الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th October,2003 العدد : 33

الأثنين 24 ,شعبان 1424

إدوارد سعيد: أمانة الكلمة في عنق المفكر
عبدالله السمطي
لمرة واحدة في حياتي شاهدت المفكر والناقد إدوارد سعيد إذ حضرت له محاضرة باحدى قاعات كلية الآداب بجامعة عين شمس بالقاهرة عن الترجمة والاستشراق نظمها قسم اللغة الانجليزية في أواخر العام 1988م، وكانت ترأس القسم الناقدة الروائية رضوى عاشور كنت بالسنة النهائية بالجامعة وقتها، وكانت تتوارد في أسماعنا نحن الطلبة المهتمين بالأدب والنقد أسماء رولان بارت، وفوكو، وامبرتو إيكو وميشيل ريفاتير، وتشومسكي، وجاك ديريدا، ومعهم بالطبع إدوارد سعيد كنا نعجب أن يكون هناك مفكر عربي بهذا الاسم بين هؤلاء المفكرين والنقاد الأوروبيين والأمريكيين ربما كنا نخمن أننا تلقينا الاسم خطأ، ربما كان اسمه إدوارد سايد، أو إدوارد صاد، فالاسم خلفه قامة كبيرة جداً دون شك.. وإلا لما ذكر في الدراسات الغربية وفي الموضوعات التي تتعلق بالفكر النقدي العالمي.
تابعت القراءات تلو القراءات وكان أساتذتنا في قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس ممن يهتمون بالنقد العالمي قد روجوا عبر المناهج الحديثة هذه الأسماء، وكان الفضل الكبير في تعرفنا على هذه الأسماء الدكتور صلاح فضل الذي درسنا الأسلوبية ونظرية البنائية والأدب المقارن خلال المرحلة الجامعية.
مثل إدوارد سعيد لنا أفقاً عالمياً كنا نتلقاه بحب وباحترام وبغبطة لصعود هذا العلم الكبير الى مكانة عليا في الفكر العالمي. إن تأثيره لم يكن عربيا فحسب بل عالمياً. انه يعطي الأمل الكبير لأن يصبح المفكر العربي ذا شأن في الساحة العالمية إذا التزم أمانة الكلمة وتحمل مسؤولية كتابتها، «فالكلمة إن تكتب لا تكتب من أجل الترفيه.. على حد تعبير الشاعر أمل دنقل، وهو ما فعله المفكر الراحل الكبير إدوارد سعيد بجرأة ومغامرة. لقد أدى دور المفكر كما يجب. لم تغره المعيشة بأمريكا لم يهادن أو ينافق، ولم ينشئ مركزاً دولاري النزعة».تحت ستار حقوق الانسان والديمقراطية لنقد بني وطنه المغلوبين على أمرهم إنما قام بدراساته المعمقة لنقد المركزية الغربية. فقدم كتابه المؤثر «الاستشراق» الذي كشف فيه عن الخطاب الكولونيالي والنظرة الاستعمارية الدونية من جانب الغرب لشعوب العالم الثالث. ثم كتب عن الناقد، النص، العالم وتوالت كتاباته حتى الثقافة والامبريالية ثم توجهه الى ذاته وكتابته من «خارج المكان».
كان إدوارد سعيد ملتزما بما يقول ويكتب، حمل أمانة الكلمة والفعل أيضا وهي الصورة الحقيقية الجوهرية للمفكر، من هنا كان رفضه للعنصرية الغربية، كما كان رفضه لاتفاقيات أوسلو 1993 التي كانت ستعطي الفلسطينيين وطنا محاصراً ممزق الأوصال لا سيادة له بحرية أو برية أو جوية فضلاً عن ضياع الحلم العربي والفلسطيني لا بحدود 67، ولا بحدود 2003م، وأثبتت الأيام سلامة موقفه فالكيان الصهيوني يبني جداره العازل ومستوطناته ضمن مخطط سيعود بها مرة أخرى لاحتلال أراض من البلدان العربية المجاورة.
إدوارد سعيد وجه أصيل للمفكر العربي الذي لم تغره الاغراءات لينقلب على شعبه وتاريخه وثقافته وهويته.
نتقصى أخباره من بعيد ونبتهج لأن أمل الكلمة وحلمها عبر هذا المفكر يعطي بصيصاً من ضوء في كوكبنا العربي المعتم، الذي أطفأنا توهجه بأيدينا منذ أكثر من خمسين عاما بهذه الاستقلالات المنقوصة التي قادت الى كراسي للحكم عسكرية وشمولية ورجعية والى سلطات أكثر تسلطاً من الاستعمار نفسه.
كان إدوارد سعيد ينتقد ذلك كله في مقالاته في الحياة، وفي كتاباته التي كنا نقرأها مترجمة، كتاباته التي تحمل الأمل والاشراق، وحين كنا نرى الغضب في كتابات أعدائه وأعدائنا نشعر بنوع من النصر، النصر على هزائمنا الداخلية والنفسية.
إدوارد سعيد مفكر من طراز خاص، وقارئ لمفاهيم عالمنا المعاصر بجرأة الفارس، ومغامرة المبدع.. سنظل نتعلم منه الحكمة، حكمة المبدع، والمفكر وإشراقات الرائي المتفجر بالأسئلة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved