Culture Magazine Thursday  28/05/2009 G Issue 285
مداخلات
الخميس 4 ,جمادى الآخر 1430   العدد  285
ضد الهراء مع الشعراء

 

مما لا شك فيه أن برنامج أمير الشعراء ملأ المقاعد الفارغة أمام الشعر والشعراء، وعزز ديمومة السؤال الشعري المتوالد، وإن كان بشكل سطحي ومحدود فيما أضاف البرنامج إلى القصيدة العربية، بعيداً عن الشيكات وصرر الدراهم الكبيرة، فهل يسعى (أمير الشعراء) إلى خلق ذهنية تنهض بالأداء الشعري الراهن؟

إنه من الحكمة تجريد البرنامج من صبغته المادية وتمييع فكرة الشيكات الكبيرة وإعادة النظر في اللقب المستهلك سنوياً والقابل لإعادة النسخ بشكل دوري على أساس مادّي يفوق أي اعتبار خلا صناعة المال، فاللقب كثير على (مليون) لأن إطلاقه بهذه الصورة الدورية من شأنه التسبب في نكوص جديد للقصيدة العربية ما لم يتم التدخل لصالح إثرائها من خلال تبني رؤية شاملة تثري الذائقة الجماهيرية وتخلق فرصة تعارف حقيقية بين الجمهور والقصيدة المثقفة.

إذا ما نظرنا إلى أداء البرنامج الشقيق لأمير الشعراء وهو (شاعر المليون) فإننا نجد معيارية مغايرة وموضوعية - إلى حد ما - بالنظر إلى الحكم الجماهيري إزاء النصّ النبطي أو الشعبي، وهذا لا يصلح في حالة النص الفصيح لأن اللغة العربية الفصحى ليست في متناول الأذهان الشعبية لدرجة تتيح لها أدوات تقييم نص شعري مثقف يعتمد أدوات إبداعية معاصرة وإن كان هذا النصّ لا يزال غائباً في رأيي عن المسابقة وأعتقد أن هذا الغياب يراد له من خلال إقصاء مشاركات تتضمن نصوص جديرة بالتبني وجديرة ببذل جهد من قبل البرنامج لإيصالها إلى الجماهير، هنا أنا أتحدث عن نصوص شعرية تم رفضها ولم تتأهل إلى مسرح شاطئ الراحة، ولا أعزو رفضها إلى قلة دسمها الفني أو الثقافي لأنها تنضح بما فيها ولا أعزوه أيضاً إلى استعصائها على أذهان السادة الأكاديميين أعضاء لجنة التحكيم، لكن ربما يكون الإشكال في تقديم مادة شعرية جديدة إلى الجماهير ليست معتادة عليها مما قد يتسبب في (لخبطة) في الحسابات المالية لعائدات الرسائل القصيرة الهائلة تعكس اهتمام البرنامج بالshow أكثر من الأداء الثقافي للقصيدة وهذا الاهتمام يتجلّى في تسرّب نصوص غير شعرية حقيقة ولا تمتّ إلى الشعر بأدنى صلة ولا تتم إجازتها طبعاً لكن اللجنة لا تألو جهداً في تعزيز فكرة الshow بالنيل من هذه النصوص بشكل قاسي حد وصفها بال(هراء) أمام العدسات.

سمعنا الكثير من الهراء الذي أجازته اللجنة في النسختين الأولى والثانية لاعتبارات الshow ونشهد في هذه النسخة إقصاء لنصوص لا تفي بالغرض المطلوب من الفرقعة الإيقاعية أو المكياج الغنائي ربما لم ترق للّجنة لأنها قد تقلل من ولع الجماهير والتي أراها السبونسر الوحيد غير المستفيد من هذا البزنس، النصوص التي لم تجزها اللجنة أصحابها نالوا جوائز عن نصوص من نفس قماشتها الشعرية، النصوص المرفوضة قصائد تفعيلة بالطبع لكن تعتمد تقنيات سردية ودرامية ومعالجات شعرية بأدوات نثرية دون المساس بالشرط الإيقاعي الواضح للنصوص المتقدمة للمسابقة وهو أن تكون من عمود الشعر أو من التفعيلة حصراً، في إشارة واضحة إلى عدم الاعتراف بشعرية النثر الفني أو (قصيدة النثر) التي أحرص على تنصيص مسماها لئلا أبدو مارقاً في هذا العجاج التراثي.

هنا أتساءل لماذا بلغ الهراء مرحلة المائتين شاعر الواصلين إلى أبوظبي؟ وإلى متى سيبقى البرنامج على هذه النمطية؟ ولماذا نسمع نصوصاً متشابهة سنوياً ونتابع خلع لقب كبير على شاعر (عادي)؟ ولماذا لا نرى شعراءً كباراً يتدخلون في عملية تقييم النصوص؟ ولماذا التحكيم حكر على الأسماء الأربعة أو الخمسة التي كثيراً ما تُحكّم بين النصوص على أساس انطباعات شخصية؟ لا بأس من أن يكون هناك انطباع شخصي مختلط بشيء من الأكاديميا الشعرية، لكن أليس من الكوني أن تتنوع الانطباعات حيث إن الأكاديمي ثابت؟ ولماذا لا تتغير اللجنة بشكل دوري لنرى عبد العزيز المقالح ويوسف أبو لوز ونزيه أبو عفش وشوقي بزيع وعلي جعفر العلاق وسميح القاسم على الجانب الشعري وصبحي حديدي ومحي الدين لاذقاني ومحمد العباس وجابر عصفور والغذامي وكمال أبو ديب على الجانب النقدي؟

بما أن هذه الأسماء هي أسماء مقروءة فقط سيكون من المثري جداً للأداء الشعري والثقافي منحنا فرصة سماعها في كل موسم بالإضافة إلى الكثير من الأكاديميين والنقاد الذين يمكنهم توسيع رؤية البرنامج إلى زوايا مفتوحة وفضاءات إبداعية أكثر عمقاً، بدلاً من توجيه الذائقة باتجاه واحد ينسخ نفسه ويكاد يكمل دورته القصيرة والضيقة في الفلك الشعري، فضلاً عن أن الشعر العربي هو أعظم رافد جمالي للثقافة واللغة العربيتين ويجب أن يقول الكبار جميعاً كلمتهم في إطلاق أي لقب تعميمي على الأقل حتى نقتنع بأحقية اللقب بمعزل عن الشيك الكبير.

د. براء العويس شاعر سوري

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة