Culture Magazine Thursday  31/12/2009 G Issue 292
فضاءات
الخميس 14 ,محرم 1431   العدد  292
الصحافة الثقافية
محمد الرطيان ومشاري الذايدي – نموذجا
لمياء السويلم

 

في المحور الثاني من هذا المبحث كان التقديم للمقال بوصفه عاملاً مهماً إن لم يكن الأهم في إقبال القراء على الصحف في حالة قياس مع الإنتاج الثقافي عموماً والأعمال المنشورة في الصحافة الثقافية خصوصاً، وهنا في المحور الثالث يتعرض المبحث إلى نموذجين من كتاب المقال، الأول يمكن درجه تحت السقف الاجتماعي والنموذج الثاني تنصب عناوينه في الشأن السياسي غالباً.

مجموعة جمل قصيرة كأنما اقتبست عن رواية رائجة تجد كل هذا التفاعل والقبول والسعي على فهمها وتؤيلها أيضاً بالرغم من مباشرية الترميز وشيوعه هو ما يمكن أن يصف مقال محمد الرطيان، هذا وإن حذف عن بعض الجمل اسمه ربما لن يوجد من يحتفي بها بذات الطريقة وهو ما لا يعيب النجاح كما يسود المعتقد بل مما يزيد من أهمية الكاتب، ذلك لأن اسمه حقق لدى القارئ من المصداقية في التعبير عنه ومن الألفة النفسية معه كعضو في المجتمع ما يجعله يقرأ المقال كما لو أنه يتحدث عن نفسه، فهل يشكل الرطيان مجرد متنفس بذائقة أدبية ولا يحقق وعياً كمهمة أولى لكاتب اجتماعي؟ ربما وربما يفعل، لكن ما لا يمكن هو الحكم بالنتيجة إلا بعد مرور زمن يسمح بأن نعرف هل انزلق قراؤه لدائرة السخرية السلبية بوصفها أحد أكثر الانطباعات عنه أم تعلموا التحايل على الهم بكلمة موجزة وحكم شعبية، والسؤال الأساس: لماذا يأخذ الرأي المختوم باسم الرطيان هذا القبول والتزكية وهو الذي قد يكون رأي الآلاف سواه، أي أنه ليس جديداً على الدوام بل لربما كان تقليدياً ومكرراً بدرجة ما ورسمياً في درجات أخرى، الآن القارئ فرد من هذا المجتمع الذي يميل إما إلى التقدير المفرط للذات المشهورة أو إلى الهجوم القاذع اللاذع، ربما كان في هذه المسلمة القديمة السبب وقد تمكنت مؤخراً كنمطية بعد هذا الظهور الحاد للتيارات المتضادة في لحظة تاريخية جداً على العقلية الاجتماعية ما رسخ الطرفية في تعامل الجمهور مع المشهور، ولكنها أيضاً ليست كافية لتفسير نجاح بهذا الحجم، لأن الكاتب لم يعد كما في السابق محصن ولا تنكسر هالته إذ يكتب من حيث لا يستطيع القارئ أن يخرج عليه ولا يملك الرد أيضاً، ولأنه كذلك زمن ريادة المقال بامتياز في التوقيت الصحفي السعودي، فالكل يكتب اليوم حتى رسامي الكاريكاتير ومحرري الإعلانات، والكل بما يعنيه الكل دون استثناءات هو الذي لا يقبل أياً من التفاسير السابقة ولو صحت كأسباب للقبول الذي يجده الرطيان قياساً مع البقية، ولم يعد مقبولاً أيضاً تحليل نجاحه بأنه (حالة) لأن ليس في ذلك إلا رغبة في إلباس نتاج جده وجهده ككاتب بالغموض، في عجز واضح عن القدرة على دراسة ذهنية القراء كيف ولماذا ومتى تختار مقروأها، فالإعجاب الذي دائما ما يخلق تبعية قوية وهالة حول صاحبها يفسر هذا الاحتفاء بنتاجها لكنه تفسير يفتقد للقيمة المطلوبة طالما عجز عن معرفة السبب الأهم لماذا وكيف تأسس جمهور الرطيان بما يبلغ ستين تعليقا تزداد كثيرا وقليلا ما تنقص على المقال الواحد، رغم أنه ككاتب بعيد بدرجة واضحة عن استفزاز أي تيار ذلك الاستفزاز الذي يحقق فيه الغالبية من كتاب المقال جمهرة التعليق عليهم.

أما النموذج الآخر فهو كاتب المقالة مشاري الذايدي، الذي يتميز باتساع الأبعاد في طرحه، والعنوان السياسي رغم انغلاقيته الموضوعية في الغالب تجده ينفتح في مقال الذايدي على التاريخ كعمق زمني أو على الأفق الجغرافي كامتداد يفسر الحدث، وإن كان ليس من الجديد تداخل الزمان والمكان كبعدين في العلوم السياسية فإنه من الثقة في الرأي طرحهما بإدلالات قصيرة داخل مقالة متوسعة كما لو كانت جمل عرضية، الضبط اللغوي على مستوى الأسلوب وثباته أيضاً لا يشكل فارقاً مهماً إذا ما كان الحديث عن دراسات أو بحوث علمية أو حتى كتب ثقافية، لكنه يمثل أهمية أعلى في هذا النموذج للمقالة السياسية من حيث هي مقالة أسبوعية تخضع لأثر الحدث بشكل مباشر كيف لا وهو حدث سياسي ينتهي بالنشر في صحيفة دولية بسياسة تحرير لا تخرج بأي حال عن قطريتها، فمن الصعب إن لم يكن من غير الممكن كشف أي توتر ولو ضمني رغم حساسية ردود الفعل التي قد تخرج من وعن المقالة، هذا وإن للعناوين التي لا ينسحب عليها المجال الرئيس للكاتب كبعض مقالات المجتمع، الثبات ذاته في الطرح من حيث انفتاحه كقراءة للواقع على عوامل فاعلة مختلفة جلية كانت أو غير مباشرة، وعلى الآثار الناتجة بتفاوت درجتها أو اتجاهها، ولا تخلو هذه المقالات من جملة أو اثنتين تحمل طابعها الشخصي ولو جاءت بصيغة أقوال مشهورة أو أمثال متواترة، إنه الطرح المتزن في كيفه وكمه غالباً، قد لا يقدم الذايدي أي رأي حاسم ويبقى يناور على خطه الذي لا يشجع أحد على مهاجمته أو التصفيق له، ربما كان ذلك خياره وربما كان هو الممكن أمام سقوط الأساليب الأخرى، هو يتحيز ككاتب كثيراً إلى التحليل المتسلسل والتزويد المعلوماتي بنقاط مركزة ومسخرة طبعاً لرأيه، يضيف سخرية لا تزيد عن كلمة لا جملة، ويبقى حالة صلح جماهيري يقرأ له وإن لم يعلق عليه، وهو إلى جانب الرطيان كنموذجين لكتاب المقالة وبالقياس عليهما يمنحان دلالة ما إلى معادلة القراءة في هذا المبحث بأجزائه الأربعة.

الرياض Lamia.swm@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة