الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th October,2003 العدد : 33

الأثنين 24 ,شعبان 1424

في مواجهة أساطير الغرب
البحث عن سرديات بديلة
في كتابه «الثقافة والامبريالية» راح إدوارد سعيد يؤكد على عراقة خانات الاحتجاج في الثقافة الغربية، فلقد كانت ثمة مناظر أوروبية حيوية يعود تاريخها على الأقل الى منتصف القرن الثاني عشر حول مزايا امتلاك المستعمرات وسيئاته، فقد وقف العديد من المفكرين والآباء من رجال الكنيسة مع حقوق الشعب الأصلانية وضد العبودية والاستعمار والانتهاكات الأوروبية، ولكن هذه المناظرة بقيت قاصرة كما يرى سعيد، لأنها كانت محكومة بالتناقض من جهة وبسياسة الكيل بمكيالين وبالمنظار الأوروبي كما يصر بعض المفكرين. فمن جهة وكما يرى ادوارد سعيد: كان ثمة اطار امبريالي متمركزاً أوروبيا وهو مقبول ضمنيا، وكان هناك قدر كبير من المناظرة غامضاً مبهماً، وكان أيضاً، ملتبساً، بل متناقضاً فيما يتعلق بالأسئلة الأعمق التي هي المقام الوجودي «الأنطولوجي»، إذا اجاز التعبير، للسيطرة الأوروبية على غير الأوروبيين. بكلمات أخرى لا تزال سائدة في الخطاب الليبرالي المغربي، يتخذ التحرريون «الليبراليون المغربيون» المناهضون للاستمعار الموقف الانساني القائل ان المستعمرات والعبيد لا ينبغي أن تحكم أو تحتل بشكل بالغ القسوة، لكنهم في حالة فلاسفة التقويم لا يجادلون في التفوقية الأساسية للانسان الغربي، أو في بعض الحالات للعرق الأبيض، أضاف الى ذلك ازدواجية المثقفين الأوروبيين.
عموما فقد كان المثقفون الأوربيون، كما كان توكفيل، بالنسبة للجزائر، ينزعون الى مهاجمة الانتهاكات التي تقوم بها امبراطوريات منافسة، فيما كانوا يقللون من شأن ممارسات امبراطورياتهم، أو يعذرونها ويبررونها» الثقافة والامبريالية، ص299.
في هذا السياق الذي ما زال يحكم الخطاب الثقافي في المغرب، يلح ادوارد سعيد على أمرين اثنين:
الأول: ان الامبراطوريات الحديثة تنسخ واحدتها الأخريات، فبعد ان تطلعت الشعوب الى أمريكا، في ظروف الحرب العالمية الثانية على أنها قوة مناهضة للاستعمار والامبريالية، فإنها سرعان ما حادت عنها لأنها أصبحت التعبير الحي للنزعة الامبريالية.
الثاني: أنه لم تتطور حركة مناهضة للاستعمار ذات أهمية في الحواجز إلا بعد أن كان القوميون قد أخذوا أولاً بزمام المبادرة في الأقاليم المستعمرة، وتبعهم المثقفون المهاجرون والناشطون.
يشيح ادوارد سعيد بوجهه عن ازدواجية المثقفين في المركز الحواضري في الغرب، ليولي اهتماما لنمط من الخطاب يمكن تسميته ب«الخطاب المهاجر المضاد» الذي يمثل بحق حركة الى الداخل الحواضري ساهمت وتساهم في زحزحة أساطير الغرب عن الآخر، بصورة أدق في زحزحة أسطورة الأصلاني الكسول «ابن البلد الأهلي» التي روجت لها سرديات الغرب ومروياته، سواء عن طريق الكتابة المباشرة كما يجسدها الاستشراق، أو عن طريق الرواية والموسيقى كما تعبر عنها الأعمال الروائية الكبرى في الغرب وكذلك العمل الموسيقي الكبير الذي تجسده أوبرا «عايدة» لفيردي.
في اطار الحركة الى الداخل، يتوقف سعيد عند عدة نقاط:
أولاً عند الخطاب المضاد الذي ينتهك حرمات الخطاب الحواضري في المركز الامبريالي، بصورة أدق، عند أعمال مثقفين من الأقاليم المستعمرة أو الهامشية كتبوا بلغة «امبريالية»، أو شعروا بأنهم مرتبطون عضوياً بالمقاومة الجماهيرية ضد الامبريالية، وأخذوا على عاتقهم المهمة التنقيحية النقدية الحاسمة للتعامل وجهاً لوجه مع الثقافة الحواضرية، مستخدمين تقنيات وانشاءات وأسلحة للبحث والنقد كانت ذات يوم مقصورة قصراً كاملاً على الأوروبيين.
ثانياً إن الرحلة الى الداخل، تمثل كما يرى سعيد، وفي اعتقاده، تناقضا أو تفاوتا لا يزال غير محلول داخل الثقافة الحواضرية، التي تعترف جزئياً بهذا الجهد وترفضه جزئياً عن طريق الاستدخال المجاني، وتخفيف درجة التركيز، والتجنب.
ثالثاً إن الرحلة الى الداخل تمثل تنويعاً شيقاً بصورة خاصة من تنويعات العمل الثقافي الهجين.
إن الرحلة الى الداخل تمثل في الواقع تناقضاً أو تفاوتاً غير محلول، هذا ما يؤكده أيضا الكثير من رموز الثقافة المهاجرة. من هشام جعيط في كتابه «أوروبا والاسلام» الذي يشتكي من النزعة الأبوية والأستاذية المتعالية للمثقف الباريسي الذي ينصب نفسه استاذاً متعالياً على كل العالم المتوسطي، الى محمد أركون الذي يؤكد على ان العلاقة الأبوية داخل الحرم الجامعي الفرنسي هي التي دفعته الى الهجرة باتجاه حواضر أخرى. وهذا ما يؤكده سعيد بتأكيده على أصالة المرحلة الى الداخل وشرعيتها، وعلى قيمة الخطاب المضاد الذي يتوسل «لغة امبريالية» ليساهم في غلغلة الخطاب الحواضري الذي تفوح منه نظرة امبريالية وعنصرية لا تزال سائدة.
وفي هذا السياق يدافع سعيد عن أصالة الخطاب المضاد فهو أبعد من أن يكون «تململات أصلاني كسول رازح تحت المراقبة الأبوية لشرطي أوروبي أمريكي» وأبعد من كونه «مجرد ردود فعل وانعكاس لهوية»، وفي هذا السياق يقف سعيد عند مجموعة من السرديات والمرويات المضادة وذلك انطلاقا من ان تاريخ الأمم هو سرديات ومرويات. إنه يقف على سبيل المثال عند جورج أنطونيوس في كتابه «يقظة العرب» الصادر أواخر عقد الثلاثينات من القرن المنصرم، وعند محمد العطاس، الأكاديمي الماليزي في كتابه «أسطورة الأصلاني الكسول، 1977م».
الكتاب الأول يندرج في اطار فلسفة الاستعمار، إنه يسرد وبصورة متقنة كما يقول سعيد بزوغ القومية العربية عبر سردية بديلة يمكن ان تقرأ كجزء من قصة عرفها المتلقون الأوروبيون معرفة جيدة، لكنها لم تكن الى ذلك الوقت معروفة جيداً من وجهة نظر أصلانية، وكان انطونيوس يكتب من موقع صراع سياسي جماهيري قائم، لا يزال العدو فيه واحداً! أوروبا والغرب. يقول سعيد: في عمل انطونيوس، تتقدم السردية من التبعية الدونية الى الانبعاث القومي، وتشكل الدولة المستقلة، والاستقلال الذاتي الثقافي في شراكة قلقة مع الغرب، وذلك كله بعيد أقصى البعد عن أن يكون قصة انتصاروية، في سويدائها.
يقبع، بوجه من الكلام، مركب متشابك من الأمل، والخيانة، والخيبة المريرة، ويحمل انشاء القومية العربية اليوم هذا المركب معه في مساره، أما على صعيد العطاس فهو يساهم كما يرى سعيد في فضح أسطورة الأصلاني الكسول التي روجت لها ثقافة امبريالية تبلغ رائحة أفلاسها السماء من منظور تاريخي. يقول سعيد: يزودنا العطاس بمنظومة بديلة عن معنى الأصلاني الكسول، أو هو بالأحرى يزودنا بمنظومة عن سبب نجاح الأوروبيين في التشبث بالأسطورة ذات المدى الطويل من الزمن، ذلك لأن أسطورة الأصلاني الكسول مرادفة للسيطرة، والسيطرة في العمق هي القوة وهذا ما تنافح عنه المرويات والسرديات الغربية التي تنزع الى دوام السيطرة كما تعبر عنها الأعمال الروائية الكبرى من «قلب الظلام» لجوزيف كونراد الى «روضة مانسفيلد» لجين أوستن.
إن سعيد يبني آمالاً على الحركة الى الداخل وعلى الخطاب المضاد الذي من شأنه ان يساهم في فلفلة ومناهضة الخطاب الامبريالي وتهديم أساطيره، وبالأخص تلك التي يُروّج في منطقتنا العربية التي تستند اليها اسرائيل كدولة عنصرية واستعمارية بآن. من هنا أهمية جهود سعيد كسرديات مناهضة لأساطير الغرب الاستشراقية، ومن هنا أهمية الجهود التي تساهم في فلفلة الخطاب الصهيوني كخطاب نموذجي مرادف للسيطرة والقتل والعنصرية. ومن هنا أهمية هذه الهجرة/ الحركة المضادة التي يدعون اليها سعيد في فضحه لذلك الانشباك بين الثقافة والامبريالية، وبالتالي ذلك النزوع الى دوام السيطرة والاخضاع والاقلال من شأن السرديات المغايرة التي من شأنها أن تفضح ذلك التعايش بين الثقافة والامبريالية لنقل بين الثقافة الغربية والعنصرية الاسرائيلية البادية للعيان التي يحجبها نفاق الغرب ومروياته التي تتستر على العنصرية الاسرائيلية في وضح النهار.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved