Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
فضاءات
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
مُعجَمُ (الربداوي).. صَيحةٌ في واد!(2-2)
عمر بن عبد العزيز المحمود

منهج الربداوي في هذا المعجم:

زاوج المؤلف بين المنهج (الإحصائي) و(الوصفي) و(التاريخي) في عرضه (للمصطلحات)، وتتضافر لديه هذه (المناهج الثلاثة) مُكللةً ب(المنهج الاستنتاجي) الذي يستنطق (النصوص)، ويستنبط منها (التعريفات) التي يصوغها بلغة (علمية) واضحة.

وهو حين يتعرض ل(مصطلح) ما فإنه يسير للتعريف به وفق خطوات (منهجية) كان قد حددها لنفسه في المقدمة كما ذكرت، فهو يعرف (المصطلح)، ويشرح معناه شرحاً سليماً دون إسهاب، ويترك لأصحاب المصادر (النقدية) و(الأدبية) أن يتكلموا بأنفسهم، معرفين (مصطلحاتهم) ب(لغتهم الخاصة)، كما أنه يترك (للقارئ) مشاركته في (دقة فهم المصطلح)، وهو يورد كثيراً من (الأبيات الشعرية) و(الكلام المنثور) شواهد لما يذكر.

رؤية نقدية للكتاب:

لا شكَّ أن الكتاب اشتمل على كثير من (الإيجابيات) التي استحق معها أن يصل إلى ما وصل إليه من (الأهمية) و(المكانة) لدى (الدراسين) و(الباحثين)، وإشارتي لهذه (الإيجابيات) لا يعني أنها هي الوحيدة، لكنها لبعض (اللمحات) التي أثارت الإعجاب:

1- (غزارة المادة) التي اشتمل عليها الكتاب، فقد حوى عدداً ضخماً من المصطلحات (النقدية) و(الأدبية) التي عرضت في تراثنا العربي جاوزت (500) مصطلحا.

2- (وضوح المنهجية) التي سار عليها المؤلف، سواء أكان ذلك في استخراج هذه (المصطلحات) وجمعها من (مصادر التراث)، أو في عرضها وتوضيح المقصود منها، فقد اتبع في ذلك نهجاً واضحاً فصَّله في (المقدمة).

3- ساعد هذا المعجم في لمِّ (شتات) كثير من (المصطلحات القديمة)، وأعان على (ترتيب) (الفوضى الفكرية) التي كانت تعاني منها (دلالات) هذه (المصطلحات)، كما أنه سدَّ (فراغاً هائلاً) عانى منه (تراثنا العربي) متمثلاً في (غياب) (معجمات المصطلح النقدي القديم).

4- أجاد المؤلف في استبعاد (المصطلح البلاغي الصرف)، و(المصطلح الأدبي والنقدي الحديث)؛ إذ إن تلك الأصناف بعضها يتميز بكثرة ما ألف فيه من (مصنفات)، وبعضها مستورد من (الآداب الأجنبية)، كما أنَّ ذلك الاستبعاد يجعل التركيز أكثر على (المصطلح النقدي القديم)، وبالتالي يقدِّمه بصورة أكثر تفصيلا ووضوحا.

5- لم يكتف المؤلف في هذا المعجم بإيراد (المصطلحات العربية)، بل أضاف إلى ذلك بعضاً من المصطلحات (الفارسية) و(اليونانية) الدخيلة في (التراث العربي) كما أفصح بذلك في (عنوانه)، وأنا أشاركه استحسان فعل ذلك لكي لا يفوت (القارئ) مثل هذه (المصطلحات) التي تعاملت بها (المصادر التراثية)، وتكررت أسماؤها على أقلام المصنفين العرب (مترجمة) أو (معرَّبة).

6- كانت (مقدمة) المؤلف ثرية وغنية بالمعلومات القيمة، وهي مقدمةٌ أفصحت عن عددٍ من (النواحي المنهجية) بدءاً من تحرير القول في تحديد مفهوم (المصطلح)، ومروراً ب(الاستقراء التاريخي) لنشأته وتطوره، وانتهاءً بذكره (للقواعد العامة) في (صياغة المصطلح)، وبيان (منهجه) في هذا المعجم القيم.

7- يساعد هذا المعجم الدقيق (للمصطلح النقدي القديم) على ترسية (الأسس السليمة) لوضع (معجمٍ للمصطلحات النقدية الحديثة)، كما أنه يُمهِّد لإيجاد (موسوعة مصطلحات لعلوم العربية المختلفة) كما يذكر المؤلف في مقدمته.

8- (وقوفه الطويل) عند (المصطلح) الواحد مبتغياً من ذلك استيفاء (التعريفات الخاصة) بهذا (المصطلح) أو ذاك للخروج ب(تصور) محدد وواضح له، فهو في كثير من الأحيان يفرد خمس صفحات أو ست للحديث عن (مصطلح) واحد.

9- (كثرة الشواهد) التي يأتي بها للإعانة على الخروج ب(مفهوم) واضح للمصطلح.

10- (تعدد) مصادره و(اختلافها) و(تنوعها)، فقد قاربت (240) كتاباً ما بين (مصدر) و(مرجع)، أفاد (الربداوي) منها في جمع (مادة) هذا المعجم وتحرير القول في (مصطلحاته).

وإن كان يحق لي أن أدون بعض (الملاحظات) اليسيرة على هذا العمل الضخم الجبار فهي بلا شك لا تنقص من (قدره)، ولا تقلل من (أهميته)، إنما هي بعض (الآراء الشخصية) التي خطرت لي أثناء قراءتي المتفحصة للكتاب:

1- اكتفى (الربداوي) أثناء استعراضه ل(تاريخ المصطلح) ب(القرون الثلاثة الأولى)، وكنتُ وددتُ لو أنه أتمَّ الحديث عن هذه القضية، ولكنَّ المؤلف على كل حال اعتذر عن ذلك بداعي أن (الوقت المفترض) لا يسمح ل(مقدمة نظرية) تتناول ذلك.

2- رأى (الربداوي) أنَّ (المصطلح النقدي) انحسر مدُّه في عصر (صدر الإسلام) لتراجع (الشعر) وانشغال الناس بالجهاد والفتوحات وب(المصطلحات الإسلامية)، وأرى أنَّ هذه (الرؤية) غير منصفة بعض الشيء، إذ إنَّ (الشعر) ظلَّ قوياً في تلك الفترة، لكنَّ (أغراضه) وُجِّهت (التوجيه الصحيح)، و(ألفاظه) هُذِّبت، و(معانيه) (تجرَّدت) من كثير من (التصورات) المخالفة للإسلام، ولذا فلم تُعدم تلك الفترة من وجود بعض (المصطلحات النقدية).

3- يُسهب (الربداوي) في أحايين كثيرة في عرضه للمصطلح، وهذا أمر حسن، لكنه يختصر أحيانا بعض (المصطلحات) بشكل مفاجئ يجعلك في حيرة تبحث عن سبب لهذا التفاوت في (تطويل) عرض ذلك المصطلح و(إيجاز) ذاك، ففي حين أفرد لمصطلح (الخروج) مثلاً قرابة ست صفحات تجده قد اكتفى لمصطلح (التشذيب) نصف صفحة فقط، وربما كانت (طبيعة) المصطلح تتطلب ذلك.

4- رغم أنَّ (الربداوي) استبعد في (المقدمة) الحديث عن (المصطلح البلاغي الصرف)، إلا أننا نجد في ثنايا كتابه (مصطلحات بلاغية) ك(السجع) و(الإدماج) و(الترصيع) و(لزوم ما لا يلزم)، ولكي لا نظلم المؤلف فقد ذكر في نهاية مقدمته أنَّ (القارئ) سيلاحظ تداخل بعض (المصطلحات البلاغية) في هذا المعجم، وأرجع سبب ذلك إلى ما تحمله من (خصائص) تجعلها ذات صلة بالمصطلح (النقدي) و(الأدبي).

5- كما لاحظتُ أنَّ المؤلف في معجمه قد أورد (مصطلحاتٍ) هي في الحقيقة (أغراضٌ للشعر)، ك(الاعتذار) و(الغزل) و(المدح) و(الهجاء) و(الرثاء).

6- لاحظتُ كذلك أنَّ الربداوي يقسم (المصطلح الواحد) إلى عدة أنواع، ثم يجعل كل نوع من هذه الأنواع (مصطلحاً) مستقلا، كما فعل حينما قسَّم (الخطابة) إلى (15) مصطلحا!

ومهما يكن من أمر فيظل هذا (العمل الموسوعي) الضخم (لبنة مهمة)، و(خطوة جادة)، في طريق التخلص من هذه (المشكلات)، وإزالة تلك (العقبات) التي تعترض (المصطلح) في دراساتنا (النقدية) و(الأدبية)، وأشير هنا إلى أنَّ هذا العمل الجبار ليس هو الوحيد (للربداوي) في هذا السياق، فقد ألَّف كتباً أخرى مهمة في هذا المجال، منها كتاب (كشاف العبارات النقدية والأدبية في التراث العربي)، الذي صدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عام 1420هـ 1999م، وكتاب (المعجم الشامل للمصطلح النقدي وروافده).

Omar1401@gmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة