Culture Magazine Thursday  19/03/2009 G Issue 275
فضاءات
الخميس 22 ,ربيع الاول 1430   العدد  275
عفواً .. إنها الحقيقة
أفطرتُ في (شقة) القصيبي
قماشة العليان

 

في بداياتي مع الكتابة، تعرفتُ إليه، لم يكن تعارفاً عادياً روتينياً مألوفاً، بل كان صادماً غريباً، وعبر بوابة (شقة الحرية)، روايته الأولى.. دستها لي إحدى الصديقات في حقيبتي بالخفاء، وهي تهمس: (رواية ممنوعة).. وبفرحة خفية، أخذتُ أقلّبها بين يدي بفضول.. فقد كان للفظ (ممنوع) أو (محظور من التداول) أو حتى (اعترضت عليه وزارة الإعلام) طعم ذا بريق جذاب، يجبرنا على قراءة الكتاب كله، من الغلاف إلى الغلاف، فننطلق لهثاً، نلتهم الصفحات، بحثاً عن هذا الممنوع المرغوب..

قرأتُ الرواية، وأنا أستشعر فيها بوحاً خفياً، يُصنفها في خانة (السيرة الذاتية).. دهشتي كانت بمثابة صدمة البداية.. فلم أكن أقرأ لأي كاتب سعودي قبل القصيبي.. صائمة عمداً، ومع سبق الإصرار والترصد، بعد أن تلوّثت ذائقتي بمحض الصدفة بإحدى المخطوطات والتي أُطلق عليها لقب (رواية)، وهي من فن الرواية براء، وكانت لأحد الكتّاب السعوديين، بعدها أدرت ظهري للرواية السعودية، حتى أعادني القصيبي إليها رغماً عن أنفي.. فلم أعرف عن المؤلف شيئاً على الإطلاق ولا جنسيته، حتى انتهيتُ من قراءة (شقته)..أعطتني صديقتي نبذة عن الكاتب بعد أن سألتها من يكون؟ دهشتي لا تزال ممتدة، وأنا أشهق بمعرفتي..

ترعبني تجربة الدكتور غازي القصيبي؛ شاعراً وروائياً ووزيراً وسفيراً ومتحدثاً لبقاً، يجتذب الجمهور، ويأسره بعفويته وعذوبته وبساطته.. يبدو ككائن خرافي، يمتلك عشرات العقول، ومئات الأيدي، فلا يمكن لمن يملك هذه الطاقة المُتجددة والعطاء المتدفق وغزارة التواجد، إلا أن يكون مبدعاً بحق..

لن نختلف حول رواياته، وهل تنطبق عليها فنيات الرواية وأسسها ومعاييرها، أم أن بعضها سير ذاتية، لم تتجاوز حدود عالمه الخاص، ودوّنها كما يُدوّن أي إنسان مذكراته..فلا يوجد إنتاج فني في العالم أم غير فني مُتفق عليه من الجميع، ليبقى لكل عمل ظروفه وخاصيته وذائقته المميزة، وبصمته التي لن تتكرر في عمل آخر.. ف(شقة الحرية) تختلف تماماً عن (العصفورية) و(الجنية)، وغيرها من أعمال القصيبي، وإن كانت تحمل سمة المؤلف وروحه التي استشفها من أسلوبه الساخر المرح، ونظرته الشاملة الواسعة وخوفه اللا مرئي من عالم آخر يحيطنا دون أن نراه..

رغم أن القصيبي أبدى رأيه في رواياتي ووصفها ب(الشعبية) وأنها تجذب من لا يقرأ للقراءة، فهذا شرف لا أدعيه، وتهمة لا أنكرها، فكما أنه (القصيبي) يسعد بانتشار شعره وشعبيته بين الناس، فهذا يسعدني، ويسعد كل كاتب وكل فنان عموماً..

الدكتور غازي القصيبي قامة شامخة وشخصية جميلة، تأسر قلوب من حولها بالتواضع والبساطة وخفة الظل.. راسلته في بداياتي، وقد توقّعت الإهمال وعدم الرد، ولكنني فوجئت بخطاب منه، يشجّعني ويثني عليّ ككاتبة وقاصّة مبتدئة، تخطو خطواتها الأولى في مشوار الأدب.

أحببتُ المشاركة في الكتابة عن القصيبي، ليس لأنه وزيراً أو سفيراً أو لأي منصب آخر من المناصب الزائلة، التي لا تدوم لأحد.. ومن يعرفني جيداً، يُدرك أن الألقاب لا تهمني أبداً.. ولكن وددتُ أن أسجّل لإنسانية هذا الرجل كلمة حق.. ولرهافة حسه وعطائه الأدبي المتدفق نظرة إعجاب.. ولتعدد أدواره في الحياة وشموليته الفذة كامل التأييد والمؤازرة من (صائمة) قديمة، (أفطرت) في شقته..

Komasha@yahoo.com الخبر

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة