Culture Magazine Thursday  28/05/2009 G Issue 285
قراءات
الخميس 4 ,جمادى الآخر 1430   العدد  285
الأدب والفن ودورهما السياسي والاجتماعي
عدنان مكية

 

مما لا شك فيه أن للأدب والفن دوراً كبيراً في تشكيل وعي الجماهير وقيم المجتمع يكاد يوازي دور الدين، وخاصةً مع تطور وسائل النشر والاتصال بحيث أصبح من الصعب على أي كان ضبط هذا الدور ومحاصرته أو تجاهل تداعياته، وإذا كانا يلعبان دوراً إيجابياً في الغالب بالمجال السياسي فكل ما يقدم ليس عليه محظور حتى لو كان سلبياً لأنه إما يكون متهافتاً بذاته فلا يأبه له أو يكشف لنا مواطن ضعفنا والثغرات الموجودة لدينا، كذلك يفيدان في تطوير أفكارنا من خلال تنوّعها وتلاقحها لتغتني معرفتنا وتزيد قدرتنا على اتخاذ القرارات الأنسب والأفضل لنا وللآخر.

لكن في المجال الاجتماعي إن على مستوى القيم أو العلاقات فإن لهما تقييماً آخر ربما يجب الحكم عليه من النتيجة لا من المقدمة، فإذا كان دور الأدب تقلص وما زال يتقلص في العقد الأخير نتيجة لسيطرة الإنترنت والبث الفضائي على المجال العام للمجتمعات كافة مما وسع بالضرورة دور الفن إلى حد كبير، وإذا كان لهما تأثير على الكبار فإن التأثير الأكبر هو على الصغار والمراهقين لحساسيتهم وفرط مشاعرهم واندفاعهم والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فنحن نرى تأثرهم بالمسلسلات التلفزيونية بتبني بعض الألفاظ وخاصةًً المسفة أو تقليد كثير من الفنانين بشكلهم وهواياتهم وباتخاذهم مثلاً أعلى لهم، وما إطلاق النار في المدارس الأمريكية وانتشار الجريمة وارتفاع نسبة العنف إلا نتيجة طبيعية لتأثر المراهقين بأفلام الأكشن الهوليودية التي تغزو الشاشات الكبيرة والصغيرة منذ عقود من الزمن وألعاب الكمبيوتر القتالية التي يدمن عليها الأطفال لتستمر معهم حتى المراهقة وربما أكثر، وما زيادة حالات الاغتصاب وانتشار الخلاعة والميوعة الأخلاقية إلا نتيجة طبيعية أيضاً لتأثر المراهقين بمشاهد الإثارة الجنسية في تلك الأفلام وغيرها أو بالمسلسلات والتي تخاطب أغلبها الشهوات فحسب دون أي فائدة تذكر لها، والتي تبث على مدار الساعة في المحطات التلفزيونية، والخطر يكمن في عدم تمكننا من وقف العدوى من المشاكل التي سوف تصل إلينا نتيجة هذا الانفلات، بحيث تجاوز مقولة الفن للفن والتي قدِّم ويقدَّم باسمها الغث والسمين لتصبح المقولة الجديدة الفن للتدمير، صحيح أنني لست مع مقولة الأدب أو الفن الملتزم لأنه يقولب الإنسان ويعلبه ويشوّهه بطريقة أقل ما يقال عنها أنها سيئة، وإن كان قدم تحت اسمها أعمال جيدة جداً حتى لا نجمل المفصل لأنه كما يقال الحكم على التغليب، ولست مع وضع رقيب يشابه السياسي في بلداننا، لكن أيضاً لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي حيال هذه التطورات الخطيرة التي سوف تعصف بمجتمعاتنا عاجلاً أو آجلاً، فإذا كان الموضوع من الناحية الأخلاقية فيه أخذ ورد بين مؤيّد ومعارض حسب درجة قربه وقناعته أو بعده عن القيم القارة في مجتمعاتنا ورفضه لها، فإنه من ناحية تأثيره بتشويه نفسية الأطفال والمراهقين والتي تجعلهم أكثر ميلاًً للعنف مما هم على استعداد له أصلاً لا يمكن أن يختلف عليه اثنان، صحيح أن الحلول ليست بسيطة ولا هي في متناول اليد ولست أدّعي أنه لدي طريق لذلك ولكن لا بد من تضافر جهود المثقفين والسياسيين أفراداً وقوى وكذلك قوى المجتمع المدني بالبحث عن طريقة عملية في مواجهة هذا الانفلات والتصدي له، وكما يقول المثل الشعبي (قبل أن يقع الفأس في الرأس)، وخصوصاً أن ما يجعل مجتمعاتنا فيها بعض القدرة على التماسك والاستمرار هو وجود بعض القيم الإيجابية التي تدعم ذلك، رغم التشوّه الكبير الذي أصابها نتيجة أخذ بعض مظاهر التغريب دون أخذ القيم والمؤسسات الحاضنة أو المنتجة لها.

- سورية

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة