Culture Magazine Thursday  25/02/2010 G Issue 299
فضاءات
الخميس 11 ,ربيع الاول 1431   العدد  299
 
مداخلات لغوية
الضمير المستتر اختراع نحوي
أبو أوس الشمسان

القول المشهور أنّ الضمائر منها ما هو بارز، أي له تحقق لفظي وخطّيّ، ومنها مستتر لا تحقق له لفظًا ولا خطًّا. والضمائر البارزة: منها منفصل، ومنها متصل، وأما المستترة فمنها ما استتاره جائز ومنها ما استتاره واجب، ولا يعني جواز استتاره جواز بروزه، بل المقصود أنه في موضع يمكن أن يقع فيه الاسم الظاهر، مثل (زيد جاء) فالضمير في الفعل (جاء) جاز استتاره؛ إذ جاز أن نقول (زيد جاء أخوه)، وأما الواجب الاستتار فهو ما لا يقع الاسم الظاهر موقعه مثل (قمْ، أقومُ، تقومُ، نقومُ). وليس يشكل من أمر الضمائر عندي الضمير البارز المنفصل، وكذلك ضمائر النصب المتصلة فهي بحق ضمائر لأنها خلف من اسم ظاهر حذف من التركيب أو قدّم عن موضعه. أما ضمائر الرفع المتصلة فهي أحرف للمطابقة وليست بضمائر عندي، فحين تقول (قلتُ) فالمعنى المفهوم (قلتُ أنا) فالفاعل (أنا) وأما (تُ) فحرف دال على مطابقة الفعل للفاعل ولك أن تقدم الفاعل للاهتمام به (أنا قلتُ)، وهكذا بقية الضمائر، ولأنها علامات مطابقة كان الأصل أن تذكر مع الفاعل الظاهر، تقول (جاءوا المعتمرون) ولك أن تقدمه للاهتمام به (المعتمرون جاءوا)، ولك أن تترك المطابقة ما دام الفاعل متأخرًا فيتعين فاعله (جاء المعتمرون)، وهذا التجريد شاع في المستوى العربي الفصيح، أما لغة عامة الناس فتمسكت بالمطابقة إلى يومنا هذا، وسماها النحويون لغة أكلوني البراغيث.

أما الضمائر المستترة فهي أمر لا يؤيده الوصف اللغوي، وهو عندي اختراع اخترعه النحويون لمعالجة أحكام افترضوها، منها وجوب تأخر الفاعل عن فعله، وأنه متى تقدم زعموا أنه مبتدأ؛ ولذا احتاج الفعل بعده إلى فاعل، فالاسم (زيد) فاعل في (جاء زيد) ومبتدأ في (زيد جاء) فاحتاج الأمر إلى افتراض فاعل بعده فقالوا باستتاره، ومن هذه الأحكام عدّهم ما ذكرناه من علامات المطابقة السابقة ضمائر. وقد يقال إن هذا يشكل في مثل قولنا (أكرم زيد محمدًا فشكره) فليس من فاعل مذكور بعد الفعل (شكر) ولابد من افتراض وجود ضمير في هذا الموضع، والصواب عندي أن الفاعل محذوف اكتفاءً بذكره السابق فهو معهود عهدًا ذكريًّا، ويجوز عندي التصريح به (أكرم زيدٌ محمدًا فشكره محمدٌ). وإن يكن أمر الضمير الجائز الاستتار ما وصفت لك، فأمر الضمير الواجب الاستتار أوضح وأوجب أن يقال إن الفعل استغنى عن لفظ الفاعل بقرينة الحضور، فقولي (أقول) معناه: أقول أنا، ولكن حذف (أنا) اقتصارًا لأن الفاعل حاضر مدلول عليه بصيغة الفعل فما الهمزة- كما قال الكسائي- إلا أول الضمير (أنا) والنون في (نقول) أول (نحن) والتاء في (تقول) ثالث (أنت)، وفي خطاب المؤنثة والمثنى والجمع يحتاج إلى المطابقة (تقولين، تقولان، تقولون، تقلن)، والخطاب قياسه واحد إذ لا يقال بوجوب استتاره مع أشخاص وجواز بروزه مع غيرهم. والخلاصة أنه لا وجود لضمائر مستترة، ولا ضمائر رفع متصلة، ولم يبق لنا سوى ضمائر الرفع المنفصلة وضمائر النصب المتصلة، وأما ما يزعم بأنه ضمائر نصب منفصلة فليس كذلك فهي الضمائر أنفسها اتصلت بغير الفعل لتقدمها عليه لأغراض دلالية وبلاغية.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة