Culture Magazine Thursday  21/10/2010 G Issue 320
فضاءات
الخميس 13 ,ذو القعدة 1431   العدد  320
 
(ما تبقى من أوراق محمد الرطيان)
شخصيات ثلاث تتقاسم رواية رفيعة المستوى
أحمد نواف الفهد الجربا

يقدم لنا الروائي السعودي محمد الرطيان رواية متميزة يتمكن فيها من الإمساك بخطوط السرد الروائي مشوقاً حتى النهاية، عندما يكتشف القارئ أن الشخصيات المتنازعة على جسد النص هي شخص واحد، هو في مبتدأ القص محمد بن سلطان آل وطبان، وفي شخصيته الثانية أبو معاذ الطائي، وفي حالة السرية الأخيرة فارس سعيد.

ولكل من هذه الشخصيات تاريخه الخاص، الذي يسوقه الروائي بمزيج من البراعة والسلاسة من خلال المعلومات المبثوثة عبر صفحات الرواية، لتتكشف الأوراق في آخر الأمر عن تناقض الشخصيات الثلاث وإنكار محمد الوطبان - الذي يتعمد الروائي الإبهام بأنه شخصية واقعية، إذ إنه يسخر في تصدير روايته بالذين يصرون على التفريق بين الخيال والواقع - لكل تاريخه المفترض في الرواية.

ولتبدأ مع محمد الوطبان، ابن (رفحاء) البلدة السعودية الوادعة في أقاصي الشمال. والتي دخلها العصر الحديث بقوة مع مرور خط أنابيب (التابلاين) لضخ النفط منها، وما تلا ذلك من قدوم الوجوه الغريبة من كافة الجهات والمناطق، مهندسين وعمالاً وإداريين، فلم تعد قرية ولم تصبح مدينة، مما جعل البطل يتناقض في موقع منها، فتارة يراها أمه، وتارة يراها حبيبته الاستثنائية، وتارة، وتارة يصفها بقسوة بأنها (فقمة) هذا الكائن الذي يعيش فترة انتقالية طويلة، فلا تعرف هل هو كائن بري أم بحري، فقد تغيرت (شوهتها أفكار الحروب وحروب الأفكار؟).

ويغادر الشاب اليافع ذكرياته الغنية والكثيرة في (رفحاء) دون أن تغادر هي سكنى أعمق خلجاته وقدرتها على شده بأقصى درجات الحنين إلى الشخصيات التي عرفتها طفولته، والتجارب الأولى التي خاضعها في التعرف الأول على الحب والأفكار والعالم لنتعرف إلى شخصيته الثانية، وهي أبو معاذ الطائي، عضو الجماعة المتطرفة، والذي دسه فيها الجهاز الأمني ببراعة، حتى كشف كثيراً من أسرارها وتسبب بالقبض على عدد من قادتها.ولكن كيف يعش الآن وقد أصبح مطلوباً من قبل الجماعة، ومحمياً من قبل الجهاز؟ لابد له من شخصية ثالثة هي فارس سعيد، الذي يعيش عذابات وحدته وقلقه من كل نامة داخل المبنى الذي أمن له الجهاز شقة فيه، ولكن تعرفه إلى سيدة القلب الفاتنة (تاء) يعيد جمع ما تبعثر منها، كما تعيد هي جمع الحكاية من الأوراق التي تركها عندها إثر غيابه الغامض، وهذه الحبيبة امرأة استثنائية بتناقضاتها، واستثنائية بهذا الحب الذي ملحته لهذا الشاب ذي الوسامة الهادئة، رغم رغبة الكثيرين من علية القوم والسادة الأثرياء في نيل مودتها، إلا أنها عندما لاحظت تجاهله لها، وانشغاله بمجموعة من الأوراق يقرؤها ويكتب عليها في المقهى الإيطالي بجدة، بادرت هي إلى اقتحام عالمه، لتبدأ بذلك علاقة حب غريبة وقوية ومتناقضة، كما هي شخصية (تاء) نفسها، وكما سنعرف بالتدريج عن محمد الوطبان (أبو معاذ) فارس سعيد...

تزعم الرواية أنها تسجيل أمين لأوراق محمد الوطبان، ويتخللها صراعه الداخلي مع ناقد قاس ينازعه توجيه السرد وكشف الحكاية، كتبت حواراته بلون مختلف داخل نص الرواية، لنكتشف أن تعدد الأدوار الخارجية للبطل أدى إلى تشظي عالمه الداخلي بين هذه الشخصيات الثلاث، وبين ناقد ساخر متطلب يسكنه كضمير مختلف بحيث لم يستطع حب كبير ومختلف كالذي عاشه مع (تاء) إنقاذه فاختفى دون أن يترك أثرا، إلا انه كان قد نسي كل شيء وعاد إلى حياة الجميع، متنكراً لكل ما عاشه من صراعات، كما يوحي البيان المزعوم الذي اختتمت به الرواية، وتعقبه كلمة (البداية)!

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة