الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th October,2003 العدد : 33

الأثنين 24 ,شعبان 1424

قراءة في مجموعة
للأعراس وجهها القمري لزينب غاصب (2- 2)
سهام القحطاني
** ورغم اختلاف زوايا الرؤية لعلاقات النصوص في ديوان وللأعراس وجهها القمري، إلا أننا نلحظ نهائية موحدة لجميع تلك العلاقات، وتوضيح هذه النقطة يسحبنا للحديث عن خصوصية الشكل الشعري لقصيدة التفعيلة، فاستراتيجية تفاصيل الموضوع في القصيدة التقليدية تختلف عن قصيدة التفعيلة، نظراً لخصوصية النظام اللغوي والموسيقي لكلتيهما، فالقصيدة التقليدية لا تستوعب التفاصيل الدقيقة المشرحة المشحونة بانفعال مفرد أو جزء من انفعال، بسبب اعتمادها على تعددية وتكرارية الإيقاع التفعيلي في الشطر الواحد، في حين أن قصيدة التفعيلة تستوعب خصوصية تشريح التفاصيل وتجزئ الانفعالات أو تركيزها داخل دائرة انفعالية واحدة إنها أشبه بالقصة القصيرة في الأدب النثري، لذا فهي لا تتحمل حشد الانفعالات المتعددة، وهذا الفرق المنهجي قد يغفله بعض الشعراء المتمرسين في كتابة القصيدة التقليدية كما نجده عند الشاعرة في نص مقاطع أولى للحلم، وللأعراس وجهها القمري، قالت الأرض، ولو كتبت هذه القصائد بصورة تقليدية لأتيح لها امتداد أعمق مما هي عليه لأنها تحتوي على مساحات واسعة لاستيعاب كثير من الانفعالات، كما أنها قادرة على طول النفس الإيقاعي، فالقصيدة التقليدية أقدر على استيعاب الانفعالات، والأفكار المتعددة، لذا فهي الأصح للموضوعات الكلاسيكية مثل المديح والفخر والهجاء متعدد الاتجاهات، في حين أن الرثاء والزهد قد تستوعبهما قصيدة التفعيلة إذا اعتمدا على تشريح أحادي، وكذلك الهجاء هو الاتجاه الواحد، كما نجد ذلك عند الشاعر أحمد مطر، ونجاح عملية التشريح أو التجزئ أو التركيز في قصيدة التفعيلة تعتمد على مهارة الشاعر في خلق التكوين اللغوي للشعر، لذا اعتبر شعراء الرمزية أن الشعر عبارة عن كلمات وليس أفكاراً، انطلاقاً من إيمانهم بالنظرية البنيوية والحقيقة أن القصيدة التفعلية لا تخضع لنظام موسيقي خاص فقط، بل وخصوصية لغوية، أي أن التشكيل اللغوي في الشعر التفعيلي له مواصفات خاصة جداً عن القصيدة التقليدية، يجب أن يدركها الشاعر، مواصفات تنطلق من خلال صياغة تتسم بترانسند نتالية مكثف، ويحدث ذلك عن (أحد أمرين أو كليهما، فإما أن تكون هذه الكلمات ذات طبيعة تهيئها لذلك كالرموز مثلاً، وإما أن تدخل هذه الكلمات في علاقات غنية مع الكلمات الأخرى، فالأمر الأول داخلي وأما الثاني فهو خارجي)(1).
فالمفردة في القصيدة التفعيلية تصنع وفق أربع دوائر مترابطة، دائرة الانفعال ودائرة التصوير ودائرة الايقاع الذي يتضمن الدلالة الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والوزن ودائرة العلامة اللغوية،، وبصورة أخرى فالعلامة اللغوية هي المفرز النهائي للتزاوج بين الانفعال والإيقاع والتصوير.
(والحديث في هذا الأمر متشعب الأطراف).
الانفعال التصوير الإيقاع العلامة اللغوية
** أعود لديوان للأعراس وجهها القمري، وأقول إن اللغة الشعرية يعتمد تحليلها من خلال بؤرة الانفعال الذي تكون لنا تفاصيل كل علاقة، إذا أن النص الشعري في هذا المستوى من الانفعال هو الخالق الأول للتشكيل اللغوي للشعر والممنهج لتفاصيله، المعتمدة على الدلالة المختزنة داخل المفردة كرمز، يصنع لك منها sight، يتراءى أمامك من خلال شفافية ففي نص تراتيل للوقت تعتمد الشاعرة على تحريك حالة الخضوع من خلال استخدام مفردة توحي بالحركة (الملم، صرير، يتجمد، أثور، تكتظ، يرقص، ينشد،) هذه المفردات التي تحول الانفعال المجرد إلى حركة تبعث روح التواجد الذي تريده الشاعرة، من توضيح علاقة التحدي في وجه الخضوع لذا اعتمدت على أفعال مادية انفعالية، وفي المقطع الرابع من النص نلاحظ أن الشاعرة عادت إلى تثبيت حالة الخضوع للتعليل لكشف تفاصيل العلاقة من خلال الجملة التوليدية (سواحل الدفء، الصيف ليروي مياه البحر، هاتي الوهج) أي مفردات ذهنية غير انفعالية، لتسهم في احتمالية المعنى للتفاعل مع الحالة، فالتفاعل هنا مع الحالة يعني البحث عن محتمل أكثر تفاؤلاً لكنه تفاؤل يتجه من خلال صور النهائيات الحتمية للأشياء (أهدأ أثور، الأزهار، الجفاف، يتجمد مكسرة)، ومن خلال السؤال الجائز للبحث (اسائل، هل) الذي يفتح خزائن لعالم منظور جديد يمنح Value للمحتمل، أو من خلال تقابل التحولات حيناً والمنطقيات حيناً آخر، التقابل عادة لا يشترط التضاد، بل التوظيف الدلالي لعمليات تجزئ التفاصيل المؤسسة للعلاقة المخصوصة للمحتمل، (تحرك في لظى الصحراء، تحرك في جليد الوقت، صهيلاً يؤرق، حلماً يفوح، ضياء يغيم، بنهار بصحو)، ثم التحول من خلال اختزال الفعل التصويري الذي أضفى على المقطع الشعري سيناريو يتميز بالحركة (ارسم الجوع، استفق دفئاً، شمرّ كالشراع، تجمّر في المحيط) ولو أن ترتيب الجملة الشعرية بدأ من الأدنى (استفق، شمرّ جمرّ) إلى الأعلى أرسم لكان انفتاح الدلالة أوسع، وهكذا تسير الشاعر في تشكيلها اللغوي للنصوص، اعتماداً على التقابل بين متحولات العلاقة التي تناقشها من خلال التفاعل بين الجملة التوليدية والتحويلية، وفي نصوص، الديوان وهو تقابل تبادلي بين الجملة التوليدية لأنها تريد أن تثبت حضور الحالة وتنتهي بجملة تحولية لأنها تريد أن تركز على مفرز العلاقة، ولعل قارئ ديوان وللأعراس وجهها القمري يلحظ تميز الجملة الشعرية بشفافية خاصة وهي المفتاح السحري الذي يسهّل للقارئ الولوج داخل دهاليز علاقة كل نص وذلك من خلال اعتماد الشاعرة على تصنيع مفردة خاصة تتميز بتحديد الدلالة، فأنت لا تستطيع تحميل المفردة في هذه النصوص أكثر من دلالة وهذا أمر طبعي لقصدية هدف الفكرة الشعرية للنصوص وهذا الأمر يريح القارئ، كما أنه لا يتيح للناقد مجالاً لتطبيق القراءة البنيوية على النصوص، فالقراءة البنيوية خاصة للشعراء الذين يطبقون نظرية التفجير اللغوي في النصوص والربيعي ومفردات هذه الانتماءات، التي تحول كل نص إلى سيرينادا رقيقة، وهذا أسهم في تفوق الانتقاء اللغوي للمفردة وفي المقابل غياب الرمز الفلسفي والأنثروبولوجي والنفسي لذات المفردة، وهذا الأمر يقودنا إلى نتيجة أن نصوص الديوان هي نصوص كلاسيكية المضمون واللغة في زي الشكل الحديث للقصيدة.
** أما التشكيل اللغوي فمن اليسير تشريحه لأن الأمر يحتاج إلى تطبيقات كثيرة، لكن أقول ان الشاعر التقليدي في الأصل لا يعاني أي ضعف في التكوين الموسيقى للنص الشعري لأنه متمرس على ذلك فتصبح القصيدة التفعيلة موسيقياً يسيرة التعامل معه، لكن قد تخونه مهارة التوزيع ومهارة الربط التنسيقي بين المفردة والانفعال والصورة والمقطع الموسيقي، والحقيقة، لذا فلا عجب من مهارة التكوين الموسيقي لنصوص الديوان إذا أخذ في الاعتبار بأصله موهبة زينب غاصب كشاعرة متمرسة في كتابة القصيدة التقليدية التي تعتمد على مهارة فائقة في القدرة على التشكيل اللغوي، لكن محاولة الشاعرة في بعض النصوص من مزج الخصوصية الموسيقية، لقصيدة التفعيلة مع الخصوصية الموسيقية للقصيدة التقليدية الحب الأول والأنضج في حياة زينب غاصب الشعرية، قد يجعلها تقع في انزياح موسيقى لعله من باب التجريب، لكنه لا يضرّ بالهيكل الموسيقى للنص وهذا هو المهم، أن مصادر التكوين الموسيقي في نصوص الديوان كانت محصول، إضافة إلى الموسيقى الداخلية، بسبب التقابل بين الجمل التحويلية والتوليدية، النبر، ففي قصيدة لفيفا من الحب، نجد الشاعرة في السطر الخامس من هذا النص أطالت المقطع الموسيقي فأحدث اضطراباً في التنسيق فهي تقول: لزهر تولى، وزهر أشاح، وزهر نما.. في شغاف الفؤاد.. لأشياء كدنا نليها وذابت ولو قالت (وأشياء كرماد ذاب) أو (لأشياء قد ذابت رماد) لكان أساس للموسيقى وأجسد للدلالة الغيبية التي تقصدها علاقة النص.


(1) عبدالكريم الحسن، والموضوعية البنوية.

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
ذاكرة
مداخلات
المحررون
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved