Culture Magazine Thursday  25/02/2010 G Issue 299
الملف
الخميس 11 ,ربيع الاول 1431   العدد  299
 
رجل مسؤول وملامح شاعر لا تخطئها اللحظة ولا تنكرها العين
طلال الطويرقي

أن تكتب عن شخصية تحبها فهذا فخ تقع فيه، خصوصاً حين تكون محاصراً بالحقيقة والحقيقة وحدها.

وحين تقول الحقيقة بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً فثق أنك تقول الحقيقة كاملة بلا مواربة وبحب الدهشة الأولى والدهشة الأولى فقط.

أن تبحث عن رجل لا تعرفه إلا من خلال نص شعري وتتفاجأ بحزمة من الدواوين تصلك على بريدك فهذا يدل على حسن اختيارك - والاختيار جزء من الثقافة كما قال الجاحظ مرة - ويدل على نبل شخص لا تربطك به إلا رسالة بريدية فحسب.

أتذكر هذا - وأنا بصدد الكتابة عن الشاعر إبراهيم العواجي شاعراً وإنساناً - مواقف لن يستطيع روايتها غيري، وأعتقد أن هذا جزء من التميز لشهادتي المتواضعة.

أول نافذة فتحتها باتجاهه عبر نص شعري شكل دهشة أولى لا زلت أحتفظ بمقاطع منه بعد مرور ثلاثة عشر عاماً يقول:

يا عازف الناي لحن الحب يطربني

وإنه منك يحيي جذوة النار

اسكب إذا الليل أضفى رعشة شجنا

وارسم على وجهه ألحان أقماري

إلى أن يقول:

ما عدت أخشى ركوب البحر منذ غدت

عيونها في صحاري العمر أنهاري

جريئة عذبة قد زانها خفر

هدباء كالليل تخفي سر أسراري

هذا النص ضمن مجموعته الصادرة عن نادي الطائف الأدبي (مد والشاطئ أنت) والتي كنت أبحث عنها بعد عرض موجز لها وكان على ما أذكر في ملحق صحيفة الندوة الأدبي.

لم أكن أعرف الرجل حينها وكان الشباب دافعاً بقوته والبحث عن الشعر والجمال في أوجه وواصلتُ البحث يعضدني قول الشاعر:

«لن تعرف اليأس روحي والشباب يدا»

بعثتُ له ما جاش في خاطري عن نصه ذاك ودهشتي بما قرأتُ ووصل البريد مترعاً بالشعر والجمال، حقيقة قدرتُ موقفاً كهذا ولم يبرح ذاكرتي لسنين قادمة، وشعرتُ أن ثمة إنساناً كبيراً خلف فعل كهذا.

عموماً مضت السنون والذكرى لا زالت تكبر في نفسي كلما وقع أي من دواوينه بين يدي، وقرأتُ إهداءه البسيط لشاعر شاب لم يعرفه وأظنه أيضاً لم يقرأ له نصاً ولو كان عابراً.

ثمة سمة لا تتوفر إلا في الرجال الذين يؤمنون بالوطن أولاً وبالإنسان ثانياً.

ثمة حس باذخ بالمسؤولية وشعور نابض بالوطن في قلب هذا الرجل وهو الرجل القائد المحنك والشاعر المرهف الحصيف.

لا أجيد كتابة المدائح بقدر وافر من المجاملة ولا بقدر قليل من الدربة لكن الحب والحقيقة والشعور بالامتنان لرجل عرفته عن بعد يجعلني أقول الحقيقة التي عرفتُ.

لقد شاءت الظروف والتقينا وظللتُ صامتاً - أتذكر ما مضى بهدوء مترف - مستمعاً لما يدور حولي، كنتُ حريصاً على أن أسمع أكثر مما أقول وأن أعرف الشخص الذي أمامي قبل أن أخوض غمار الحديث وأمسك زمام المبادرة، دار الحديث وكنتُ أصغي لرؤية عميقة لرجل صقلته السنون والتجارب، حاصره الحب فامتلأ حياة، وتقاطر الأحبة يبللونه بالحضور حتى بعد أن تخلى عن المسؤولية طوعاً ورغبة.

تحدث برؤية نافذة عن قناعاته في الإصلاح والتنمية والحوار الوطني وقضايا الوطن فوجدتنا نشترك في كثير مما قال وعرفته عن قرب، وعرفني أو هكذا أظن وأزعم.

لقد كانت رؤية حصيفة لا تتوفر إلا لرجل مجرب ومثقف امتلأ علماً فامتلأ وعياً بمعطيات اللحظة الراهنة وتقلباتها.

مررتُ به ووجدت رجلاً باسقاً يتخللك وينفذ - ببصيرة نافذة - إلى أقصى أعماقك وأنت لا تدري.

«يقرؤك ببساطة ويكاد يلمسك»

وجدتُ رجلاً لم يغره المنصب ولم تأخذه الأضواء بعيداً، ذلك أنه مؤمن بما يعمل باسم الوطن والوطن فقط.

رجل مثل الوطن وعاصر التنمية ووقف شاهداً عليها ومؤثراً في مسيرة عجلتها من خلال ما تقلد من مهام كثيرة لم تترك الشاعر يذبل في داخله، وظل الشاعر شاعراً وظل الرجل مثالاً للرجل الوطن بامتياز.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة