Culture Magazine Thursday  25/06/2009 G Issue 289
أفق
الخميس 2 ,رجب 1430   العدد  289
مقاربة
الشاعر علي الحازمي في ديوانه (مطمئناً على الحافة):
بوح أثير يؤثث ليل حكايات الغربة ويساوق مفاتن الغياب

 

عبدالحفيظ الشمري

الشاعر علي الحازمي ينهل دائماً من معين حكاية العشق للمفردة الشعرية التي تثري مشهد القصيدة لديه؛ فهو المفعم دائما بتناول الجانب الشيق من حكاية الإنسان.. تلك المقاربة الواعية بين ما يعتلج في ذات الشاعر، وبين واقعه الذي يتجسد على هيئة حكاية أليمة، إلا أن الحازمي يستطيع كعادته أن ينتشل حكايتنا مع الحياة بدون ألم؛ ليزرع فيها روحاً حية، ومشاعر متدفقة بحبور الفأل.

ديوان (مطمئناً على الحافة) تستدرجك قصائده بإضاءة متوامضة تبدأ من حالة ذائبة في وجدان الإنسان منذ الأزل.. تلك التي تتمثل في علاقة الإنسان بالبحر حيث تأتي القصيدة الأولى (خذني إلى جسدي) على هيئة لوحة مؤثرة تكتمل عناصر جمالها وبهاء ألوانها كلما اقتربت منها، فاحصاً تلك الخطوط التي أتقن الشاعر الحازمي رسمها وتلوين مساحاتها؛ حيث ترى البحر وقد سكن الذاكرة، وأشعل في القصيدة روح الهيام، ولاسيما حينما تلفي المرأة وقد دخلت حالة من الكمال الوجداني مع رجل تفزعه الغربة ويزيد البحر أحزانه، ويجد في المرأة دفء علاقة حالمة:

(بحارة يسألون عن البحر

كيف لهم أن يعودوا

إلى ملحه

بعد تلك السنين

ماذا تبقى

لهم في مياهه

غير التماع الطحالب

والتعب المر؟!)

يعول الشاعر الحازمي دائماً على استدعاء الذكريات؛ فهي التي تكتنز الحنين إلى جمال سيرة تتماهى بمودة الماضي، وإلى وفاء مرحلة سخية من عطاء الحب، والوجد.. ذلك الذي وصفه الشاعر على نحو بديع في مجمل قصائده، وإن انتحت هذه الأصوات صوب ما هو حزين، أو غائر في معاناته، وشوقه.

تحتشد في هذا الديوان رسائل إنسانية معبرة عن تجاذبات وجدانية كثيرة تبدأ بعلاقة الإنسان مع من حوله من كائنات، وتجارب.. فهي القصائد الذائعة لمفاتنها على نحو قصيدة (دلني صوتي عليك) تلك التي تمتاح من قاموس حياتنا على نحو سيرة العلاقة بيننا وبين الطيور، والأحلام، والندى، والرمل وحكايات المدى؛ إذ يعمل الشاعر الحازمي أدواته في بناء صرح ممرد من كائنات الشعر الباذخ، حتى تصبح القصيدة في هذا الديوان بُعداً استنطاقاً حافلاً بمجد الكلمات.

تتفاعل رحلة البحث عن الذات من خلال قصائد الديوان.. تلك التي تستمد وجودها من وهج المعاناة، وتنز فكرة الشاعر الحازمي عادة من لواعج الوعي الذي يسكنه، ولا يقوى على مبارحته، أو إيجاد حلول ممكنة، فليس أنسب من القصيدة لتعلن تمردك، وعصيانك، وخروجك على قانون يصنع للقباحات مجدها، ويؤثث وعلى نحو صارخ للمساوئ أن تأخذ دورها:

(أصدقاؤك من بالغوا

في امتداح السنين

وسالت جداول أهدابهم

في مجاهل غربتها،

لم يحيدوا عن الفجر

حين أناروا مشاعل مهجتهم

ومضوا صوب فضتهم حالمين..)

القصيدة لدى الشاعر الحازمي موسومة دائماً بالحاجة إلى مزيد من فضاء التجلي، وسمو الأخلاق بحجم ذلك التعب الذي يشعر فيه، ويصوغ منه مفردة خطاب استقرائي يكاد يفقد وجوده اللطيف، والعفوي في ظل هذه المنغصات الأليمة التي يعيشها الإنسان، فلا شيء مؤهل لإدارة هذه الخصومة سوى القصيدة التي تسكن هذا الديوان، لتؤثث للقارئ مكانه، وتهبه من نحل الفأل، وعطايا الأمل ما يعيد للروح وميض البهجة الممكن.

****

إشارة:

مطمئناً على الحافة (شعر)

علي الحازمي

دار رياض الريس بيروت 2009م

يقع الديوان في نحو (108 صفحات) من القطع المتوسط


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة