذا ظلم للرجل الكبير، ولصحيفة الجزيرة، ولي.. فتفاعلي كان مع (خبر مرضه) وليس (تواصلاً مع مقالك).. وأعتب عليك لأنك مع إعادة نشر مقالتي (الذاكرة) لم تنتبهي إلى أنها كانت (نواة) أثمرت ملفاً (عدداً خاصاً) صدر عن (الجزيرة الثقافية) بتاريخ 7-7-2008م، وكان تكريماً حقيقياً وصادقاً وبأحسن النوايا والمحبة تجاه مصطفى محمود، شارك في كتابته 27 شخصية ثقافية من مختلف الأجيال والأقطار والاتجاهات.. اجتمعت لتقول كلمات حبّ في الرجل وتذكّر بجماليات منجزاته وتأثيراتها في تجاربهم، ولم يكن أحدٌ من تلك الشخصيات مستثاراً بما جاء في مقالك عن: التعامل مع الجن، أو أن السعودية عرضت عليه أفخم القصور فرفضها، أو أنه كانت له كرامات، أو لجوء الملكة فريدة إليه في أيامها الأخيرة، أو إيمانه بالسحر والسحرة! -وتلك النار التي تشتعل في خلوته!-، أو علاقته بالموسيقار عبد الوهاب، أو نحو ذلك مما جاء في مقالك من عبارات وحكايات (لم أقرأها -شخصياً- إلاّ مؤخراً)!

وأقول صادقاً: كلّ ذلك لم يقرأه أحدٌ من المشاركين في الملف الذي أعتزُّ بإعداده وتقديمه، بل كنا جميعاً متفاعلين مع شيء واحد فقط مما جاء في مقالك، ووصلني مجتزأً إلى بريدي الإلكتروني، وهو (مرض مصطفى محمود وفقدانه الذاكرة).. فكان الأجدر بك، يا د. لوتس، استثناء ملف (الجزيرة الثقافية) عن تلك الملفات الصحافية - التي ألمحتِ إليها في معرض حديثك عن ردود الفعل - والتي لم تكن سوى تحقيقات حول الأشياء الغريبة التي جاءت في مقالك. وكان حقاً عليكِ (طالما أنك احتفيتِ بمقالتي عنه بشكل مميز) الاحتفاء كذلك بالعدد الذي تم تخصيصه عنه.. والذي كان، كما قالت ابنته أمل (أصدق وأنبل وأجمل تكريم حصل عليه والدي، ولم أره سعيداً كما رأيته وهو يتصفح العدد).. فاختلاف ما قمنا به عمّا قامت به الوسائل الإعلامية الأخرى واضحٌ جداً..

والحقيقة أنني استغربتُ كذلك إلحاح الدكتورة لوتس في معظم صفحات الكتاب على تكرار عبارات توحي بأنها (الوحيدة التي أنصفت مصطفى محمود، والكلّ يقف ضدّه) وحتى مقالتي التي تكرّمتْ بنقلها - كما يبدو - لأنني ذكرتُ فيها اسمها وأنها مصدر المعلومة بمرض الدكتور وفقدانه الذاكرة (؟!).. والحقّ يقال: فالدكتورة لوتس قامت بدور في إيصال المعلومة تعجز عن القيام به وكالاتُ الأنباء.. وأتمنى أن أجد تفسيراً لعدم الإشارة إلى الملف الذي تشرفتُ بافتتاحه بمقال كان عنوانه (فيما لم أستطع إلاّ.. شكراً مصطفى محمود) فالعنوان وحده يدلّ على الدوافع والأهداف التي تنأى عن كلّ ما هو دون الوفاء.. وللوفاء حقوقه التي كنتُ أتمنى أن تأخذ مكانها أكثر من هذا السياق الذي انتهجته المؤلفة في كتابها متعمّدة تكريس فكرة أن الجميع بات يهاجم مصطفى محمود ولم يقل خيراً في حقه غيرُها..!

وكنتُ سأحسن الظنّ وأتصوّر أنّ كتاب د. لوتس كان قد اكتمل قبل صدور العدد الخاص من (الثقافية).. ولكن.. لم أستطع تمرير هذا التبرير على ظني وأنا أقرأ إشاراتها إلى العدد الخاص من (الشموع) الصادر بشيء من (التزامن) تقريباً مع العدد الخاص الذي أعددته للثقافية..

ومن جهةٍ أخرى، أستغربُ كيف أنها أوردت مقالات قديمة عن مصطفى محمود كتبها راحلون أمثال: كامل الشناوي، ولويس عوض، وعبدالرحمن الشرقاوي ، ومحمود أمين العالم (المتوفى مؤخراً رحمة الله عليه) وغيرهم.. من دون أن تصطفي (بعض) تلك المقالات و(تنقّيها) من الخلافات التي انتهت وانتهى وقتها إلى غير رجعة، فإن كان ذلك من أجل تكريس (لفت الانتباه).. فالرجل كان وسيظل مصدراً مهماً للانتباه والمعرفة، ويبقى التوثيقُ متروكاً للمخلصين..

أقول: كنتُ مستغرباً هذا الاضطراب في مجمل مواد الكتاب، حتى انتبهتُ إلى (المقدمة) التي جاءت بقلم نوال مصطفى (رئيسة تحرير سلسلة كتاب اليوم) متصدرة الصفحة الأولى من الكتاب بعنوان (قبل أن تقرأ).. تقول نوال مصطفى: (هذا الكتاب ليس مجرد سرد للسيرة الذاتية لحياته العامرة بالأحداث الجليلة، إنما هو كتاب يحكي قصة علاقة إنسانية عميقة بين المؤلفة الدكتورة لوتس عبد الكريم وصاحب موضوع الكتاب الدكتور مصطفى محمود. فالمؤلفة أتيح لها أن تتعرف عن قرب على هذا العالم والمفكر الجليل، فالتقطت بذكاء هذه الفرصة ولم تضيّعها). هذه السطور وضعت النقاط على الحروف في توصيف الكتاب، فمن يقرأ الكتاب من دون المقدمة سيظنه غير ذلك..!

وتقول نوال مصطفى في ختام المقدّمة الموجزة: (..واختارت المؤلفة أهم المقالات التي كُتبتْ عن المفكّر الكبير بأقلام مصريين وعرب قالوا خلالها كيف أثّر فيهم مصطفى محمود..).

وهذه السطور أيضاً وضعت التوصيف الحقيقيّ للمقالات المجموعة في الكتاب (والتي من حظ مقالي أن كان أوّلها!) فلولا هذا التوصيف كانت ستؤخذ على أنها مجرّد (ردود فعل) لمقال الدكتورة لوتس.. ولكنّ ذلك يلفت انتباهي إلى شيء آخر، يذكّرني بمقابلة بثتها (إذاعة الرياض) الأسبوع الماضي مع الدكتور محمد بن سعد بن حسين (حول قاموس الأدب الذي أعده حمدي السكوت) استغرب فيها بن حسين إصرار الإخوة المصريين على وصف كلّ من هم غير مصريين ب(العرب) فيقولون (هذا مصري وذاك عربي!) فكأنما المصريّ شيء والعربيّ شيءٌ آخر..!

ولا أريد أن أخوض في هذه المسألة هنا، ولكني أستغربُ مع بن حسين.. ومما زاد استغرابي أنه لم يكن بين المقالات التي اختارتها المؤلفة للكتاب أيّة مقالات لغير مصريين سوى مقالتي، ومقتطف من حوار -خلافيّ- مع المفكّر السوداني محمود طه (الذي أعدم سنة 1985 بتهمة الرّدة).. فإن كنتُ أنا (وحدي) المقصود بصفة (العرب) ممن (قالوا كيف أثّر فيهم مصطفى محمود) فهذا يجعلني أصفِقُ كفاً بكف حزناً على إغفال (ملف الثقافية) الذي حرصتُ على إثرائه بمقالات لكتّاب (عرب) كبار، من السعودية والعراق ولبنان وسوريا وفلسطين والمغرب (بالإضافة إلى مصر طبعاً) قالوا وأحسنوا القول عن تأثير مصطفى محمود فيهم .. وكم كان ذلك سيغني الكتاب، لو اختارت المؤلفة أن تضمّن كتابها ببعضٍ منه..

غير أني الآن لا أستطيع إلاّ أن أقول: تحية للأستاذة نوال مصطفى على التقديم المختصر والمفيد جداً لهذا الكتاب؛ ورسالة شكر وعتب للدكتورة لوتس.. وكلّي ثقة بأنها ستأخذ مقالتي هذه بحسن نية وحسن ظن؛ وأقول ختاماً: إن كلّ ما ذكرته هنا لا ينتقص من أهمية كتاب (مصطفى محمود وسؤال الوجود) ولكنه مجرد محاولة لتحريض مؤلفته القديرة لوتس عبد الكريم على إنجاز كتابٍ آخر أكثر شموليةً وإنصافاً وتوثيقاً لمآثر مصطفى محمود الذي نتفق تماماً على مكانته في عصرنا وذاكرتنا وقلوبنا، فلو كنتُ أملك الإمكانيات التي تملكها د. لوتس.. كونها الناشرة والصحفية والمؤرخة والمقرّبة من الدكتور مصطفى ومكتبته وأرشيفه وعائلته الكريمة، لما ترددتُ في القيام بهذا العمل الذي ينتظره كلّ مثقف ٍعربيّ..

الرياض f-a-akram@maktoob.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة