Culture Magazine Thursday  20/05/2010 G Issue 311
أوراق
الخميس 6 ,جمادى الآخر 1431   العدد  311
 
في رثاء الأحياء
طارق بن سعود السياط

إلى الذي على قيد الحياة لمّا يزل، ولديه ما لديه، بيد أنّه سيمسي عمّا قريب في ركب الراحلين.

أجدك تعلم أنّهم سيدبّجون فيك المرثيّات بأفخم المفردات، تماما فور مغادرتك، وسيؤبّنون سيرتك بكلّ ما أوتوا من فصاحة، ردحا من الزمن، وسيخلعون عليك أقشب الحلل.

وعلى وجه القطع، نحن ندرك، من جهة مقابلة، أي دهشة ستراودنا وقتذاك حالما يتكشف أنّنا ما كنا بك من العالِمين، ثم سننتهي إلى السؤال الهائل الذي مُقِضّ لمضاجعنا: أين كنّا عنك - ثكلتنا أمهاتنا - زمن حياتك المديدة؟ وعلامَ لمْ يُقيّض لنا تبيّنك قبل ذاك، على النحو الذي يتداولون؟ السؤال القاصم الذي مابرح يساورنا ساعة كلِ نعي لغائب عن دنيانا.

أيا أيّها الراحل الذي لا نعلمه، نسألك الله أن تبرز لنا حالا، مادمت لم تلبث على قيد الحياة.

بربك أين أنت الآن؟ ماذا تصنع يا مطمور السجايا؟ في أي ركن للحياة تنزوي؟ أي عظمة تحوز؟ ما خصالك التي جراءها سيفلتون لدموعهم العنان، ويدوّنونها كالمعتاد فوق صحائفهم بأسطر من يقين؟

لعمْري إنّنا لنؤمن بما سوف يذهبون إليه، فحاشا أن يتواطأ الناس على فرية، ولكن كل ما هنالك أنّ أرواحنا ظمأى لموافاة الكائنات البيضاء التي فريدة الوجود، قبل أن تبيت أثرًا بعد عين.

ألا فلتضع في علمك أنّك إن رحلت عنّا دون أن تميط اللثام عن كنهك، فغاية ما في الأمر أنّ الأمل الذي لنا سيترنّح لا محالة. أفتدري لِمَ ذاك؟

لأنّك طفقت تتوارى وقت أن كنت بين ظهرانينا إلى أن تلقفتك يد المنون، فتفتّقت عقب ذلك لآلئك الخبيئة من تحت ركام الأيام.

إنك سوف تغدو - على الأرجح - قنوطا يضاف إلى قنوط، يضرب أطنابه وسط أرواحنا، وينبئنا أنّ وحدهم الراحلين هم العظماء، وما عداه فكلا. وهذا أسوأ ما في الأمر. فما تقول حبا بالله؟

أتراك تكفّ عن الإمعان في شقاوتنا فتنثال علينا؟ أم هم يكفّون، فاسحين الدرب لبصيص من أمل كيما يتربّص في مرصادنا، ويُغدق علينا تفاؤلا نابضا بالحياة في زمن (الراحلين العظماء)؟

ts1428@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة