Culture Magazine Thursday  19/03/2009 G Issue 275
فضاءات
الخميس 22 ,ربيع الاول 1430   العدد  275
مداخلات لغوية
أنائب فاعل هو أم فاعل
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

حين تقول: ساعد زيدٌ عمرًا، ترى أن الفعل ساعد يتحدث عن زيد وعلاقته بعمرٍو؛ فزيد فاعل لفعل المساعدة، وعمرٌو مفعول به لفعل (المساعدة)، ولكن هذه الجملة قد تحوّل بما يغير أحكامها، وذلك حين يحذف الفاعل، ويغير بناء الفعل ويسند إلى ما كان مفعولا به فيرفع. تقول: سُوعِدَ عمرٌو. فترى الفعل في هذه البنية يتحدث عن عمرو. ويستعمل الفعل بهذا البناء لدلالات مختلفة كالجهل بفاعله (سُرق المالُ) أو الخوف من القاتل (قُتلَ السجينُ)، أو الخوف على الكاسر (كُسرَ الإناء)، أو احتقار القاتل وتنزيه المقتول (قتل عمَرُ) إذ يكره ذكر المجوسي أبي لؤلؤة مع عمر في سياق واحد، أو شهرته (أُنزل القرآن)، أو الرغبة عن تحديده (يجب أن يُعالج الخلل) وكثر استعمال هذا في اللغة الحديثة حين يصعب تحديد المسؤول أو يكره التحديد وإلقاء المسؤولية على شخص محدد يخشى أمره. وكان النحويون القدماء يسمون الفعل المغير على هذه الهيئة الفعل الذي لم يسمَّ فاعله، وفهم المتأخرون منهم أن هذا يعني أن الفاعل حذف أو لم يؤت به، ولما رأوا المفعول به قد رفع، سموه نائبًا عن الفاعل، وهذه هي الوظيفة النحوية الوحيدة حسب علمي التي قيل فيها بوجود النائب. وهذا النائب اتصف بكل صفات الفاعل من إفراد الفعل له وتأنيثه إن كان مؤنثًا (هند سُوعدت) وإن تقدم على فعله ربط به برابط (الرجالُ سُوعِدوا) وأهم من ذلك أن الفعل قد أسند إليه. وعلى الرغم من كل ذلك سمي نائبًا عن الفاعل. والمتأمل في علاقة هذا المرفوع بالفعل المغيّر من أجله يجده قد اتصف بالفعل على النحو الملائم لعلاقته به، وهو الاتصاف بوقوع الفعل عليه، فالمرفوع في (سُوعد عمرٌو) كأنه فاعل لهذا الفعل من حيث اتصف بأنه مُساعَد، وكذلك في (هُزم العدو) كأنه فاعل من حيث اتصافه بالهزيمة، وهو بهذا قريب الدلالة من الفعل (انهزم العدو)، فنحن ندرك التزامًا أن الهزيمة من حيث التحقيق وقعت بفعل فاعل غير الفاعل الظاهر في الجملتين. وهذه الفاعلية التي نزعمها لهذا الاسم المرفوع بعد الفعل، لاتصافه به على نحو ما، هي فاعلية ظاهرية لا تمتد إلى العمق؛ لأن المتلقي يعلم أن الفاعل في الأصل غير هذا المرفوع بل هو الفاعل في الجملة الأصلية التي تحولت عنها هذه الجملة. وقد يقال إنا نعلم أن الفاعل المحدث الهزيمة في (انهزم العدو) هو القاهرهم الظاهر عليهم فهو المجبرهم على الانهزام، أفنعد هذه الجملة كالجملة السابقة مجهولة الفاعل والمرفوع نائب فاعل. أقول إن هذا الخاطر طاف في ذهن أحد اللغويين المحدثين وهو الدكتور مازن الوعر إذ يعد هذا الفعل وغيره مثل (سقط الحائط) من قبيل المبني للمجهول. وليس الأمر في رأيي كذلك؛ فالفاعل في (انهزم العدو) هو العدو نفسه، ولكن الفعل صيغ صياغة تعبر عن الانعكاسية، فالفاعل فعل الفعل في نفسه، فمعنى (انهزم العدو) هزم العدو نفسه. وأما سقط الحائط فأيسر من الفعل انهزم، ذلك أن نسبة الفعل إلى الحائط إنما هي من حيث اتصافه بالحدث، وباب المجاز في هذا واسع إذ نقول أتعبتني السيارة، وشقّ علي العمل، وبعُدت الشقة، وأعجبني الكتاب، كما ننسب إلى الأشياء أفعالا ليست أفعالا في حقيقتها إلا في أذهاننا مثل غربت الشمس، وانتهى الوقت وطال العمر. فهل يحق لنا عدّ نائب الفاعل فاعلاً، نعم ولكن يبقى القول بالنيابة عن الفاعل قولا فيه احتراز وتنبيه إلى أصل هذا المرفوع شكلاً المنصوب معنًى، والنحويون في إعرابهم لما ينصب مفعولين مثل: كُسي عمرٌو جبّةً، يعربون (عمرٌو) نائب فاعل، و(جبةً) مفعولا ثانيًا.وأراهم موفقين في مذهبهم.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الطائف - عصبة الأدباء الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة