Culture Magazine Thursday  25/06/2009 G Issue 289
الثالثة
الخميس 2 ,رجب 1430   العدد  289
إمضاء
إقلال واستقلال

 

** تتألم لهم - حد الرثاء - معظم كتاب الزوايا اليومية الذين يلهثون في حضور حقَّه الغياب، وتدرك أنه ابتلاء الظهور والقشور والاحتياج؛ يجبر من قدر ليهذر، ومن عثر لينثر، ومن غفا أن يسهر في النهار.

** وتصادف مقابلهم متمكنين يتوارون؛ فلا تحركهم نداءات ومطالبات؛ فكأنهم صخرة (أبي الطيب) التي هي ذاته المتخشبة لا تحركها الأماليد والأغاريد، والصبابة والربابة، وكذا نحس بالتناقضات التي أحست بها (الحوشانية)-يوما -؛ فلاهي شاءت من شاءها ،ولا التقت من جفاها، والكتابة عشق، والعلاقة قد تمتد بين القارئ والكاتب كعشيقين يلتقيان ويفترقان؛ فلا نفتأ نذكر ونتذكر ولو طوى الزمن بيننا وبينهم قرونا، ولو وضع حدودا وسدودا.

** والدكتورة لطيفة بنت عثمان الشعلان كاتبة وأكاديمية؛ تمتلك عمق الفكر، وثراء اللغة، وجرأة الطرح، وتميز الاستدلال والاستهلال، وبراغماتية الاستقلال والاستبدال؛ ترتاح لاسترخاء لا يقلقه التزام واهتمام، وقد تجد في اقتطاع وقت لنص شعري غير مشهور ماهو أجمل من أن تهدره في نقاش الحالة اللبنانية أو الأسلحة النووية الإيرانية، وحين تتابع فيلما بالأبيض والأسود بين أطفالها فإن ذلك يعني لها بعدا معرفيا لا يحققه لجج الحداثة وما بعدها وما بعد البعد وما يصنعه البُعد.

** دكتورة في علم النفس؛ نوعت دراستها العليا بين السعودية وبريطانيا، وتفرغت للتدريس الأكاديمي، ولم يشغلها أن يسبق اسمها «ألف ودال»؛ فيكفي أنها هي، ويكفيها من يعرفونها ويعترفون لها، ولأنها ترتاح لما هي فيه فإنها تتعب الباحثين عنها، المصرين على وجودها، وقد نال كاتب الإمضاء من وعودها ما أطمعه فأمتعه حتى رأى أنه الخلق الجميل لا يرفض مثلما لا يرضى، بل إن هذه الزاوية كتبت مرتين حين خذلته التقنية؛ فلم تحفظ ما كتب، ولم يعتد المسودات؛ فعاد ليقول ثانية ما لم تستدعه ذاكرة، أو يعه ملف فعلينا التعب ولها العتب.

** لطيفة الشعلان تعجب ممن يقارن بين (عصفور من الشرق) و(موسم الهجرة إلى الشمال) و(الحي اللاتيني) ب(ليلة شتوية دافئة)؛ فيتصدى ناقد بدرجة (ألف دال) لدراسة (تشيُّعية) تنتصر للتوجه؛ ليندثر المشروع المنهجي أمام مصطلح أدبي عهدناه في زمن الردة الثقافية التي لا تأبه بمدخلات الوعي والعي، والتجاذب والتكاذب، والصوت الواهن والصمن المراهن، لكن لطيفة تناقش هذه المسافة بعنوان متفجر يقيس أبعاد الفوارق بين (لينين) و(نجيب الكيلاني).

** هكذا هي الدكتورة المتابعة بقرب، والنائية بدرب يستقل بها ويقلها في كل مقالاتها التي لم تأذن لها بعد بجمع، وإن أعفتنا (الشبكة العالمية) عن تسول وتوسل؛ فنحن نقرأ إذا أردنا ولو (بخل ذو فضل بفضله) دون أن يكون ذلك عارا كما كان وقت حكيم الشعراء.

** لم تؤلف إلا ما رأته وفاء لذكرى والدها (الشيخ اللغوي السلفي النجدي)؛ حين جمعت أحاديثه التنويرية التي كان يعدها ويقدمها من الإذاعة السعودية؛ وفيها تبشير لا تنفير، وترغيب لا ترهيب، وحوار مع المختلف، ورفق بالمؤتلف، وكم نأ سى أن لم نعرفه وسط المد المتشدد الذي قلب معادلات، وحرم معاملات، ثم اكتشفنا أنها معتدلة وأنها حلال، ولعل الاستقبال الجميل لكتابها عن أبيها يجعلها تلتفت إلى نتاجها دون أن تنتظر أبناءها ليقوموا بالدور عنها؛ فليس هذا الجيل مسكونا بهاجس التأليف والتصنيف.

** الدكتورة تلوذ بالدروس عن الطروس، وبالمآثر عن المنابر؛ فلا تكاد ترى في صحف أو مجلات أو منتديات؛ مطمئنة إلى مشروع الذاكرة الطويلة؛ حين يعرف الناس أن لطيفة الشعلان ما مرت بل استقرت.

** القمم لا تحتاج منائر.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة