هذا هو إدوارد سعيد د. عبدالله الغذامي
|
كان إدوارد سعيد يمثل ضميراً انسانياً يمارس الاحتجاج ولكن بعقلانية. وهنا يجتمع الضمير الانساني والعقل المفكر وهذه سمة تتوفر لادوارد سعيد أكثر من غيره من نقاد خطاب الهيمنة اضافة الى أنه كان يعيش في وسط خطير جدا على المستوى الانساني والشخصي اضافة الى المستوى الفكري، فهو عمليا يعيش في نيويورك ويعمل فيها، وهو عربي فلسطيني ومفكر معارض وناقد جريء لكل ما تمثله نيويورك كمدينة وكمؤسسة وكبشر، بكل طبقاتها سواء من اليهود كتجار وكمفكرين وكغوغاء، وكان مهدداً تهديداً يوميا بأن يقع عليه اعتداء غوغائي في الشارع أو في المطار أو في المقهى، وهذا ظرف صعب جداً يجعل الكثير من الناس يتوارون ويتحصنون بالاختفاء أو المهادنة، أما هو فلم يتوار أو يهادن، وإنما جهر بالرأي والنقد والفكر.
يستطيع أي انسان أن يكتب في نقد الأنساق الثقافية الامبريالية وقد كتب الكثيرون من غير سعيد لكنهم لا يمثلون أبداً حالة كحالة ادوارد سعيد لأن الكتابة عنده ليست فكراً فحسب، ولكنها أيضا خطر شخصي وحياتي، فهو بهذا يواجه الظرف مواجهة سافرة، وكلنا يعرف ان محاضراته العامة في أمريكا كانت تواجه من المعارضين والمحتجين والمتظاهرين ضده وضدها أكثر مما تحظى بالقابلين والمستمعين، وهذه حالة نادرة جداً في حياة أي مفكر مما يشير الى هذه الشجاعة المعنوية والعقلية، مثلما يعطي نموذجاً انسانيا يتمثل في ان الانسان ليس ضعيفا إذا تسلح بالعقل، كما أنها تشير الى ان الانسان لا يحتاج الى قنبلة نووية أو الى رصيد مالي ضخم أو الى وجاهة قبلية أو عائلية أو سلطوية لكي يجعل صوته مسموعاً. يستطيع الانسان أن يفتقر الى هذه الأمور كلها، ومع ذلك يتسلح بالعقل وبالضمير فيكون أقوى من كل القوى وأكثر تحدياً من كل صخب الجيوش. هذه هي الخلاصة الرمزية العالية جداً لتجربة ادوارد سعيد وهذا ما جعله نموذجاً عالميا ليس في العالم العربي فحسب بل في الغرب ذاته في أوروبا وأمريكا وكذلك في الهند والصين وأفريقيا.
إن اسم سعيد علامة ثقافية عالمية لأنه لم يكن مفكراً وعالماً فحسب ولكنه ضمير انساني حي ومتحرك.. وهذا هو إدوارد سعيد.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|