Culture Magazine Thursday  31/12/2009 G Issue 292
فضاءات
الخميس 14 ,محرم 1431   العدد  292
أعراف
الشجرة (4)
محمد جبر الحربي

 

إذا بالشجر دارت عجلة الحضارة منذ القدم، فحافظ الإنسان بما يقطع ويصنع من الأخشاب على نسله وذريته (سفينة نوح)، واستغله مقيماً: (النار، والمأوى)، ومتنقلاً مرتحلا:ً (الدولاب والقارب)، ومتحضراً مدوّناً: (الورق)، وغير ذلك مما لا تحصيه موسوعة.

وفي الشجر أدوية وعلاج وشفاء، كما في العسل الذي ينسب في الغالب لشجره لا لنحله، ومن الشجر ما لا يثمر كالصفصاف، فيتخذ مثلاً لمن لا يرتجى منه خيراً من البشر، وفيه ما هو سام وقاتل كبعض أنواع التوت والفطر، ومنها ما هو فاتك مفترس، ومنها ما هو مخدر محرم كالحشيش، والأفيون، ومنها ما هو ضار كالتبغ، والقات، ومنها ما ينتج المطاط، ومنها ما ينتج الصمغ، ومنها ما ينتج اللبان.. ومنها ما يعدل المزاج، ويؤسس للتقاليد المتوارثة، كالشاي، والبن، وأنواع الزهورات، والنعناع وغيره. ومن المهم أن نعرج على البن هنا، بحكم أنه نتاج عربيّ يمني، فشجرة البن تكتسب أهمية خاصة في اليمن، وترجع شهرتها إلى أوائل القرن السادس عشر، والاستعمار عبر الشركات العابرة للمحيطات، الباحثة عن الخيرات في المياه الدافئة، وإلى ميناء المخاء تحديداً الذي يقع على البحر الأحمر غرب العاصمة صنعاء، الذي كان مركز تصدير أجود أنواع البن للعالم، ومنه جاء الاسم موكا، العلامة التجارية العالمية، والرمز لأفضل أنواع البن.

وبرغم التناقص المستمر في النباتات، بفعل تعدي الإنسان، يتجاوز عدد الأنواع المدونة في المملكة النباتية 550000 نوع، منها 230000 من النباتات المزهرة، وكاسيات البذور، التي تتشكل منها المحاصيل الزراعية، وأشجار الزينة، والأشجار المألوفة التي نعرف نزراً يسيراً منها وتنحدر من 300 عائلة شجرية تقريباً. وإذا كانت الصين أكبر دول العالم في تعداد السكان، فإن الصنوبر هو أكثر الأشجار تعداداً إذ يشكل ما يقارب 20% من أشجار العالم.

فسبحان الله كم هي بديعة مسالمة هذه الأشجار في نشأتها وحياتها وتنوعها واختلافها، وكم هي بديعة في مماتها حينما تموت واقفة ثابتة ثبات الجبال، أو حينما تندثر تحت التراب فتكون مصدر خير وإثراء وطاقة وحضارة عبر مخزونات الذهب الأسود، والفحم النباتي والحجري، أو حينما تتعدد فوائدها حسب منتجها، كما وقف على ذلك الإمام الشافعي -رحمه الله: حيث يُروى أنه جاءه بعض الناس، وطلبوا منه أن يذكر لهم دليلاً على وجود الله عز وجل، ففكر لحظة، ثم قال لهم: الدليل هو ورقة التوت. فتعجب الناس من هذه الإجابة، وتساءلوا: كيف تكون ورقة التوت دليلاً على وجود الله، فقال الإمام الشافعى: (ورقة التوت طعمها واحد؛ لكن إذا أكلها دود القز أخرج حريراً، وإذا أكلها النحل أخرج عسلاً، وإذا أكلها الظبي أخرج المسك ذا الرائحة الطيبة.. فمن الذي وحّد الأصل وعدّد المخارج. إنه الله سبحانه وتعالى خالق الكون العظيم).

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض mjharbi@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة