Culture Magazine Thursday  24/06/2010 G Issue 316
فضاءات
الخميس 12 ,رجب 1431   العدد  316
 
أعراف
الحركة والسكون!!
محمد جبر الحربي

تعرفت على الدكتور عبد العزيز السبيّل منذ سنوات تقل عن أصابع اليد الواحدة وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، وجمعتني به لقاءات عديدة، وتابعت إنجازاته بتقدير كبير، وقد سحرني ببساطة وتواضع العالم، وأسرني بشخصية المثقف العارف الفاعل الحريص على الهوية واللغة، والمصلحة العامة قبل الخاصة، وأسرني بحماسة الوطني الملتزم الذي يفكر في مصلحة الوطن والمواطن قبل الكرسيّ الذي يرفع أناساً، ويخفض آخرين.

وقد وصلني كتابه الجديد «عروبة اليوم» عبر الصديق الشاعر عبد المحسن الحقيل، موقعاً بإهداء جميل يقول: «للمبدعين رؤاهم الثقافية أيضا.. ولعلها تتكامل مع هذه الأسئلة المطروحة». والحمد الله أنْ قضينا عمرنا نطرح الأسئلة نثراً وشعراً، ونحاول الإبداع بشكل ينسجم مع هذه الأسئلة والتطلعات، ويجعل لها معنىً وقيمة، فالشعر يسأل ويشير ويحيل ويكشف وينفع ويمتع، ويحفظ للغة نضارتها واستمراريتها، وللهوية خصوصيتها ومهابتها.

الكتاب مجموعة من الرؤى الثقافية أراد لها الدكتور السبيل أن «تكون جزءاً من لبنة تضاف إلى رؤى كثيرين، ممن حاولوا التفكير بصوت عال مع من حولهم».

قرأت الكتاب وكأنني أنصت لأفكار الدكتور وهي تتحدث إليّ بدفء وشفافية، وهي أفكار واضحة وجريئة، دونت بأسلوب سلس، أعجبني فيه وفيها تركيزه على الانفتاح على الآخر، والاستماع إليه، مع الحفاظ على الثوابت، واحترام الرؤية المخالفة.

من هذه الأفكار ما يتعلق بالقضايا الثقافية العربية بشكل عام، ومنها ما يتعلق بالجانب المحلي الخاص، وبين الخاص والعام علاقة جذرية يسعى السبيِّل لتعميقها، وقد أوجز بعض أفكاره في هذه النقاط:

- التغيير الذي يُراد به مصلحة الوطن، يحتاج قبل أي قرار سياسي إلى فتح قنوات الحوار وتبادل الآراء، خصوصاً مع الطبقات المثقفة على اختلاف تخصصاتها.

- إن الشرعية الحقيقية لأي نظام تنبع من اقترابه الشديد من هموم الأرض والإنسان، وتمثله لمصالح الوطن الحقيقية.

- إن الوطنية الحقة لا ترتبط بالموقع الرسمي، ولا يمكن الجزم أن الأنظمة الحاكمة أكثر وطنية وحرصاً على الوطن من المواطن نفسه.

- عندما يتفق السياسي والمثقف فإن الخاسر الحقيقي هو المجتمع.

وأقول: لو كتبت هذه الآراء، التي يدفعها شعور وطني قوي، في الثمانينات لما رأت النور، لكنها اليوم تشهد على تغير كبير نحو الأفضل، تغيير يفتح الباب للنقاش والحوار والاستماع والإبداع، وكل ذلك يدفع بالوطن نحو مكانته التي يستحقها كموطن رسالة ولغة، وموطن شعر وحضارة.. بل حضارات.

من «الواقع الثقافي والعولمة»، و»ثقافتنا والعصر»، وهما مقالان مهمان ليته يثريهما عبر كتاب مفصل، إلى «رحيل نزار» آخر مقال في الكتاب، إبحارٌ في السياسيّ والثقافيّ والشعريّ، وحتى في الهموم المتعلقة بالطفولة، يفتح به السبيّل أبواباً لمزيد من الأسئلة.. ويطلب مزيداً من الإضافات، ومزيداً من النوافذ المشرعة على الآراء المختلفة، والهواء الهواء لتتنفس العقول المعطلة.

وأرى هنا أنه كلما ازداد إيمان المرء ازداد حب الخير فيه للناس والوطن، وكلما ازداد علمه ومعرفته ازداد تواضعه لأن لا نقص لديه، ولا قصور يدفعه إلى التعالي على الخلق، وكلما ازداد أدبه ازداد تأدبه، وحسن خلقه وحديثه.. هذا ما أراه، لا تزكية، بل كشعور صاف تجاه السبيّل، ومجموعة من مثقفينا المميزين الفاعلين إيجاباً، تعرفهم بسيماهم، جبلوا على التواضع والحضور الموجب، دون تمظهر أو ضجيج، في ساحة هي في حاجة لنتاجهم عبر الإدارة أو عبر التدوين، وفي حاجة إلى آرائهم المحفزة للنقاش، المثيرة للجدل والاختلاف والإضافة، وليس للتصفيق فحسب.. وهم لا يقفلون أبواب مكاتبهم.. ولا يقفلون عقولهم أبدا!!

سيختلف أناس، وسيأتلف آخرون مع الدكتور عبد العزيز السبيل، لكن المفصل الحقيقي يكمن في الحركة والسكون، فقد حرك السبيل عبر موقعه ساحة شبه ساكنة، بل رجّها رجاً، نأمل أن لا تعود بعده إلى السكون والكساد، مع إيماننا التام بأن العمل الثقافي عمل جماعي لا مركزي، ولا فردي.

الرياض mjharbi@hotmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة